الإسـمنت تحت وطأة تقلبات السـوق ونقص العرض
شكا مقاولون وتجار مواد بناء وجود نقص مفتعل في منتجات الإسمنت في أسواق الدولة بغرض منع تخفيض أسعارها، بعد تراجع أسعار مختلف مواد البناء أخيراً بفعل المتغيرات الاقتصادية في الأسواق.
وأشاروا إلى أن أصحاب مصانع قاموا بخفض الإنتاج بنسب تصل إلى 50٪ من أجل تقليل المعروض، وبالتالي رفع أسعاره، وذلك على الرغم من انخفاض الطلب عليه نتيجة لانخفاض وتيرة البناء بعد الأزمة العالمية.
وأوضحوا أنه على الرغم من أن جميع أسعار مواد البناء تراجعت بنسب كبيرة ومتباينة، إلا أن الإسمنت وحده لم تنخفض أسعاره جراء سعي بعض المصانع أو الموردين لمنع انخفاضه عبر التحكم والتلاعب في الأسواق، مشيرين إلى أن أسعار الإسمنت في المرحلة التي سبقت الأزمة الاقتصادية لم تتغير بعد حدوثها.
وأضافوا أن بعض المتحكمين في أسواق الإسمنت يتصدون لأي محاولة من جانب أي جهة لتخفيض سعره، على الرغم من قلة حجم الطلب والمشروعات حالياً بما ينعكس سلباً على تزايد أعباء قطاع المقاولات.
وكانت وزارة الاقتصاد قد أعلنت أخيراً عن توجهها لبحث تخفيض أسعار الإسمنت مع المصنّعين عقب تراجع حجم الطلب عليه.
كما حذرت الوزارة من أن استمرار ارتفاع أسعار الاسمنت في الأسواق سيفتح الباب أمام المطورين العقارين والتجار للاستيراد المباشر من الخارج
خفض متعمد
وتفصيلاً، أكد المدير العام لمجموعة شركات «الرحماني لتجارة مواد البناء»، حمد الرحماني، أن مصانع الاسمنت المحلية خفضت إنتاجها بنسبة تصل إلى النصف عمداً بهدف رفع أسعار الاسمنت لزيادة مكاسبها، بعد انخفاض حجم الطلب المحلي عليه.
وأضاف «يبلغ متوسط سعر كيس الاسمنت في الأسواق حالياً 22 درهماً، ووصل في بعض الأحيان إلى ما يتراوح بين 24 إلى 25 درهماً، مقابل 22 إلى 23 درهماً للبيع بالجملة، وكان من الطبيعي نتيجة لانخفاض الطلب أن ينخفض سعر الاسمنت دراهم عدة، وأن تلتزم المصانع بسعر البيع الذي حددته وزارة الاقتصاد، وهو 18 درهماً للكيس و19 درهماً في الإمارات البعيدة، وهو ما لم يحدث، حيث تتجه الأسعار صعوداً نتيجة لخفض المصانع في الدولة إنتاجها بنسبة 50٪ تقريباً لرفع الأسعار بغرض تعويض انخفاض حجم الطلب».
ولفت إلى سعي أصحاب المصانع إلى خلق سوق سوداء موازية والتحكم في الأسعار كما يريدون، حيث فشلت محاولتنا مرات عدة في الحصول على كميات الاسمنت التي نريدها، وكانت الإجابة أننا لا نستطيع الحصول إلا على نصف الكمية المطلوبة على الأكثر نظراً لعدم وجود مخزون يكفي بعد خفض الإنتاج.
واعتبر الرحماني أن قرار وزارة الاقتصاد بخفض سعر الاسمنت لم ينفذ حتى الآن، موضحاً أنه «لا توجد رقابة على الأسواق من جانب أي جهة، ولم نسمع عن تطبيق عقوبات على المخالفين، ما شجع الجميع على تجاهل القرار». وطالب بإعادة تسعير الاسمنت من جانب الوزارة ووضع ضوابط وتشريعات تضبط السوق وتفرض الالتزام بالسعر المحدد من الوزارة من قبل الجميع.
تحكم التجار
من جهته، أفاد المدير العام لشركة «العروبة للمقاولات»، المهندس أحمد المصري، بأن «بعض تجار ومنتجي الإسمنت يتحكمون في حجم المنتجات المعروضة في الأسواق عبر وسائل مختلفة، كتقليل حجم الإنتاج أو المعروض في الأسواق من خلال الموردين لمحاولة منع أي انخفاضات منتظرة في أسعار الإسمنت».
وأوضح أن «الإسمنت المعروض في الأسواق لا يناسب الحجم المتوقع له في ظل تأجيل تنفيذ بعض المشروعات».
ولفت إلى أن التجار يحددون الأسعار وفقاً لطرق الدفع وحجم الكميات المطلوب توريدها للمقاولين، موضحاً أن «سعر كيس الإسمنت حالياً يبدأ من نحو 19 وحتى 23 درهماً على الرغم من تحديد وزارة الاقتصاد سعره عند 18 درهماً».
خطوط معطّلة
وقال المدير العام لشركة «طنب الكبرى للمقاولات»، إبراهيم الخوري، إنه «من المفترض أن يكون الإسمنت متوافراً في الأسواق، خصوصاً بعد انخفاض الطلب في السوق، إلا أنه من الملاحظ أن بعض المصانع تزعم أن بعض خطوطها معطلة في بعض الأحيان من أجل رفع أسعاره». وأضاف أنه طلب كميات كبيرة تصل إلى 5000 طن ووعده الموردون بتلبيتها خلال أيام قليلة بسعر يصل إلى 20 درهماً للكيس نظراً لكبر الكمية.
وقال مدير المشروعات في شركة «البنائين» مصباح محمد منصور إن «الشركات المتعاقدة مع المصانع مباشرة تحصل على احتياجاتها من الاسمنت بسهولة، لكن الشـركات التي تنفذ مشـروعات مقاولات للقطاع الخاص تواجه مشكلات تتعلق بنقص الاسمنت وارتفاع سعره».
وأوضح «تعطي المصانع أولوية للشركات التي تقوم بتنفيذ مشروعات حكومية، وتحصل الشركات المتعاقدة مع المصانع على الاسمنت بسعر 16.5 درهماً للكيس من المصنع مباشرة، لكن بعض الشركات التي تنفذ مشروعات للقطاع الخاص تواجه بعض الصعوبة في توفير احتياجاتها كلها، كما تحصل على الاسمنت بسعر يصل إلى 24 درهماً للكيس نظراً لعدم كفاية الإنتـاج لتغطية السوق المحلية».
وقال مسؤول في إحدى شركات المقاولات، فضل عدم ذكر اسمه، إن «عدم انخفاض أسعار الإسمنت على الرغم من الانخفاضات المتتالية لبقية مواد البناء، وفي ظل ظروف الأسواق في الفترة الحالية يدل على وجود تكتل بين المنتجين لمنع انخفاض الأسعار».
وأضاف أن «عدم وجود أي تخفيضات لسعر الإسمنت حتى الآن يعد من الأمور غير المنطقية نظراً لقلة الطلب حالياً»، مشيراً إلى أن عدم انخفاض أسعار الإسمنت ينطبق أيضاً على منتجات الطابوق والخرسانة الجاهزة لاعتماد عمليات تصنيعهما على الإسمنت بشكل أساس، ما ينعكس سلباً على الأسواق.
تحايل على الأسواق
سياسات التسعيرأوضح مسؤول المبيعات في مؤسسة «سيرينا لتجارة وتوريد مواد البناء» ظاهر الدين سالم، أن «عمليات التسعير يتم تحديدها وفقاً للكميات المطلوبة من المقاولين، حيث تزيد الأسعار للكميات الصغيرة لتبلغ 25 درهماً للكيس الواحد، وتنخفض حتى حدود 18 درهماً للكيس، وخصوصاً للكميات التي تزيد على 100 ألف كيس»، ملمحاً إلى إمكانية تخفيض الأسعار لحدود 17.5 درهماً للكيس في حال زيادة الكميات المطلوبة بشكل أكبر». |
من جهته، أرجع نائب رئيس اللجنة الفنية للاستشارات في جمعية المقاولين، ومدير عام شركة «المشرق للمقاولات والاستشارات»، المهندس عماد الجمل، توجه بعض موردي وتجار الإسمنت لتحجيم كميات الإسمنت المعروضة إلى «محاولة التحايل على سياسات العرض والطلب التي تحكم الأسواق، والتي من شأنها حالياً خفض أسعار مواد البناء بشكل عام».
وطالب بأن تتم مواجهة أي تحايلات تحدث، حتى تأخذ سياسة العرض والطلب مجراها الطبيعي بشكل يصبّ في مصلحة نمو قطاع التشييد في ظل المتغيرات الحالية، مشيراً إلى أنه «من المهم أن يتم طرح الكميات المعتادة من الإسمنت بما يلبي احتياجات المقاولين بعيداً عن محاولات تقليل الإنتاج».
استمرار المشروعات
من جانبه، أشار مسؤول المبيعات في مؤسسة «سيرينا لتجارة وتوريد مواد البناء»، ظاهر الدين سالم، إلى «أنه من المفترض أن تنخفض أسعار الاسمنت، لكن من الممكن أن ترجع أسباب عدم الانخفاض إلى استمرار بعض المشروعات العقارية في التنفيذ»، لافتاً إلى أن «أوضاع السوق بشكل عام تدل على عدم تقليل مصانع الاسمنت لعمليات الإنتاج».
وأوضح أن «غالبية المصانع لم تخفض إنتاجها لتلبية الطلب المحلي، بدليل أن بعضهم رفض التصدير لأسواق خارجية»، واستطرد «على الرغم من أنه بالفعل لا يوجد طلب على مواد البناء بمستويات الفترات السابقة نفسها، إلا أن ذلك لا يعني أن الموردين هم السبب في التلاعب بالأسعار لمنع انخفاضها».
رد المصانع
وقال مدير المبيعات في مصنع «دبي للإسمنت» صلاح سليمان، إن «إدارة المصنع لم تتجه لتخفيض الإنتاج أخيراً بهدف الحفاظ على الأسعار»، موضحاً أن «عملية الإنتاج تتم وفق الكميات والمعدلات المعتادة لتلبية احتياجات السوق».
من جانبه، نفى مدير المبيعات في مصنع «أم القيوين لإنتاج الاسمنت»، أحد أكبر مصانع الاسمنت في الدولة، أشرف سلامة، تخفيض المصانع للإنتاج، وقال «على العكس من ذلك، فقد زاد الإنتاج المحلي لمصانع الدولة في يناير الماضي إلى 1.7 مليون طن، مقابل 1.6 مليون طن في ديسمبر، و1.55 مليون طن في نوفمبر، إلى جانب شحنات الاسمنت المستورد التي تصل إلى نحو 5٪ من الإنتاج المحلي».
وقال «لا تستطيع مصانع الاسمنت أن تخفض إنتاجها حتى في وقت الأزمات، لأن تقليل الإنتاج يعني زيادة تكلفة الإنتاج وحدوث خسائر للمصانع لا تستطيع تحملها».
وأضاف «دأبت المصانع على أن تعمل بكامل طاقتها لمدة 24 ساعة يومياً، لكن لابد أن توقف إنتاجها كل سنة مدة شهر تقريباً على فترات متقطعة من أجل أعمال الصيانة اللازمة، فربما أثر ذلك قليلاً في الإنتاج المحلي في الأيام القليلة الماضية»، مشيراً إلى «وجود سفينة كبيرة حالياً راسية في ميناء زايد تقوم بتفريغ آلاف الأطنان».
مراجعة الأسعار
من ناحيته، قال المدير العام لوزارة الاقتصاد، محمد عبد العزيز الشحي، ل«الإمارات اليوم» إنه «سيتم عقد اجتماع موسع خلال الأيام المقبلة مع مصنعي الاسمنت في الدولة من أجل مراجعة السعر المحدد من قبل الوزارة، وكذلك الأسعار في السوق، ومراجعة أسعار مدخلات الإنتاج خصوصاً الكلينكر والوقود وتكلفة النقل، لتحديد مدى الحاجة إلى تخفيض السعر السابق الذي حددته الوزارة، في ضوء الانخفاض الذي طرأ على جميع مدخلات الإنتاج على المستوى العالمي».
ولفت إلى أنه «سيتم خلال الاجتماع التحقق من استمرارية عمل جميع خطوط الإنتاج المحلية وتشغيل مصانع الاسمنت بكامل طاقتها الإنتاجية».
وحذر الشحي من أن استمرار ارتفاع أسعار الاسمنت في الأسواق سيفتح الباب أمام المطورين العقارين والتجار للاستيراد المباشر من الخارج، نظراً لانخفاض أسعاره هناك مقارنة بالأسعار المحلية، موضحاً أن «من مصلحة مصنعي الاسمنت البدء بمراجعة الأسعار والعمل على تخفيضها بدلاً من حدوث خسائر للمنتجين على المدى الطويل».