أزمة «ثقة» بين بنوك وشركات عائلية
كشف أصحاب شركات عائلية معروفة عن وجود «أزمة ثقة» بين بنوك وشركات عائلية محلية، وقالوا إن تعثر مجموعتي «السعد»، و«القصيبي» السعوديتين، دفع بنوكاً محلية إلى التشدّد في التعامل معهم، إلى درجة «منع الإقراض» في حالات، مؤكدين أن «شروطاً إضافية جديدة، فضلاً عن التدابير التي اتخذتها البنوك لمعالجة تداعيات الأزمة المالية، وضعت على منح تسهيلات لشركات كانت تحصل في السابق على التمويل بضمان أسماء العائلات المالكة لها». وأضافوا أن «تلك الإجراءات دفعت أصحاب شركات عائلية إلى التعجيل باعتماد أسس (الإدارة الرشيدة)، أو ما يعرف أخيراً بـ(الحوكمة)، لإنشاء كيان تنظيمي ومحاسبي، يؤمن لها استيفاء الشروط الجديدة للبنوك.
ورفض أصحاب هذه الشركات، على هامش مشاركتهم في ورشة العمل التي نظمها «منتدى ثروات» للشركات العائلية، برعاية غرفة تجارة وصناعة أبوظبي، فكرة التحوّل إلى «مساهمة عامة»، بطرح جزء من أسهم شركاتهم للاكتتاب العام، على الرغم من تعديل وزارة الاقتصاد الحد الأقصى للطرح، من 55٪ إلى 30٪ فقط. في وقت أكدت مصادر في هيئة الأوراق المالية والسلع، لـ«الإمارات اليوم» عدم وجود طلبات من شركات عائلية للتحوّل إلى «مساهمة عامة» حالياً.
أزمة ثقة
وتفصيلاً، عبّر رجل الأعمال الإماراتي عيسى الغرير، أحد مُلاك «مجموعة الغرير»، عن هواجس في مجتمع الأعمال في الإمارات من تكرار نموذج شركتي «السعد»، و«القصيبي»، ما أوجد ما أسماه بـ«أزمة ثقة» دفعت أصحاب الشركات العائلية إلى مراجعة أوضاعهم الإدارية والمحاسبية لضمان مستويات أعلى من الشفافية.
وقال إن «البنوك أصبحت بعد هذا التعثر أكثر تشدّداً في منح التسهيلات للشركات، بوضع شروط إضافية فوق ما تطلبته إجراءات مواجهة تداعيات الأزمة المالية العالمية، من حيث سمعة شركات التدقيق المحاسبية، التي تتولى إعداد القوائم المالية للشركات العائلية».
واستبعد الغرير فكرة التحوّل إلى «مساهمة عامة»، قائلاً إنه «لا يوجد تصور حالياً لطرح جزء من مجموعتنا للاكتتاب العام»، لافتاً إلى أنه «لا علاقة لذلك بملكية الشركة، لأن لدينا نظاماً إدارياً منفصلاً عنا كمُلاك».
وتابع «نجحت شركتنا نموذجاً عائلياً، وهناك شركات تحوّلت إلى (مساهمة عامة) وندم أصحابها على قرارهم، فضلاً عن أننا لا نريد أن نكبد المساهمين الجدد خسائر، قد تتعرض لها الشركة، ما يؤثر في سمعتنا التي هي أهم ما نملك»، مشيراً إلى «وجود شركات عائلية يابانية مستمرة في عملها منذ أكثر من 300 عام من دون أن يؤثر فيها أي شيء».
ونفى الغرير أن تؤدي الصراعات العائلية إلى اندثار هذا النوع من الشركات بعد الجيل الثالث، موضحاً أنه «إذا وضع المُلاك دستوراً يتضمن ضوابط لآلية عمل شركاتهم، فلا مجال للصراعات ولو بعد أجيال عدة، وستبقى هذه الكيانات بالقوة نفسها التي بناها أسلافهم».
مساهمة عامة
وفي السياق ذاته، رفض أصحاب شركات عائلية في دول الخليج كافة، دعوات حكومية رسمية وشبه رسمية، بتحوّل شركاتهم إلى «مساهمة عامة». وعلى الرغم من أن وزارة الاقتصاد خفّضت الحد الأقصى الواجب على الشركة العائلية، أو الخاصة، طرحه للاكتتاب العام من 55٪ إلى 30٪، بهدف تشجيع أصحاب تلك الشركات على التحوّل إلى «مساهمة عامة»، فإن ذلك لم يلقَ قبولاً حتى الآن.
وقال مدير إدارة الشركات في وزارة الاقتصاد، أحمد الحوسني، إنه «على الرغم من أهمية تحوّل الشركات العائلية إلى (مساهمة عامة) بالنسبة للاقتصاد الوطني، فإنه لا قلق عليها، طالما أنها تمتلك قدرة مالية وإدارية تؤمن لها ممارسة نشاطها بشكل طبيعي»، مؤكداً أن «خفض الحد الأقصى للاكتتاب العام معمول به بنص القانون منذ فترة، ولا ينتظر الأمر صدور قانون الشركات الجديد».
معايير مشدّدة
من جانبه، أكد عضو مجلس إدارة «مجموعة الفردان»، أسامة آل رحمة، أن «هناك تجاوباً من أصحاب الشركات العائلية، مع دعوات تطبيق أسس (الحوكمة)، تماشياً مع تداعيات الأزمة العالمية من جهة، وتحاشياً لاحتمالات تعثر مشابهة لما حدث بمجموعتي (السعد)، و(القصيبي) من جهة أخرى»، مضيفا أن «الشركات العائلية تشكل أكثر من 80٪ من مجموع الشركات القائمة في الدولة، وتلعب دوراً مهماً في النمو الاقتصادي».
وأوضح أنه «بات ضرورياً الفصل بين أفراد العائلة، والهيكل التنظيمي للشركة التي يملكونها، ضماناً للشفافية، ولتقليل المخاطر التي تنجم عن النزاعات الداخلية».
وأضاف أن «البنوك وضعت أخيراً معايير مشددة وصلت إلى مرحلة (المنع) في إقراض بعض الشركات العائلية، بعد أزمة (السعد)، و(القصيبي)»، واصفاً ذلك بأنه «مبالغة غير مبررة، لأن الشركات المحلية لاتزال أفضل أداء على مستوى الخليج، على الرغم من الأزمة المالية».
وقال إنه «يمكن فهم هذا التوجه للبنوك، إذا تعلق الأمر بشركات القطاع العقاري مثلاً، نظرا لتشبع السوق، لكن من غير المنطقي أن تنسحب هذه الإجراءات على بقية الأنشطة التي تباشرها الشركات العائلية، ما يستدعي مزيداً من المرونة في معالجة الأمر».
وكشف عن أن «كثيراً من الشركات العائلية كانت مستعدة لطرح جزء من أسهمها للاكتتاب العام، ولكن أجواء السوق الحالية، وما أصابها من تراجع واضح في الأسعار، أرجأت التنفيذ إلى وقت آخر».
توريث الأعمال
أما عضو مجلس إدارة «مجموعة العتيبة»، عتيبة سعيد العتيبة، فيرى أنه «لم يكن لدى الشركات العائلية في السابق خطة واضحة لتوريث الأعمال، خصوصاً أن تفرع العائلات يسبب مشكلات كثيرة، إلا أن الحال تغيرت كثيراً مع إدراك أهمية وضع أنظمة وقوانين داخلية تؤمن سلاسة انتقال الإدارة بين الأجيال»، لافتاً إلى أن «البنوك تتخذ إجراءات صحيحة، على الرغم من أن ذلك أثر كثيراً في الشركات العائلية».
وأضاف أنه «يجب على الكيانات الصغيرة التي تعتمد على الأفراد، أن تتحوّل إلى شركات عائلية ذات هيكل تنظيمي، قبل أن تفكر في التحوّل إلى (مساهمة عامة)».
تصرف مقبول
من جانبهم، رفض مصرفيون التعليق على تشدد بنوك في الإقراض للشركات العائلية، إلا أن مسؤولاً في أحد البنوك، طلب عدم نشر اسمه، قال لـ«الإمارات اليوم»، إن «معظم البنوك المحلية تضررت من تعثر مجموعتي (السعد)، و(القصيبي)، على الرغم من تاريخ المجموعتين في السوق، والذي يقارب نحو 50 عاماً».
وأضاف انه «من الطبيعي أن تهتز بنوك نتيجة هذا التعرض، خصوصاً أصحاب المساهمات الكبيرة، في ظل عدم وضوح الرؤية المتعلقة بتسوية هذه المديونيات»، مؤكداً أن «البنوك تشددت بناء على تعليمات المصرف المركزي، تحسباً لوقائع مشابهة، وهو تصرف مقبول في ظل المخاطر المرتفعة التي سببتها الأزمة المالية العالمية، فهناك تراجع حقيقي للثقة، بالنسبة لكثير من الشركات العائلية، نظراً لأن معظم نشاطها متعلق بالعقارات التي تشهد ركوداً ملحوظا».
وبحسب كبير الاقتصاديين في دائرة التنمية الاقتصادية في أبوظبي، الدكتور باسل البستاني، فإن «العامل النفسي يقف حائلاً بين أصحاب الشركات العائلية، والتحوّل إلى شركات مساهمة عامة، على الرغم من المزايا الكثيرة التي تأتي من وراء هذا التحوّل»، لافتاً إلى أن «التمسك بالإدارة، وربطه باسم العائلة يعلو أية تطلعات أخرى».
وأضاف أن «غياب تنظيم داخلي لهذا النوع من الشركات يؤثر في نشاطها وفرص التمويل التي تحتاجها، خصوصاً أن أحد قرارات صندوق النقد الدولي الأخيرة هي (رفع مستوى الانضباطية والشفافية لكل القروض التي يمنحها القطاع المصرفي في جميع الدول)».
الشركات العائلية أشارت بيانات لـ«منتدى ثروات» للشركات العائلية، أن عدد الشركات العائلية في دبي يصل إلى نحو 30.77 ألف شركة، فيما تشكل الشركات العائلية نسبة 90٪ من إجمالي الشركات العاملة في منطقة الخليج. ووفقاً لمسح أجراه «معهد حوكمة الشركات» (حوكمة)، التابع لـ«مركز دبي المالي العالمي»، و«معهد التمويل الدولي»، فإن عمر الشركات العائلية في منطقة الخليج، لا يتجاوز 23 عاماً، إذ لا تكتب لهذه الشركات الحياة بعد الجيل الثاني. وتطبّق الشركات العائلية 50٪ من المعايير الدولية المتعلقة بـ«حوكمة الشركات»، التي يتوقع أن تساعد على انتقال الثروة العائلية للأجيال المقبلة، وتوزيعها على أعضاء العائلة، بشكل يسهم في بقاء الشركة لا فنائها. وقال المدير التنفيذي لـ«حوكمة»، ناصر السعيدي، في تصريحات سابقة، إن «عمر الشركات العائلية التي تشكل نحو 85٪ من عدد الشركات وحجمها في الخليج، قصير للغاية، إذا ما قورن بعمر مثيلاتها في دول منظمة التعاون والإنماء الاقتصادي (أوسيد)، والذي يراوح بين 30 و35 عاماً». |