غياب التدخّل الحكـــومي فـي الغرب وراء «الأزمة»
قال خبراء إن غياب التدخل الحكومي في الاقتصاد في الدول الغربية خلال السنوات الماضية أدى إلى حدوث الأزمة المالية التي يعيشها العالم الآن.
واعتبروا، خلال منتدى عن الجوانب القانونية والاقتصادية والأمنية للأزمة المالية الراهنة نظمته شرطة دبي، أن المشكلة تكمن في النظام الرأسمالي الذي يحد من إمكانية التدخل الحكومي ـ سواء عبر الإشراف أو التشريع ـ في القطاع المالي.
ودعوا إلى أن تتبنى حكومات المنطقة سياسة عملية بعيداً عن الأفكار الاقتصادية الجاهزة والتدخل لدعم القطاعات المتضررة جراء الأزمة.
وطالب سموّ الشيخ ماجد بن محمد بن راشد آل مكتوم، رئيس هيئة دبي للثقافة والفنون، المشاركين في المؤتمر بوضع تصور لآلية اقتصادية جديدة تشفي الاقتصاد العالمي من أزمته الراهنة وتجنبه الوقوع فيها مرة أخرى.
وقال سموّه، في كلمة ألقاها في المؤتمر، إن «من الجدير الاستفادة من تجربة الإمارات وما اتخذته في مواجهة هذه الأزمة من سياسات حكيمة وخطط بناءة أسهمت بشكل كبير وفاعل في التقليل من الآثار الضارة للأزمة».
تفاقم الأزمة
وتفصيلاً، قال عميد كلية الحقوق في جامعة المنصورة في مصر، أحمد عبدالخالق، إن «غياب التدخل الحكومي في الاقتصاد في الدول المتقدمة، وعلى رأسها الولايات المتحدة، أدى إلى تفاقم المشكلة المالية وتحولها إلى أزمة اقتصادية عالمية».
وتساءل عن سبب عدم تدخل الحكومات الغربية لضبط الأسواق على الرغم من وجود مؤشرات وبوادر أزمة ائتمان منذ سنوات، موضحاً أن «افساح المجال أمام المستثمرين والمؤسسات المالية للتوسع في المضاربة والإقراض أدى إلى تعقد الأمور وظهور الأزمة الحالية بأبعادها المتعددة، وأخطرها البعد النفسي»، مشيراً إلى أن «العامل النفسي في الأزمة قد يسهم في مضاعفة آثارها إذا لم يتم التعامل معه بشكل فعال».
ولفت إلى أن «الحكومات الغربية انتهجت منذ نهاية الحرب العالمية الثانية سياسة أصولية رأسمالية توجت في ما يسمى «إجماع واشنطن» عام ،1989 الذي دعا فيه كبار الاقتصاديين الأميركيين وممثلون عن مراكز البحث وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي بشكل صريح إلى عدم تدخل الحكومات في الاقتصاد وتحرير الأسواق بشكل كامل، وضرورة إزالة العقبات أمام الإنتاج وخفض الضرائب، وبالتالي تقليص حجم التدخل الحكومي خصوصاً في الدول النامية». وذكر أن «تغير وظيفة المال في الاقتصاد الأميركي والاقتصادات التابعة له وتحوله إلى سلعة يتم تداولها أدى أيضاً إلى الوضع الحالي»، موضحاً أن «الفصل التام بين القطاعين المالي والصناعي في الولايات المتحدة أسهم في زيادة كبيرة في الإنتاج دون وجود أسواق لهذه المنتجات ووجود عجز دائم في ميزان المدفوعات الأميركي».
ودعا دول المنطقة إلى «تبني سياسة عملية تهدف إلى دعم القطاعات المتعثرة ووضع المزيد من القيود على الإقراض والخدمات المالية المعقدة»، كما دعا إلى «إنشاء منتدى اقتصادي عربي لمناقشة القضايا الاقتصادية العربية ووضع الحلول التي تلائم خصوصية مجتمعات المنطقة بدل استيراد الحلول من الخارج».
سياسات خاطئة
من جانبه، اعتبر الأستاذ المحاضر في كلية الاقتصاد في جامعة حلوان، رمضان صديق، أن «السياسات المالية الخاطئة أسهمت في نشر عدوى الأزمة»، موضحاً أن «شعوب العالم تدفع ثمن أخطاء النظام المالي الأميركي».
وأوضح أن «أكثر ما يميز هذه الأزمة الاقتصادية عن غيرها هو الحجم غير المتوقع لها وشموليتها»، مشدداً على «دور حكومات المنطقة في تطبيق سياسات مالية حكيمة للحد من انتشار الأزمة».
بدوره، أكد البروفيسور في التخطيط العمراني وتطوير الأعمال في جامعة «ساوث بانك» في بريطانيا، علي بارسا، أن «غياب التشريعات الحكومية في سوق الإقراض في المملكة المتحدة والإشراف غير الفعال من قبل الجهات المسؤولة عن تنظيم القطاع المالي أسهما في تعميق آثار الأزمة المالية على السوق البريطانية». وأشار إلى أن «أحد البدائل المطروحة للتمويل في بريطانيا هو النظام المالي الإسلامي».
بيع الديون
من جهته، قال أستاذ الشريعة الإسلامية في جامعة البحرين، أحمد بخيت، إن «ثقافة الاستدانة ومن ثم بيع الديون، أو توريقها كما يسمى في النظام المالي الإسلامي، أدى إلى تفاقم الأزمة المالية العالمية».
وحذر من أن «تتجه الحكومات إلى إقرار المزيد من خطوات إقراض البنوك وتشجيع الإقراض مرة أخرى في السوق، وبالتالي العودة إلى النظام المالي المعمول به سابقاً».
ونبه إلى ضرورة «إطلاع المقترضين على جميع بنود عقود الإقراض بالتفصيل»، معتبراً أن «أسباب أزمة الائتمان في الولايات المتحدة تكمن في البنود الصغيرة والحواشي المخفية في عقود الإقراض».
خطة شاملة
من جانبه، قال مدير عام أكاديمية شرطة دبي، العميد محمد أحمد بن فهد: إن «الدولة اتخذت إجراءات مراجعة شاملة للسياسات الاقتصادية فور وقوع الأزمة، ووضعت خطة شاملة تمتد من ثلاث إلى خمس سنوات لمواجهة الركود الذي كان متوقعاً في بداية الأزمة وأصبح حقيقة واقعة على الصعيد العالمي».
وأضاف أنه «فضلاً عن تلك الخطة، سارعت الحكومة إلى اتخاذ عدد من القرارات الاقتصادية والمالية، منها ضمان عدم تعرض أي من المصالح الوطنية لأي مخاطر ائتمانية، وضمان عمليات الاقتراض في ما بين البنوك، وهو ما لم تفعله أي حكومة أخرى وضمان توفير السيولة لدى المصارف برصد ما مقداره 120 مليار درهم من البنك المركزي، لتكون تحت طلب البنوك التجارية». وأشار إلى أن «الإجراءات شملت كذلك ضمان ودائع المستثمرين من مواطنين وأجانب لدى المصارف الوطنية دون سقف محدد، وهو أمر كفيل بجذب الاستثمارات الوطنية والأجنبية إلى المصارف الإماراتية باعتبارها ملاذاً آمناً للاستثمار أيا كانت جنسيته»، لافتاً إلى أن بعض الحكومات فعلت ذلك في ضمان ودائع المستثمرين، لكنها جعلت لها سقفاً، مؤكداً أن «هذه القرارات العاجلة كانت كفيلة بكبح جماح الأزمة على الصعيد المالي بالنسبة للدولة».
وعلى الصعيد الاقتصادي، أفاد بن فهد بأن «الدولة اعتمدت سياسة تنويع مصادر الدخل»، مشيراً إلى أن ذلك يلاحظ في مجالات السياحة والعقارات والخدمات، فضلاً عن القطاعات الأساسية كقطاع الصناعة الذي بات يمثل 17٪ من الناتج المحلي، لافتاً إلى أن «ما يزيد الثقة في الاقتصاد الوطني هو تقارير وكالات التصنيف والتقييم الدولية، مثل «مورغان ستانلي» و«موديز»، و«ستاندرد آند بورز» التي أشادت بقدرة هذا الاقتصاد على مواجهة الأزمة».