الشيطان يكمن في التفاصيل بالنسبة لأكبر اتفاقية تجارية في العالم
تضم اتفاقية "الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة" الجديدة دولا تأوي ما يقرب من ثلث سكان الكوكب والناتج الاقتصادي، ما جعل وزارة التجارة السنغافورية تصفها بأنها "أكبر اتفاقية تجارة حرة في العالم حتى الآن".
وأمس، قال تشاو لي جيان المتحدث باسم وزارة خارجية الصين، أكبر الدول الموقعة على الاتفاقية، إنها "تمثل دفعة قوية للتعافي الاقتصادي الإقليمي والنمو الاقتصادي العالمي" و"تظهر أن كافة الأطراف ملتزمة بالتعددية والتجارة الحرة".
وتضم الاتفاقية أيضا الدول العشرة الأعضاء في رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان)، بالإضافة إلى أستراليا واليابان ونيوزيلندا وكوريا الجنوبية.
وأكد بيان صادر عن الحكومات الموقعة أن الاتفاقية، التي تم اقتراحها للمرة الأولى خلال قمة استضافتها كمبوديا عام 2012 لدول آسيا-المحيط الهادئ، تظهر "التزاما قويا بدعم التعافي الاقتصادي، والتنمية الشاملة، وتوفير فرص العمل، وتعزيز سلاسل التوريد إقليميا".
ورغم ذلك، فقد كانت دول أخرى أكثر حذرا، وأشارت إلى أن معظم الدول الـ 15 كانت قد وقعت بالفعل عددا لا حصر له من الاتفاقيات المماثلة ولكن أصغر مع بعضها البعض، تتضمن ترتيبات بعيدة المدى مثل اتفاقية التجارة الحرة الموقعة بين آسيان والصين منذ عقد.
وأفاد "مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية" (أونكتاد) بأن الاتفاقية "يمكن أن تساعد في تعافي النمو الاقتصادي بعد جائحة كورونا، وتعزيز التجارة البينية الإقليمية والعلاقات الاستثمارية في ظل التوترات التجارية العالمية، وتوفر إطارا لمزيد من التعاون الإقليمي".
والاتفاقية التي استغرق التفاوض بشأنها ثماني سنوات، وتضمها 510 صفحات، مذيلة بتفاصيل عن الرسوم الجمركية تشغل ما يصل إلى آلاف الصفحات الأخرى- أكثر من ألفين منها تخص كوريا الجنوبية فقط.
وترى ديبورا إلمز، المديرة التنفيذية لـ"مركز التجارة الآسيوي"، وهي منظمة بحثية مقرها سنغافورة، أن "الاتفاقية سوف تستغرق بعض الوقت حتى تتكشّف تفاصيلها"، موضحة أن "الحكومات يمكن أن تبدع تماما لإخفاء تفاصيل مهمة داخل البنود المختلفة".
وعلى الرغم من تعقيدات الاتفاقية، فقد وصفتها إلمز بأنها مع ذلك "يمكن أن تكون أكثر طموحا بشكل عام".
وكانت الهند، ثاني أكبر دولة من حيث عدد السكان وصاحبة خامس أكبر ناتج محلي إجمالي في العالم، قد انسحبت من محادثات الاتفاقية قبل عام بسبب مخاوف من عدم استعداد شركاتها للمنافسة الخارجية.
وتوقع جريج بولينج، الباحث في برنامج جنوب شرق آسيا بـ"مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية"، على موقع تويتر، أن يكون للاتفاقية "تأثير هامشي على التجارة، (خاصة) بدون الهند. فمعظم الأطراف لديها بالفعل اتفاقيات مماثلة أو حتى أفضل مع بعضها البعض".
كما أن الولايات المتحدة، صاحبة أكبر اقتصاد في منطقة آسيا-المحيط الهادئ- ليست طرفا في الاتفاقية.
وكان باراك أوباما رئيس الولايات المتحدة آنذاك قد شارك في قمة عام 2012 عندما تم اقتراح الاتفاقية للمرة الأولى، إلا أن بلاده كانت تقود في ذلك الوقت مفاوضات بشأن اتفاق تجاري منفصل يعرف باسم "الشراكة عبر المحيط الهادئ".
وانسحبت الولايات المتحدة لاحقا من الاتفاق بعد انتخاب الرئيس دونالد ترامب عام 2016.
ورغم أن رابطة آسيان هي أول من اقترح اتفاقية "الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة" فإن القوة الاقتصادية للصين وغياب الولايات المتحدة عن كل من الاتفاقية وكذلك من اتفاق "الشراكة عبر المحيط الهادئ" قد زادت التكهنات بأن الصين ستهيمن على التجارة الإقليمية بشكل متزايد، بالتزامن مع توقعات بأن الصين تمضي قدما لتحتل مكانة الولايات المتحدة كأكبر اقتصاد في العالم قبل منتصف القرن.
وأكد بولينج :"إنها خسارة كبيرة للولايات المتحدة أن تبقى منزوية في حالة استياء بينما يمضي الآخرون قدما في وضع القواعد الاقتصادية".