مساهمة القطاع الخاص في العمل الاجتماعي «معدومة»
اتهم مسؤولون وخبراء اجتماعيون القطاع الخاص في الدولة بالتخلي عن مسؤوليته الاجتماعية، وقالوا إن نسبة مساهمة شركات القطاع الخاص في الأعمال الاجتماعية تصل إلى صفر.
وأوضحوا في تصريحات لـ«لإمارات اليوم» أن القطاع الخاص حقق أرباحاً هائلة جراء شراكته مع الدولة، خصوصاً بعد تنامي عمليات الخصخصة، إلا أنه لم يقم باستثمار أي جانب من هذه الأرباح لصالح المجتمع.
وطالبوا القطاع الخاص بالقيام بدور اجتماعي يتناسب مع مستوى الأرباح التي حصدها خلال السنوات الماضية، ومع حاجة أعداد كثيرة من قطاعات المجتمع إلى الدعم الاجتماعي، مؤكدين أنه لا وجه للمقارنة بين القطاع الخاص في الدولة والجهود التي يبذلها رجال الأعمال والشركات الغربية، التي تخصص نسباً مئوية من ميزانياتها السنوية لتعليم الشباب وتحمل نفقات دراستهم بالخارج، وإعلان جوائز تشجيعية وحوافز للمبدعين، وبناء رياض الأطفال، وتحسين الحدائق، ودعم مراكز المسنين وذوي الاحتياجات الخاصة، وغيرها من الأعمال التي تصب في خدمة المجتمع.
ورفض رئيس غرفة التجارة والصناعة في أبوظبي، رئيس غرف التجارة والصناعة في الدولة، صلاح بن عمير الشامسي، هذا الاتهام، مؤكداً أن القطاع الخاص يتحمل مسؤوليته الاجتماعية ويقوم بدور اجتماعي لا يمكن إنكاره، خصوصاً في تمويل المنظمات الاجتماعية الرئيسة، مثل الهلال الأحمر، التي تحدد بدورها أوجه الإنفاق التي تحتاجها، كما أن القطاع الخاص يرعى العديد من الأندية الرياضية والمنظمات النسائية.
مساهمة معدومة
وقال الخبير الاجتماعي الرئيس بدائرة التخطيط والاقتصاد في أبوظبي، الدكتور حسن إسماعيل عبيد: إن «القطاع الخاص لا يتحمل أي جزء من المسؤولية الاجتماعية، وإن نسبة مساهمته في العمل الاجتماعي تساوي صفرا».
وأوضح «لم يحاول القطاع الخاص أن يدخل شريكاً للدولة في العمل الاجتماعي بعد تنامي عملية الخصخصة، وبعد أن تنازلت الدولة عن العديد من وظائفها، خصوصاً في قطاعات البنوك والتأمين والخدمات المساندة للقطاع الخاص الذي حقق أرباحاً طائلة نتيجة لذلك، ولم يحاول أن يستثمر ولو نسبة ضئيلة منها لصالح العمل الاجتماعي».
ولفت عبيد، على هامش ملتقى الإمارات للمسؤولية الاجتماعية، الذي نظمته دائرة التخطيط والاقتصاد في أبوظبي ومجموعة الإمارات للمسؤولية الاجتماعية «مسؤولية»، إلى «ضرورة تشجيع القطاع الخاص على المشاركة في مشروعات محددة تحقق أثراً مشتركاً، بحيث تكون ذات عائد اقتصادي ومردود اجتماعي في الوقت ذاته، خصوصاً في مجالات الصحة والتعليم وحماية البيئة والخدمات الاجتماعية الأخرى.
وأكد أن «المنظور المعاصر للمسؤولية الاجتماعية يتجاوز التبرعات والمنح والعطاء المظهري، ليتحول إلى تنفيذ برامج ومشروعات حقيقية تخدم مجالات الصحة والتعليم والبيئة، وتساند الأسرة والمرأة لتمكينها من دخول سوق العمل، وتأهيل الشباب وتبني قدراته، وتدعم المشروعات الصغيرة، فضلاً عن التدخل الاجتماعي لمساعدة المحتاجين، وذوي الاحتياجات الخاصة، والشرائح الأقل حظاً، إضافة إلى الأسر المتعففة، وعلاج المرضى، وتغطية رسوم العاجزين من الطلاب، وكذلك دعم أسر نزلاء المستشفيات والسجون.
مشروعات اجتماعية
من جانبه، قال المدير التنفيذي لمجموعة الإمارات للمسؤولية الاجتماعية «مسؤولية»، الدكتور عادل الشامري إن «مساهمة القطاع الخاص في العمل الاجتماعي في الدولة «تحت الصفر»، على حد تعبيره.
ولفت إلى «ضرورة السعي إلى تحويل الرعاية للأحداث المهمة التي يركز عليها القطاع الخاص حالياً إلى المشاركة في إقامة مشروعات مستدامة ذات أسس اجتماعية مستمرة».
واستعرض الشامري، في كلمة ألقاها خلال الملتقى، بعض المبادرات والبرامج التي تنفذها المجموعة، أبرزها إطلاق موقع الكتروني لـ «مسؤولية» وجائزة أبوظبي للمسؤولية الاجتماعية، وتشمل ثلاث جهات، وهي: أبوظبي، الدولة، العالم العربي، إلى جانب الملتقى السنوي للمسؤولية الاجتماعية- الذي يشارك فيه خبراء من دول العالم كافة، والجهات ذات العلاقة من داخل وخارج الدولة- وإنشاء مستشفى متنقل بلغت ميزانيته حالياً 20 مليون درهم، يقدم خلالها خدمات داخل وخارج الدولة، وذلك في إطار مبادرة «زايد العطاء».
شراكة
بدوره، قال المستشار الاقتصادي لدائرة التخطيط في أبوظبي، عقيل محمد شريف فولاذي: إن «القطاع الخاص حقق استفادة كبيرة من الإنفاق الحكومي العام، خصوصاً في ظل ظروف الأزمة المالية العالمية، التي تطرح تحديات كبيرة، وينبغي أن نتكاتف لبناء قطاع خاص قوي يتحمل مسؤوليته الاجتماعية».
وأضاف «ربما لا تصل مساهمة القطاع الخاص إلى صفر، لكنها محدودة للغاية في جميع الأحوال»، مطالباً بأن تكون «المشاركة على أساس القيام بدور منظم ومؤسسي، وتحويل الشراكة بين القطاعين الحكومي والخاص إلى شراكة اقتصادية اجتماعية في الوقت نفسه».
دور كبير
من جانبه الشامسي، أن تكون مساهمة القطاع معدومة، موضحاً أنه «لا يمكن إطلاق الاتهامات على عواهنها».
وقال «تقوم شركات القطاع الخاص بدور اجتماعي كبير لا يمكن إنكاره، خصوصاً في مجالات دعم ورعاية الأنشطة الاجتماعية والأندية الرياضية والتجمعات النسائية»، مضيفاً «تعتمد مؤسسات كاملة مثل الهلال الأحمر على مساهمات القطاع الخاص، حيث تقوم شركات القطاع الخاص، وبصفة خاصة الشركات العقارية والمصارف، بتوجيه مساهماتها إلى الهلال الأحمر، الذي يقوم بدوره بتوجيه هذه المساهمات للأنشطة التي يحددها وفقاً لرؤيته».
وأوضح الشامسي «يوجد إطار مؤسسي بالفعل لهذه المشاركة، وهي غرفة التجارة والصناعة، ونحن نتطلع إلى زيادة هذا الدور وتوسيع القطاعات التي يشملها البرامج».
ولفت إلى أن «هذا الدور كبير للغاية حالياً، لكن يجري العمل على جعله أكثر فاعلية ونشاطاً واستمرارية».
إلى ذلك، أكد خبير شؤون المسؤولية الاجتماعية في البحرين، الدكتور خالد بومطيع، أن الاستثمار في مجال المسؤولية الاجتماعية يعزز مكانة المؤسسة لدى الجهات الحكومية والمصرفية وشركات التأمين، خصوصاً عندما تزيد المخاطر، حيث يبقى الرصيد غير المادي المحسوب، وهو سمعة المؤسسة ومشاركتها في خدمة المجتمع».
التنمية الاقتصادية
وتشير دراسة أجراها، الدكتور حسن إسماعيل عبيد، إلى أن القطاع الخاص أصبح شريكاً استراتيجياً ومساهماً فاعلاً في حركة التنمية الاقتصادية، وأن ذلك لم يكن متيسراً لولا دعم حكومة أبوظبي، التي وسعت فرص التجارة والاستثمار أمامه بشكل غير مسبوق، حتى زاد إسهامه في الناتج المحلي على 19٪، بينما يشير المستقبل إلى دور متصاعد للقطاع الخاص في حركة التنمية، إلا أن دوره الاجتماعي لم ينمُ بالوتيرة نفسها.
واعتبرت الدراسة أن «القطاع الخاص يعاني من «فقر معرفي» بمفهوم المسؤولية الاجتماعية، وأن هناك خلطاً بين ثقافة المسؤولية الاجتماعية والعمل الخيري الإنساني».
ودعت إلى تبني أسلوب الشراكة الإستراتيجية مع الشركات التجارية ومؤسسات القطاع الخاص، واقتراح مشروعات وبرامج اجتماعية رائدة في ميادين العمل الاجتماعي، وتأسيس صندوق المسؤولية الاجتماعية بدائرة التخطيط والاقتصاد، تودع فيه حصيلة مساهمات الشركات والمؤسسات التجارية ليصرف من عائده على المشروعات الاجتماعية.
التدريب على المسؤولية الاجتماعية
دعا «ملتقى الإمارات للمسؤولية الاجتماعية» جميع جهات القطاع الخاص إلى الخروج من دائرة الرعاية المحدودة ذات الأمد القصير، والنتائج غير المستدامة للمسؤولية الاجتماعية إلى شراكة حقيقية طويلة الأمد تعود بالنفع على المجتمع.
وأطلقت دائرة التخطيط و«مسؤولية» و«غرفة أبوظبي» خلال الملتقى مبادرة هي الأولى من نوعها في الدولة ضمن مبادرة «زايد العطاء»، وهي أول برنامج تدريبي على مستوى الدولة لتطوير مهارات الكوادر الوطنية في مجال المسؤولية الاجتماعية للمؤسسات، يجري تنفيذه بأكاديمية الأعمال التابعة للدائرة.
وأوصى الملتقى بإصدار تشريعات تحكم برامج المسؤولية الاجتماعية للشركات يشترك في إعدادها كل من الشركات والمؤسسات الخيرية والجامعات ومراكز البحث، فضلاً عن الوزارات المعنية.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news