«الحمائية التجارية» تهدد بأزمة غذاء عالمية
وضعت دول عدة حول العالم حواجز تجارية أمام تدفق تصدير البضائع خلال الشهرين الماضيين، لحماية الإمدادات «الشحيحة» بالفعل من الغذاء والسلع الأساسية. وحذر اقتصاديون من أن سياسات الحمائية التجارية تهدد بتفاقم أزمة الغذاء العالمية.
مع الغزو الروسي لأوكرانيا، سعت بعض دول العالم إلى تأمين الغذاء والسلع الأخرى لمواطنيها، وسط نقص المعروض وارتفاع الأسعار، من خلال كبح التصدير. فقد أوقفت إندونيسيا، التي تنتج وحدها أكثر من نصف إنتاج العالم من زيت النخيل، تصديره. وجمدت تركيا تصدير الزبدة ولحم البقر والضأن والماعز والذرة والزيوت النباتية. كما أوقفت أوكرانيا صادراتها من زيت بذور الشمس والقمح والشوفان والماشية، لحماية اقتصادها الذي مزقته الحرب. أما روسيا فقد حظرت مبيعات الأسمدة والسكر والحبوب.
تفاقم المشكلات
وتعمل الموجة الحالية من سياسات الحمائية التجارية على تفاقم المشكلات الاقتصادية الناجمة عن جائحة كورونا، والتي تحاول حكومات العالم أصلاً التخفيف منها، لكن القيود المفروضة على الصادرات ترفع أسعار الحبوب والزيوت واللحوم والأسمدة وغيرها إلى مستويات قياسية، ما يضع عبئاً على فقراء العالم، ويزيد مخاطر الاضطرابات الاجتماعية في البلدان التي تكافح ضد تراجع الأمن الغذائي.
وقال أستاذ التجارة الدولية في جامعة «سانت غالن» بسويسرا، سيمون إيفينت، إن «العالم شهد محاولات لتقييد صادرات المواد الغذائية قبل الغزو العسكري الروسي، لكن تلك المحاولات زادت بشكل هائل بعده». وأضاف أن «الحواجز التجارية الجديدة تأتي في وقت تؤدي فيه الحرب في أوكرانيا، والعقوبات المفروضة على روسيا، إلى إجهاد سلاسل التوريد التي تعاني بالفعل الفوضى بسبب جائحة كورونا».
تهديدات خطرة
وتعد روسيا أكبر مصدر في العالم للقمح والحديد الخام والنيكل والغاز الطبيعي، ومورداً رئيساً للفحم والنفط الخام والأسمدة. كما تعد أوكرانيا أكبر مُصدر في العالم لزيت دوار الشمس، ومصدراً مهماً للقمح والحديد الخام والذرة والشعير. ومع مواجهة البلدان تهديدات خطرة لإمدادات السلع الأساسية، تخلى العديد من صانعي السياسات التجارية بسرعة عن لغة الأسواق المفتوحة، وبدأوا في الدعوة إلى نهج أكثر حمائية. وحذرت وزيرة الخزانة الأميركية، جانيت يلين، من اتجاه عالمي للحمائية التجارية.
انتقال التدابير
وتقول صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية، إن «التدابير الحمائية تنتقل من بلد إلى آخر، فقد أصدرت الصين تعليمات بوقف بيع الأسمدة إلى دول أخرى، من أجل الحفاظ على الإمدادات في الداخل». ورأى الزميل في معهد «بيترسون» للاقتصاد الدولي، تشاد باون، أنه بعد قطع روسيا صادرات الأسمدة، فإن الحظر الذي تفرضه الصين على صادراتها، سيكون أكثر ضرراً، لافتاً إلى أن «قرار الصين بسحب إمدادات الأسمدة من الأسواق العالمية لضمان أمنها الغذائي يعزز المشكلة».
كما تتماشى القيود التي تفرضها إندونيسيا على زيت النخيل مع محاولتها للحفاظ على أسعار الزيوت في متناول الأسر الإندونيسية، وستزيد هذه الإجراءات من الارتفاع الصاروخي في أسعار الزيوت النباتية في العالم، مدفوعة بانقطاع الإمدادات من أوكرانيا، أكبر منتج لزيت بذور الشمس في العالم.
ويرى مدير إدارة إفريقيا في صندوق النقد الدولي، أبيبي إيمرو سيلاسي، أن «دول جنوب الصحراء الكبرى في إفريقيا تواجه صدمة شديدة من ارتفاع أسعار المواد الغذائية والوقود، التي ستؤدي إلى تباطؤ النمو الاقتصادي، وإغراق الحكومات في الديون، وتقويض مستويات المعيشة».
من جانبها، حثت منظمة التجارة العالمية الدول الأعضاء لمنع تقييد الصادرات ومشاركة أي مخزون احتياطي من المواد الغذائية، في محاولة لمنع الأسعار من الارتفاع.
ارتفاع أسعار السلع
الحرب المطولة في أوكرانيا، أو إضافة عقوبات جديدة على روسيا، قد تؤدي إلى زيادة ارتفاع الأسعار.
وأظهر تقرير للبنك الدولي أن الحرب غيرت أنماط التجارة، بطرق من شأنها أن تبقي أسعار السلع الأولية مرتفعة حتى نهاية عام 2024، ما دعا بعض الدول للبحث عن مصادر أخرى للسلع، مثل شراء الفحم من دول بعيدة، مثل كولومبيا والولايات المتحدة، لتجنب الشراء من روسيا.
وتُزيد تكاليف الطاقة المرتفعة، أسعار الأسمدة التي يتم إنتاجها بالغاز الطبيعي، ما يؤدي إلى ارتفاع أسعار المنتجات الزراعية. كما أدى ارتفاع أسعار القمح إلى ارتفاع أسعار الأرز كبديل له. وقدر البنك الدولي أن أسعار السلع غير المتعلقة بالطاقة، مثل المنتجات الزراعية والمعادن، سترتفع بنحو 20% هذا العام، قبل أن تنخفض في السنوات التالية، بينما من المتوقع أن ترتفع أسعار القمح أكثر من 40% لتصل إلى أعلى مستوياتها هذا العام.