«الموبايل» ينضـم إلـى الحرب على «أنفلونزا الخنازير»

برنامج «بريك أوت نير مي» يتيح الإبلاغ عن حالات التفشي غير الموجودة على الخريطة. الإمارات اليوم

أكد خبراء في تقنية المعلومات أن أجهزة الهواتف المتحركة برزت سلاحاً قوياً في المعركة ضد الأوبئة والأمراض المعدية، بسبب قدرتها على دعم نظم الرعاية الصحية وتوفير بيانات فورية دقيقة بتكلفة زهيدة.

وأشاروا إلى أن الأجيال الجديدة من أجهزة الهواتف المتحركة لن تكون مزودة فقط بكاميرات ومشغلات موسيقى وأجهزة ملاحة جوية، وإنما ستضم أيضاً معامل تحاليل بيولوجية متنقلة متناهية الصغر وأجهزة تخطيط قلب وأنظمة للإنذار المبكر ضد تفشي الأوبئة والأمراض المعدية.

وقالوا إن تقنية الهواتف المتحركة هي التقنية الأسرع انتشاراً في التاريخ البشري، ما يجعلها أسرع وأسهل وأرخص وسيلة لنقل المعلومات والبيانات الصحية بصورة فورية.

خريطة الأنفلونزا

وفي التفاصيل، أعلنت شركة «هيلث ماب أليرت» عن برنامج جديد يتيح استخدام الهواتف النقالة أداةً فعالةً في الحرب على «أنفلونزا الخنازير»، ويعتمد البرنامج الذي يحمل اسم «بريك أوت نير مي»، ومعناه «التفشي في المناطق المجاورة لي»، على خريطة تفاعلية تحدد موقع المستخدم بالأقمار الاصطناعية وتقوم بناء على ذلك بإظهار عدد حالات الإصابة والوفاة في المنطقة الموجود فيها، وأقرب المراكز الصحية التي يمكنه مراجعتها، فضلاً عن أحدث التعليمات الصحية والتحذيرات الخاصة بالمرض.

وقال خبير تطوير البرامج في شركة «هيلث ماب أليرت» كلارك فيرفيلد، إن «البرنامــج الذي يعمــل الآن على هاتـف (آي فون) لا يعطي فقط إنذارات أوتوماتيكية في كل مرة يطرأ فيها تغيير في الموقف الصحي للمنطقة التي يوجد فيها المستخدم، وإنما يتيح أيضاً المساهمة في الإبلاغ عن حالات التفشي غير الموجودة على الخريطة، والإبلاغ عن التطورات الميدانية مثل إغلاق المدارس أو المصانع من خلال خاصية نظام الإبلاغ الموجودة في البرنامج».

وأضاف أن «ظهور دور لأجهزة الهواتف المتحركة في المعركة ضد الأمراض المعدية والأوبئة، وبصفة خاصة «أنفلونزا الخنازير»، يعود إلى أن عنصر الوقت عامل حاسم في الانتصار في هذه المعركة من خلال الاكتشاف المبكر لحالات الإصابة، وتحسين فرص الشفاء ومحاصرة انتشار المرض وتتبع مساره، وتوقع حجم الإصابات».

وأشار إلى أن «كم المعلومات والبيانات الهائل التي يمكن تلقيها وإرسالها عبر أجهزة الموبايل والكمبيوتر مباشرة، يسهّل عملية الرصد والتنبؤ والتحذير بصورة تسهم في إنقاذ الأرواح، وتضع حداً فاصلاً بين الموت والحياة».

وحتى الآن يغطي البرنامج، الذي يستمد بياناته من أكثر من 30 ألف مصدر حول العالم من بينها منظمة الصحة العالمية ومراكز الوقاية والأبحاث ووزارات الصحة الوطنية، كلاً من الولايات المتحدة وكندا وبريطانيا والصين والهند والمكسيك وأستراليا وروسيا، ومن المقرر توسيع نطاق التغطية ليشمل عشرات الدول في آسيا وإفريقيا والشرق الأوسط خلال الأشهر القليلة المقبلة.

وتعمل « هيلث ماب» على قدم وساق لتطوير نسخ من البرنامج تعمل على أجهزة الهاتف المتحرك التي تعمل بنظام «اندرويد» الذي طورته شركة «غوغل»، ونظام «ويندوز» الذي طورته شركة «مايكروسوفت»، ونظام تشغيل أجهزة «بلاك بيري» الذي طورته شركة «سيرش إن موشن».

مساهمة أشمل

ولا تقتصر صور مساهمة أجهزة الموبايل في التصدي للأوبئة على البرنامج الذي طورته شركة «هيلث ماب»، وإنما هناك شركات أخرى أخذت الفكرة أبعد من ذلك بكثير، حيث تقوم شركة «اس.تي.مايكرو إلكترونيكس» بالتعاون مع شركة «فاريدوس» المتخصصة في الأبحاث البيولوجية بتطوير برنامج يطلق عليه اسم «فاري فلو»، ويعني «التحقق من الأنفلونزا»، وهو عبارة عن معمل بيولوجي في حجم عقلة الإصبع محمول على جهاز الموبايل، ويعتمد على شريحة تستخدم لمرة واحدة يضع المريض عليها لعابه أو دمه أو مخاطه، وتقوم الشريحة بالتعرف بدقة وسرعة إلى سلالات الأنفلونزا وتحديد تركيبها الجيني وإرسال النتائج مباشرة إلى مراكز العمليات الصحية ومراكز الأبحاث.

وقال مدير عام شركة «فاريدوس»، روز ماري تان إن «البرنامج الذي يمكنه التعرف إلى الأنفلونزا وتمييز أنواعها المختلفة، يمكّن مسؤولي الصحة من التعرف إلى التحورات الجينية للفيروسات وتحديد السلالات الرئيسة السائدة في كل موسم.

ورأى روز ماري أن «التقنية الجديدة يمكن أن تسهم بصورة كبيرة في زيادة فاعلية برامج التطعيم ضد الفيروسات وتقليل المخاطر الصحية العامة المرتبطة بظهور سلالات جديدة».

الأسرع نمواً

وقال مدير عام الأبحاث لمنطقة الشرق الأوسط وإفريقيا بشركة «انترناشونال داتا كوربورشين» العالمية، المتخصصة في أبحاث سوق تقنية المعلومات، ناصر شعشاعة إن «الأرقام والإحصاءات الخاصة بمعدل انتشار أجهزة الهاتف المتحرك ونسبة التغطية التي وصل إليها مشغّلو شركات الاتصالات تفسر بروز دور أجهزة الهواتف النقالة في المعركة ضد الأوبئة».

واستطرد أن «عدد اشتراكات أجهزة (الموبايل) حول العالم وصل في مارس الماضي إلى أكثر من 4.15 مليارات اشتراك، كما شهد الربع الأول من 2009 إضافة 140 مليون مشترك جديد من بينهم 98 مليوناً في الصين وحدها، و48 مليوناً آخرين في الهند.

وأوضح أن «60٪ من سكان المناطق النائية، وبصفة خاصة في إفريقيا حيث لا تتوافر شبكات للانترنت، يمتلكون أجهزة هواتف متحركة، ومن المتوقع أن ترتفع هذه النسبة إلى 85٪ بحلول عام 2010».

وكشف شعشاعة أن «شركات تقنية المعلومات تخطط لاستثمار نحو 800 مليار دولار خلال السنوات الخمس المقبلة، من بينها 550 مليار دولار في خدمات النطاق العريض للهواتف الجوالة».

وأضاف أن «أجهزة الموبايل تتسم بمجموعة من السمات التي ترشحها للعب هذا الدور في مقدمتها رخص الأسعار، الذي يقل عن 20 دولاراً للجهاز في بعض الأحيان، فضلاً عن سهولة الحصول عليه من أي مكان وتوافر أغلب التطبيقات بمختلف لغات العالم، كما أن استخدامه أو تركيبه أو توصيله لا يحتاج إلى مهارات كبيرة من جانب المستخدم، كما الحال بالنسبة للكومبيوتر». وعلى الرغم من تأكيد شعشاعة أن مبيعات أجهزة الموبايل على مستوى العالم حققت نمواً بنسبة 19٪ خلال الفترة بين عامي 2007 و،2008 إلا أنه يحذر من المبالغة في ما يجب توقعه من نتائج دخول أجهزة الموبايل كسلاح في الحرب على الأوبئة، لافتاً إلى أن «هناك عقبات كثيرة تقف في وجه هذه التطبيقات، في مقدمتها ارتفاع نسبة الأمية، وبصفة خاصة في المناطق النائية، ما يحول دون الاطلاع إلى الإرشادات عبر الموبايل».

بكل اللغات

من ناحيتها، قالت مديرة التسويق في شركة «غوغل»، جينيفر هارون، إن «استخدام الكثير من تطبيقات أجهزة (الموبايل) في محاربة وباء أنفلونزا الخنازير لم يكن ممكناً لولا الخرائط التفاعلية التي قامت شركة (غوغل) بتطويرها بأكثر من 37 لغة تغطي معظم دول العالم».

وبينت أن «الشركة طورت هذه الخريطـة التي تضمنت أداة أُطلق عليها اسم (غوغل لتوجهات الأنفلونزا) بعد أن قامت بتحليل ملايين من نتائج وكلمات البحث التي يستخدمها زوار الانترنت، ووجدت أن هناك علاقة طردية بين عدد عمليات البحث وبين معدلات الإصابة بـ(أنفلونزا الخنازير)».

وأشارت إلى أن «نماذج التنبؤ التي طبقتها (غوغل) في تقدير حجم الإصابات أظهرت معامل صدقية يصل إلى 92٪ مقارنة مع النتائج التي أعلنها مركز مراقبة الأمراض الأميركي، على الرغم من أن بيانات الأخير احتاجت إلى أسبوعين لإعلانها».

وأكدت هارون أن «خبراء (غوغل) استبعدوا من الحساب كلمات البحث العامة مثل «أنفلونزا» و«الخنازير»، على اعتبار أن ليس كل من يبحث عن الأنفلونزا هو بالضرورة مصاب بها»، لافتة إلى أن «نتائج التحليل اعتمدت على كلمات البحث التي ترتبط مباشرة بمعدلات الإصابة، مثل مواقع مراكز الإسعاف، ومواقع الحصول على التطعيم وغيرها».

وقالت إن «خريطة (غوغل) التفاعلية تغطي الآن أكثر من 22 دولة في مختلف أنحاء العالم»، مبينة أن «السرعة النسبية التي تتميز بها نتائج التنبؤ التي طورتها الشركة توفر الوقت اللازم للتحضير والاستعداد لمواجهات موجات تفشي الوباء».

ولفتت هارون إلى أن «أداة (غوغل) ليست بديلاً عن طرق الرصد التقليدية التي تقوم على زيارة المستشفيات والعيادات ومطالبة الأطباء بالكشف عنها، وإنما هي تتكامل معها وترسم صورة أقرب ما تكون إلى الواقع عن حجم الإصابات».

 

«تليفونات من أجل الصحة»

لعبت مبادرة «تليفونات من أجل الصحة» دوراً مهماً في ظهور الكثير من تطبيقات الموبايل الموجهة إلى محاربة الأمراض والأوبئة، حيث أطلقت هذه المبادرة قبل ثلاث سنوات بقيمة 10 ملايين دولار في قمة برشلونة، وشملت عدداً من الحكومات وخمساً من كبرى شركات تصنيع الهواتف النقالة ومقدمي الخدمة، وهي شركات «موتورولا» و«جي.اس.ام» و«فوكسيفيا» و«ام.تي.ان» و«اكسنتيير». وتهدف المبادرة إلى استغلال نطاق التغطية الهائل لشبكات أجهزة الهواتف المتحركة، وبصفة خاصة في المناطق النائية من القارة الإفريقية، لدعم النظم الصحية. ووفقاً للمبادرة، فإن التطبيقات التي يجري تطويرها تسمح للعاملين في المجال الصحي بإرسال البيانات الخاصة بمستويات المخزون من الأدوية والطعوم والأمصال، وتنزيل الإرشادات الطبية والمواد التدريبية، حيث يتم نقل البيانات إلى مراكز العمليات من خلال تقنية «جي.بي.آر.إس» أو حتى من خلال تقنية الرسائل النصية القصيرة.

رسم قلب عبر الهاتف

إذا كانت بعض الشركات اختارت أن تطوع تكنولوجيا الموبايل لمحاربة «أنفلونزا الخنازير»، فإن هناك شركات تتعاون مع مراكز أبحاث لتزويد الهواتف النقالة بجهاز صغير لرسم القلب للتصدي لأمراض القلب والأوعية الدموية، المسؤولة عن 30٪ من إجمالي عدد حالة والوفيات حول العالم. ويمكن للجهاز الذي يتم تطويره بالتعاون مع شركتي «مايكروسوفت» و«إنتل» أن يقوم بالاتصال بالطبيب المعالج بصورة أوتوماتيكية لنقل البيانات الخاصة بالمضاعفات التي قد تطرأ على حالة المريض، مثل زيادة نبضات القلب أو ارتفاع ضغط الدم. ويمكن للجهاز الجديد أن يسهم بصورة كبيرة في خفض عدد حالات الزيارة الاضطرارية إلى المستشفيات وعيادات الأطباء من جانب المرضى الذي يعانون من أمراض تتطلب مراقبة مستمرة لحالة الدم لديهم.

ويتيح الجهاز للأطباء مراقبة المؤشرات الرئيسة مثل النبض وكمية تدفق الدم وارتفاع ضغط الدم، التي قد تتدهور فجأة من دون أعراض سابقة، ما يحول دون حدوث حالات الوفاة المفاجئة نتيجة الإصابة بالجلطة الدماغية أو الأزمة القلبية.

 



تويتر