مطالب باستثمار 25٪ من أموال الصناديق السيادية محلياً
طالب خبراء ومحللون اقتصاديون صناديق الاستثمار السيادية الخليجية برفع نسبة استثماراتها المحلية من 5٪ حالياً إلى ما يتراوح بين 20٪ إلى 30٪ (25٪ بالمتوسط)، لإعادة التوازن بين الاستثمارات الداخلية والخارجية في محافظها الاستثمارية.
وقال الخبراء إن الوضع الاقتصادي الراهن أسقط البعد الجغرافي من الحسابات الاستثمارية، وأدى إلى خلق فرص استثمارية جيدة في الكثير من المناطق التقليدية التي كانت الصناديق السيادية تنأى بنفسها عن الدخول إليها.
وتأتي مطالبة الخبراء في وقت أكدت فيه دراسة عالمية أجرتها شركة «فاينشيال ديناميكس» أن صناديق الاستثمار السيادية العالمية تتحفظ في القيام باستثمارات كبيرة قبل اتضاح أبعاد أزمة الركود الاقتصادي العالمية ووصول الأسواق إلى القاع، وتفضل القيام بدور المستثمر الصامت وطويل الأمد في الشركات التي تستثمر فيها.
وقال الرئيس التنفيذي لمجموعة «فاينانشيال دينامكس»، شارلز واتسون: «أكدت بحوثنا أنه بخلاف الاعتقاد الشائع على نطاق واسع حالياً، أن صناديق استثمار الثروات السيادية باعتبارها مؤسسات استثمار صامتة وطويلة الأمد بصورة أساسية، ليست لديها نوايا لممارسة أي سلطات إدارية أو التصرف بصفة مستثمرين نشطين».
السوق المحلية
وقال رئيس شركة «غلف مينا» للاستثمارات البديلة، هيثم العرابي: «يصل حجم الاقتصاديات الخليجية إلى 700 مليار دولار، بينما يتراوح حجم الأصول التي تديرها الصناديق السيادية الخليجية بين تريليون إلى تريليوني دولار»، وأضاف «الصناديق السيادية كانت دائماً أول من يهرع لإنقاذ المؤسسات والشركات الكبرى في الغرب، وليس من المعقول أن تتخلى عن هذا الدور عندما تكون الشركات المتعثرة محلية».
وأكد أن «دساتير عمل الصناديق السيادية بحاجة إلى إعادة نظر لزيادة المكون المحلي في أنشطتها، والتأكيد على البعد الاستراتيجي الذي تلعبه في تحقيق الاستقرار والتوازن في الاقتصاديات الوطنية»، مشيراً إلى أن «الصناديق السيادية الخليجية لها خصوصية استثمارية، وليست هناك وصفة استثمارية ناجحة تصلح لكل الصناديق».
وأضاف «هوامش الربح التي يمكن أن تجنيها الصناديق السيادية الخليجية من الأسواق المحلية يمكن أن تفوق هوامش الأرباح في الأسواق الخارجية، ويتوجب على هذه الصناديق أن تقوم بضخ السيولة في البنوك المحلية والدخول إلى أسواق الأسهم المحلية لوقف حالة الهلع والبيع وإعادة الثقة إلى المستثمرين».
وأوضح أن «تفسير عبارة وصول الأسواق إلى القاع أمر نسبي يختلف من مكان إلى آخر»، مشيراً إلى أن «الأسواق الغربية لم تصل بعد إلى مرحلة القاع، في الوقت الذي وصلت فيه الأسواق المحلية إلى مرحلة القاع وتجاوزته».
وأشار العرابي إلى أن هناك مجموعة من العوامل التي تثبت وصول الأسواق المحلية إلى القاع، في مقدمتها فقدان الأسهم لنحو 70٪ من قيمتها خلال أقل من شهرين.
واستطرد «أسعار أسهم العديد من الشركات تتداول الآن بأقل من القيمة الدفترية لها، وهناك نسبة 35٪ من الشركات العربية المدرجة في البورصة تتداول بأقل من القيمة الدفترية لها».
وتابع «عدم تراجع أحجام التداول في البورصة، على الرغم من «شلال» الأخبار الاقتصادية السيئة، بل واتجاهها إلى الارتفاع في بعض الأحيان يعد من العلامات على وصول الأسواق المحلية إلى القاع».
أسس مختلفة
من جهته، قال الخبير المالي والاقتصادي، فؤاد زيدان، إن «ما ينطبق على بعض الصناديق لا ينطبق بالضرورة على البعض الآخر، وهناك مثلاً صناديق تستثمر في مناطق جغرافية بعينها ولا يهمها كثيراً مسألة تنويع الاستثمار، وبالتالي فإن أسس الاستثمار لديها مختلفة».
وأضاف «الوضع الاقتصادي لم يصل بعد إلى مرحلة القاع، وعلينا الانتظار حتى نهاية النصف الأول من العام الجاري قبل أن تقرر الصناديق السيادية ما هي الخطوة التالية»، مشيرا إلى أن نتائج أعمال الشركات خلال الربع الأخير من العام الماضي والربع الأول من العام الجاري لا تعبر بالضرورة عن حجم الضرر الذي لحق بالشركات نتيجة الأزمة الاقتصادية.
وبين أن المؤسسات التي ستنجح في الحفاظ على كيانها المالي خلال العام الجاري هي المؤسسات التي سيكتب لها البقاء في مرحلة ما بعد الأزمة. وأشار إلى أن هناك مخاوف في الأوساط الاستثمارية من تأزم الوضع الاقتصادي إذا ما ظهر مزيد من الأزمات في أسواق البطاقات الائتمانية والقروض الشخصية وقروض السيارات.
وقال إن «سيطرة الصناديق السيادية على حصة مسيطرة في الشركات التي تستثمر فيها وتمثيلها في مجالس الإدارات ليس بالضرورة ضمانة لاستمرار وصيانة هذه الاستثمارات»، لافتاً إلى أن «تواجد الصناديق السيادية في مجالس إدارات العديد من المؤسسات التي تعمل في الصناعة نفسها يخلق مزيداً من التناقضات والتعقيدات».
مقاربة حذرة
واعتمدت دراسة شركة «فاينانشيال دينامكس» على استطلاع آراء المديرين التنفيذيين لعينة من الصناديق السيادية في مختلف أنحاء العالم تدير نحو 50٪ من إجمالي أصول الصناديق السيادية في العالم، والتي تبلغ نحو خمسة تريليونات دولار، وركزت الدراسة على الموقف الراهن لصناديق استثمار الثروات السيادية من عمليات تقييم الأصول والاستراتيجيات الاستثمارية والفرص الاستثمارية الإقليمية المتاحة حالياً. وقالت الدراسة إن «صناديق استثمار الثروات السيادية تتبنى على نطاق واسع مقاربة حذرة جداً للأسواق الراهنة، متوقعة تحقيق قيمة أفضل في وقت لاحق من هذا العام». وأضافت «بعض صناديق استثمار الثروات السيادية ستقوم على المدى القصير، بتحويل تدفقاتها النقدية من محافظها العالمية إلى محافظ استثمارية في الأسواق المحلية لتعزيز استقرار أسواقها وتحفيز اقتصادياتها، وتهتم بتملك حصص أقلية في أسهم الشركات المدرجة للتداول في الأسواق، من دون استهداف الحصول على حصص مسيطرة إدارياً، أو التمثيل في مجالس الإدارات أو العمل كمستثمرين نشطين». وأشارت إلى أن «صناديق استثمار الثروات السيادية تتوخى الحذر بصفة خاصة، في ما يتعلق بدعم المزيد من عمليات إنقاذ الشركات المتعثرة، وتعتقد أن أكثر مناطق العالم جاذبية للاستثمار هي البرازيل والصين وبعض دول أميركا الوسطى.
وأوضحت أن «صناديق استثمار الثروات السيادية تتخذ قراراتها الاستثمارية بصورة عامة، عن مدد استحقاق لا تقل عن خمس سنوات، وتلعب عائدات أرباح الأسهم دوراً حاسماً في قرارها الاستثماري، لا يقل أهمية عن عامل نمو رأس المال».
أجمع المديرون التنفيذيون لصناديق استثمار الثروات السيادية، ممن تم استطلاع آرائهم، أن خيارهم الاستثماري المفضل يتمثل في المساهمة بحصص أقلية عبر ضخ رؤوس أموال، بينما لم يرغب أي من تلك الصناديق في الحصول على حصة مسيطرة أو إدارة الشركات المستثمر فيها، ما يوضح تفضيلهم لأسلوب المستثمر الصامت. كما أعرب معظم أولئك المديرين عن عدم رغبتهم في أن يكون لهم تمثيل في مجالس إدارات الشركات التي يستثمرون فيها. ويتفق المديرون الذين يستثمرون في الأسواق الحالية على أمر واحد، وهو أنهم لا يسعون إلى التحكم التشغيلي باستثماراتهم. ولا تمثل عمليات التملك بنسبة 100٪ أو تملك حصص أغلبية على أجندة أعمال أولئك المديرين، وهي أمور لم تهتم بها صناديق استثمار الثروات السيادية تاريخياً.
وأكد معظمهم أن آسيا وأميركا الجنوبية تشكلان أهم منطقتين جاذبتين للاستثمار، بسبب عدد من الاعتبارات النوعية والكمية،حيث تعد تلك الصناديق المكسيك والبرازيل، الدولتين الأكثر جذباً للاستثمار