خبراء: متانة الاقتصاد الـوطني ساعدت على احتواء «الأزمة»
أفاد خبراء اقتصاديون بأن البيانات الأولية الصادرة من وزارة الاقتصاد، التي أعلنت عن تحقيق الناتج المحلي الإجمالي لنمو قدره 4.7٪ مقارنة بحجم نمو بلغ 2.5٪ خلال عام ،2007 تدل على أن صلابة مقومات الاقتصاد الوطني ساعدت على استيعاب متغيرات الأزمة المالية العالمية، وعملت على نموه خلال العام الماضي.
وأضافوا أن البيانات فاقت توقعات بعض التقارير الاقتصادية، وأوضحت حجم محدودية الأزمة على المؤشرات الاقتصادية المحلية، لافتين إلى أن المبادرات الحكومية مع بداية ظهور الأزمة نهاية العام الماضي كان لها آثار إيجابية في مواجهة التأثيرات السلبية مع فوائض احتياطات عائدات النفط في أوقات الارتفاع، التي أسهمت في توافر إمكانات المضي في تحقيق المؤشرات التي تم الإعلان عنها.
وأشاروا إلى أن توقعات أداء الاقتصاد الوطني خلال العام الجاري ستشمل تراجعاً، لكنه لن يكون حاداً جرّاء ظروف الأزمة مقارنة بالعديد من دول العالم.
قوة الاقتصاد
وقال أستاذ الاقتصاد الكلي في جامعة الشارقة، الدكتور أسامة سويدان، إن «نمو الناتج المحلي الإجمالي لنحو 4.7٪ وفقاً للبيانات الأولية التي أصدرتها وزارة الإقتصاد أخيراً، يدل على أن قوة مقومات الاقتصاد الوطني ساعدت على استقرار معدلات نموه في مواجهة الأزمة العالمية، التي ظهر تأثيرها في الدولة خلال نهاية العام الماضي».
وأفاد بأن «الاقتصاد الوطني استفاد بشكل كبير من وجود احتياطات مالية مناسبة لديه جرّاء ارتفاع أسعار النفط في فترات سابقة في مواجهة متغيرات الأزمة»، لافتاً إلى أن «ارتفاع إجمالي الصادرات من السلع والخدمات بنسبة نمو بلغت 6.7٪ يرتكز بشكل كبير إلى وجود دعائم عدة لتصدير المواد الخام، سواء بالنسبة للنفط ومنتجاته، أو للمنتجات الأخرى المتنوّعة في قطاعات مختلفة».
وأوضح أن «توقعات أداء الاقتصاد خلال العام الجاري ربما تختلف بنسب متباينة عن العام الماضي، في ظل تطور متغيرات الأزمة الاقتصادية، مع توقعات صندوق النقد الدولي أخيراً بنسب تراجع كبيرة في معدلات النمو في منطقة الشرق الأوسط بشكل عام، بجانب تأثر القطاعات الاقتصادية في الدولة بنتائج الانفتاح الاقتصادي على دول العالم، بما يظهر آثار الأزمة بشكل أوضح».
وأضاف أن «الأزمة الاقتصادية وآثارها في أسواق المنطقة تجعل من الصعوبة بمكان توقع حجم تأثر الناتج المحلي للدولة خلال العام الجاري بها»، مشيراً إلى أن تنوع مجالات واستقرار بعض المقومات الاقتصادية في الدولة، إلى جانب القرارات التي تم اتخاذها في مواجهة الأزمة، من الممكن أن تجعل من تراجع المؤشرات الاقتصادية المحلية خلال الفترة المقبلة بسيطاً مقارنة بتأثير الأزمة في دول أخرى في مختلف أنحاء العالم، بدليل البيانات التي أصدرتها وزارة الاقتصاد.
رد إيجابي
بدوره، اعتبر الخبير الاقتصادي الرئيس التنفيذي لشركة «غلفمينا للاستثمارات البديلة»، هيثم عرابي، أن تقرير وزارة الاقتصاد الأخير بمثابة «الرد الإيجابي» على توقعات بعض التقارير والمحللين الاقتصاديين المتشائمين حول مدى التأثر بالأزمة محلياً، موضحاً أنه «عند مقارنة نسبة نمو الناتج المحلي لعام 2008 ـ التي فاقت 7٪ ـ مع نسب النمو للعام الماضي، التي بلغت 5٪، فإنه يتأكد أن تأثيرات الأزمة في الاقتصاد الوطني كانت محدودة ونسبية، وفقاً لتلك المؤشرات».
وأشار إلى أنه على الرغم من ظهور بوادر أزمة الرهن العقاري خلال ،2007 وما تبعها من ظهور الأزمة المالية خلال النصف الأخير من العام الماضي، فإن الاقتصاد الوطني استطاع عبر مقومات اقتصادية مختلفة ومتينة استيعاب الأزمة، والإعلان عن فائض مالي في الميزانية بسبب زيادة الإيرادات المدفوعة بعائدات قياسية لأسعار النفط خلال تلك الفترة.
وأضاف أن «فوائض الميزانية يمكن توظيفها من خلال توافر السيولة اللازمة في عدد من المشروعات الحيوية والاقتصادية المتنوعة خلال العام الجاري إذا لزم الأمر».
واستطرد أن «ظهور أي عجز محتمل جرّاء توسع آثار الأزمة يمكن تغطيته عبر الفوائض المالية، أو إذا لزم الأمر عبر إصدار سندات الدين»، مضيفاً أن «المبادرات الحكومية التي اتخذت فور ظهور بوادر الأزمة أسهمت في القدرة على مواجهتها في بدايتها خلال العام الماضي، سواء بالنسبة لقرارات ضخ السيولة في المؤسسات المصرفية، أو ضمان الودائع في البنوك، ما انعكس إيجاباً على الاقتصاد المحلي».
وطالب عرابي الأجهزة المصرفية بالاستفادة من توافر السيولة في إعادة عمليات الإقراض للشركات والأفراد بشكل ينعكس إيجاباً على الأنشطة الاقتصادية في الدولة، وينعش القطاعات المختلفة حتى تظهر فوائد تلك الخطوات نهاية العام الجاري».
تحسن في 2010
من جانبـه، أكد عضو مجلس إدارة غرفة التجارة والصناعــة في أبوظبي رئيس لجنة العقارات فيها، عتيبــة سعيد العتيبــة، ثقته بصلابة الاقتصاد الإماراتي، على الرغم من استمرار الأزمة العالمية، لكنه رأى أن الأوضاع لن تتحسن بشكل ملموس إلا في عام .2010
وقال «لاتزال الأوضاع الاقتصادية في الإمارات أفضل بكثير من دول أخرى، لكن نتوقع فترة صعبة مع بدايات الصيف المقبل، حيث ستظهر عمليات الاستغناء عن العمالة بشكل أوضح».
ولفت إلى أنه «من المتوقع أن يشعر المواطنون والمقيمون على حد سواء بتحسن كبير اعتباراً من أوائل العام المقبل، لكن سيستغرق الأمر وقتاً طويلاً حتى تعود الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل الأزمة».
تأثير محدود
من ناحيته، قال الخبير الاقتصادي المدير العام لشركة «تروث للاستشارات الاقتصادية»، رضا مسلم، إن «تقرير وزارة الاقتصاد يؤكد تنامي الثقة بالاقتصاد الوطني، ويثبت أن تأثير الأزمة محلياً ليس عميقاً، خصوصاً في ما يتعلق بنسبة نمو الناتج المحلي الإجمالي التي بلغت 7.4٪».
وأشار إلى أن التقرير يعطي ثقة للمستثمرين ويدعم الاستثمار الأجنبي، ويؤكد أن الإمارات لاتزال جاذبة للاستثمار. ورأى أن «هناك عاملين أساسيين يسهمان بشكل رئيس في حماية الاقتصاد الوطني من الآثار العميقة للأزمة ـ إلى جانب الإجراءات الفعالة التي اتخذتها الحكومة ـ أولهما، الفوائض المالية الضخمة المتحققة بفعل ارتفاع أسعار النفط، التي على الرغم من حدوث انخفاض في قيمتها نتيجة للخسائر التي منيت بها بعض الصناديق السيادية، إلا أنها لم تتأثر فعلياً لأن هذا الانخفاض دفتري، والأصول لاتزال موجودة ولم يتم التصرف فيها بالبيع والشراء أو غيرها؛ والعامل الثاني يتمثل في أن الاقتصاد الإماراتي لم يتوسع في المشتقات المالية التي توسعت فيها أوروبا والولايات المتحدة، ولم يتم التوسع في الائتمان»، لافتاً إلى أن الأثر الأكبر انصب على بعض البنوك التي كان لها استثمارات في البنوك الكبرى التي أفلست أو تضررت مثل «ليمان براذرز». وتوقع مسلم توقف التراجع في قطاعات العقار وأسواق المال، لافتاً إلى أن «الفترة المقبلة لن تشهد على الأرجح تداول أي أسهم أقل من قيمتها المصدرة». مطالباً بالتعلم من الدروس المترتبة على الأزمة ورفض دخول الأموال الساخنة، حتى يمكن الحفاظ على أسواق المال من دون تعرضها لهزات عنيفة مثلما حدث نتيجة خروج الأموال الساخنة خلال الفترة الماضية.
|
وحول توقعاته للقطاع العقاري، قال «أتوقع أن يبدأ القطاع، في الدولة بصفة عامة، بالتحرك أواخر العام الجاري بعد عودة العرض والطلب إلى مستويات معقولة»، وأن يصبح حجم الأعمال في القطاع معقولاً نسبياً أواخر العام، لكنني لا أتوقع زيادة عدد المشروعات العقارية بشكل كبير، وإنما سيعود العرض والطلب بشكل معقول، إلا أنه مع ذلك فإن الفائض الكبير من الوحدات العقارية الموجود في بعض الإمارات سيستغرق وقتاً حتى يتزايد الطلب عليه مرة أخرى».
ولفت «لايزال يوجد طلب كبير على الوحدات السكنية في أبوظبي، لكن ليس من الواضـح حـتى الآن، فيما إذا كان دخول وحدات جديدة للإيجار أو التملك سيسهم في تحقيق اكتفاء ذاتي في الوحدات السكنية، أم أن الفجوة بين العرض والطلب ستظل قائمـة، ما سيؤثر في مستوى الأسعار».
وطالب العتيبة بالتوسع في انتهاج سياسات التنوع الاقتصادي خلال الفترة المقبلة لدعم القطاعات غير النفطية، في ضوء الانخفاض الكبير في أسعار البترول؛ كما طالب الحكومة بتقديم دعم واسع النطاق للقطاع الصناعي، لافتاً إلى أنه يحتاج إلى دعم كبير من الحكومة.
وشدد على ضرورة اتخاذ إجراءات عاجلة في ما يتعلق بخفض أسعار الأراضي المستخدمة في النشاط الصناعي، وخفض أسعار الخدمات المختلفة، مثل: الغاز والكهرباء والمياه وغيرها، وتيسير إجراءات الاستثمار بشكل محفز للقطاع، الذي يمكن أن يقوم بدور كبير في الاقتصاد الوطني.