بنوك تلجـأ إلى «الثـروات الخاصـة» و«الأوراق المالية»
قال مصرفيون إن «الأزمة المالية العالمية دفعت بنوكاً إلى إعادة النظر في سياساتها الائتمانية، والتوجه نحو تقديم خدمات مصرفية غير معتمدة على الفوائد، مثل (إدارة الأصول والثروات الخاصة)، و(خدمات الأوراق المالية)، كونها (ملاذاً هادئاً) وسط أزمة الائتمان وما تبعها من معاناة بنوك استثمارية من الخسائر.
وأفادوا لـ«الإمارات اليوم»، أن منطقة الخليج تعد من الأسواق الأكثر جذباً على مستوى العالم للمصارف العالمية، حيث تتنافس العديد من المؤسسات المالية المعنية بإدارة الثروات الخاصة في التواجد من خلال فروع مباشرة أو مكاتب تمثيل. وأكدوا أن «بنوكاً وطنية أصبحت توفر خدمات وتسهيلات ائتمانية متنوعة لكبار المستثمرين الذين تحول معظمهم إلى السوق المحلية، بعد أن شهدت السنوات الماضية اندفاعاً كبيراً نحو الأسواق الأجنبية».
تقليل الخسائر
وتفصيلاً، قال المدير الإقليمي لـ«بنك أوف نيويورك»، هاني القبلاوي، لـ«الإمارات اليوم» إن «البنوك تتجه في أوقات الأزمات الاقتصادية إلى التركيز على الأعمال التي تدر عوائد غير مرتبطة بالفوائد، التي يكون الاعتماد عليها عادة مصحوباً بمخاطر، بعكس الحال في ظل وجود معدلات نمو مرتفعة».
وأوضح أن «من هذه الأنشطة (خدمات إدارة الأصول والثروات الخاصة)، و(خدمات الأوراق المالية)، التي تساعد المصارف على تقليل الخسائر، والحد من التذبذبات العالية»، لافتاً إلى أنه «كلما كانت ربحية البنك بعيدة عن الاعتماد المباشر على الفوائد، كان أقل تعرضاً للمخاطر، وهو مقياس يعتمد عليه في تقييم البنوك، والاطمئنان لملاءتها المالية».
وأضاف، أنه «وخلال السنة الماضية التي تعرف بـ (سنة الأزمة المالية)، اتجهت بنوك إلى إدارة الأصول والثروات الخاصة، كأحد الحلول الجيدة لتقليل الاعتماد على المنتجات المصرفية المعتادة، والتي تشكل الفوائد والارباح، الأساس فيها»، مستدركاً أن «ما يؤخذ على تلك السياسة أن ذلك التوجه لم يكن بدرجة كافية، حيث ركزت البنوك على (إعادة جدولة القروض) بشكل أكثر ».
وطالب القبلاوي البنوك بـ«استقطاب مزيد من المستثمرين العالميين طويلي الأجل، من خلال وضع أسس اقتصادية وتشريعية، تؤمن لهم أدوات استثمارية، وتسهيلات ائتمانية في إطار من الشفافية، والإفصاح، واعتماد مبادئ الحوكمة».
وقال إن «من المفيد للبنوك أن تعتمد أنواعاً عدة من المستثمرين، وليس مستثمري أسواق المال فقط، لأنه على الرغم من عودة أموال كثيرة للاستثمار في السوق المحلية، فإن جزءاً كبيراً من أموال الأثرياء لايزال في الخارج، وتعد الفرصة مواتية الآن لاستقطاب المزيد منها، بعد أن أبدت السوق المحلية تماسكاً ملموساً تجاه تداعيات الأزمة».
أثرياء
وفي سياق متصل، قال مسؤول مصرفي، طلب عدم نشر اسمه، إن «البنوك الكبيرة لديها قدرة أكبر من نظيرتها، ذات الملاءة المالية المحدودة على استخدام ميزانيتها لإقراض عملائها الإثرياء».
وأضاف أنه «على الرغم من أن الإقراض لا يلعب دوراً كبيراً في الخدمات المصرفية الموجهة لهذه الفئة، إلا أنه أصبح أكثر جاذبية في ظل صعوبة حصول الأثرياء على قـروض بمبالـغ تناسب أنشطتهم بسبب أزمة الائتمان» .
من جانبه، أوضح رئيس الإدارة المصرفية الخاصة في بنك أبوظبي الوطني، ربيع رفيعة، أن «إدارة الثروات الخاصة جزء أساس من عمل البنوك، فضلاً عن بقية الخدمات المصرفية المتعارف عليها، لكن أزمة الائتمان العالميـة جعلت المصارف تركز على مناطق استثمارية ذات سيولة عالية، وهو ما نلمسه من تسابق المؤسسات المالية العالمية على وجودها في منطقة الخليـج، باعتبارها سوقاً مهمـة لم تتأثر كثيراً بتداعيات الأزمة، مقارنة ببقية الوجهات الأخرى».
وأضاف أن «البنوك الوطنية أصبحت تلبي الاحتياجات المصرفية للأثرياء التي كانت تقدمها مؤسسات مالية أجنبية، بل إن هناك استقطاباً لمستثمرين أجانب من ذات الفئة، نظراً للاستقرار الاقتصادي الذي تتمتع به الإمارات».
فرص
وأشار رفيعة إلى أنه «من الصعب الحديث عن أرقام حول حجم استثمارات هذه الفئة من العملاء للحفاظ على السرية التي يفضلونها، لكن يمكن القول إن هناك عملاء استفادوا كثيراً من أزمة الائتمان عكس ما يظن كثيرون، نظراً لوجود فرص استثمارية جيدة في قطاعات عدة مثل (صناديق التحوط)، فضلاً عن أن التنافس بين البنوك، جعلها تؤمن استراتيجيات متنوعة للاستثمار على المديين متوسط وطويل الأجل، وتوفير تسهيلات تناسب احتياجاتهم». وأكد أن «النمو الاقتصادي السريع، وفورة الأسواق التي سبقت أزمة الائتمان، رسخت أفضلية (الربح السريع) لدى المستثمرين، خصوصاً الأثرياء»، لافتاً إلى «وجود توجه حالي للاستثمار الواقعي، والذي تراوح مدته بين 5 و7 سنوات، فضلاً عن أن الطريقـة المحافظـة التي تتبعها بنـوك محلية، جعلت المستثمرين يعودون إلى السوق المحليـة كونها أقل مخـاطرة، وأكثر أماناً».
يذكر أن تقرير «ميريل لنش» لإدارة الثروات العالمية قدّر عدد الأثرياء في الإمارات بنحو 67 ألف ثري خلال العام الماضي، فيما لا توجد أرقام دقيقة عن حجم الثروات الخاصة لهم، إلا أن مصادر مصرفية محلية أكدت أن المرأة الإماراتية تمتلك نحو 25٪ من الثروات الخاصة في الدولة، وأن أموالها تشكل 30٪من الودائع المصرفية، فيما يبلغ حجم حساباتها التوفيرية نحو 100 مليار دولار.
ذكرت شركة «أوليفر وايمان» للاستشارات أن «الثروات التي يملكها أفراد ذوو دخل مرتفع على مستوى العالم، والذين يستثمرون أصولاً تزيد على مليون درهم، ستنمو بمعدل 9٪ خلال السنوات الأربع المقبلة، وأن هناك زيادة في حجم الأصول التي يستثمرها الأثرياء من 50 تريليون دولار إلى 75 تريليون دولار بحلول عام 2012». ووفقاً لتقديرات الشركة، فإن «7٪من إيرادات المصارف الاستثمارية على مستوى العالم مصدرها الخدمات المصرفية لإدارة الثروات».
وتشير التوقعات إلى وصول عدد المليونيرات في منطقة الشرق الأوسط إلى نصف مليون مليونير بحلول عام ،2010 يمتلكون 8.1 تريليونات دولار، فيما تقول تقارير إن «الأسر الثرية في دول مجلس التعاون الخليجي الست تسيطر على نحو 5.1 تريليونات دولار من الأصول المدارة من قبل البنوك من بين 109.5 تريليونات دولار هي إجمالي الثروات الخاصة المدارة في العالم».