تحلية المياه خيار استراتيجـي للإمارات

الطلب على المياه المحلاة في الإمارات سيرتفع إلى سبعة مليارات متر مكعب عام 2020 .              تصوير: عماد علاءالدين

قال وزير الطاقة، محمد ظاعن الهاملي، إن «موضوع تحلية المياه بات خياراً استراتيجياً يتلاءم مع أوضاعنا»، لافتاً إلى أن «تقنيات التحلية المستخدمة، أحرزت تقدماً كبيراً في خفض التكاليف، وأكسبتنا خبرات واسعة في مجال تشغيل وصيانة محطات التحلية وتحسين اقتصاداتها».

وأضاف في كلمة له خلال «المؤتمر العالمي لتحلية المياه لعام 2009»، الذي بدأت فعالياته أمس، تحت شعار «تحلية المياه لعالم أفضل»، أن «توفير المياه من أكبر التحديات التي تواجهها حكومات وشعوب دول العالم عموماً، والإمارات خصوصا»، موضحاً أن «الإمارات تقع ضمن حزام المناطق الصحراوية الجافة، حيث إن معدل سقوط الأمطار فيها يقل عن 100 ملليمتر سنوياً، فضلاً عن ارتفاع معدل الطلب على المياه بسبب التطورين العمراني، والصناعي، والنمو السكاني».

وأوضح أنه «لمواجهة هذه التحديات، كان لابد لنا من التوجه نحو تحليه مياه البحر، حيث وصلت قدرات الإمارات الإنتاجية مع نهاية العام الماضي، إلى أكثر من مليار غالون يومياً، ما يشكل 13٪ من إجمالي القدرات الإنتاجية لمحطات التحلية في العالم».

وبيّن أن «خيار التحلية لايزال تكتنفه بعض الصعوبات الفنية، وبالتالي فإننا نرى انه لابد من بذل مزيد من الجهد لتذليلها، من خلال توسيع آفاق التعاون بين دول العالم، ومراكز البحوث العالمية، وإيجاد آلية مؤسسية دولية قادرة على الارتقاء بهذه الصناعة، لتواكب احتياجات العالم المتزايدة من المياه»، مشيراً إلى أن «الوضع المائي العالمي يتفاقم بسبب ضعف حجم المصادر المائية المتاحة، وتزايد عدد السكان، والاستهلاك الجائر للمياه، والممارسات الخاطئة لاستخدامات المياه».

الطلب على المياه

من جانبه، قال وزير البيئة والمياه، الدكتور راشد أحمد بن فهد، إن «العالم يمر اليوم بأزمة مياه شديدة نتيجة كثير من الضغوط الطبيعية وغير الطبيعية، التي تتعرض لها الموارد المائية، والتي يتمثل أهمها في: زيادة الطلب على المياه، والتلوث والاستنزاف نتيجة الممارسات غير الرشيدة، فضلاً عن ظاهرة تغير المناخ التي تهدد بتفاقم الأزمة، خصوصاً في المناطق التي تعاني إجهاداً مائياً».

وأوضح أن «العوامل الطبيعية والتنموية، أفرزت ضغوطاً كبيرة على موارد المياه الطبيعية القليلة أصلاً في الإمارات، وشكل خيار تحلية مياه البحر، أحد الحلول المهمة والخيارات الاستراتيجية»، لافتاً إلى أنه «تم إنشاء أول محطة لتحلية المياه في الدولة عام ،1967 ليصل عددها حالياً إلى أكثر من 30 محطة، تبلغ طاقتها الإنتاجية 1.3 مليار متر مكعب سنوياً، وتسهم في توفير 98٪ من المتطلبات المائية المنزلية والصناعية، لتصبح الإمارات ثاني أكبر دولة في العالم، في إنتاج المياه المُحلاة».

وأشار إلى أن «حجم الطلب على المياه لايزال مرتفعاً، إذ إن معدل استهلاك الفرد من المياه في الدولة، يعتبر واحداً من أعلى المعدلات في العالم. وتشير التوقعات المستقبلية إلى أن حجم الطلب سيرتفع من خمسة مليارات متر مكعب حالياً، إلى سبعة مليارات متر مكعب عام 2020».

من جهتها، قالت المديرة التنفيذية لعالم المناطق الاقتصادية، سلمى حارب، إن «مشروع (مركز التميز للإدارة المتكاملة للمياه)، الذي سيطلقه (معهد دبي للتكنولوجيا)، سيكرس كامل طاقاته لخدمة قضايا المياه، من خلال التعاون الوثيق مع شركائنا»، مشيرة إلى أن «أهداف المشروع تشمل إجراء الأبحاث الكمية والنوعية في إدارة المياه، وضمان ملاءمة المياه للاستخدام البشري، فضلاً عن التخطيط في مجال استدامة المياه».

آثار بيئية

والتقت «الإمارات اليوم» على هامش المؤتمر، عدداً من الباحثين والخبراء المشاركين، حيث أكد مدير مركز الاستشعار عن بعد، وأستاذ باحث في قسم الهندسة الكهربائية والحاسوب في جامعة بوسطن الأميركية، فاروق الباز، «عدم وجود دراسات عالمية ومحلية عن وضع المياه الجوفية في الخليج عموماً، والإمارات تحديداً»، مضيفاً أنه «يوجد كثير من المعلومات، لكن ليس هناك مسح شامل للمنطقة».

وأشار إلى «الآثار البيئية التي تتركها محطات التحلية على الحياة البيئية والبحرية في المنطقة»، وقال إنه «لم يتم التعامل مع هذه الآثار الضارة بشكل مناسب»، معتبراً الحفاظ على هذه البيئة «مطلباً استراتيجياً».

وشدد الباز الذي نال جائزة «المنظمة الدولية لتحلية المياه» «وورلد ووتر ماسترز»، خلال المؤتمر، على «ضرورة أن تلقي الحكومات على عاتقها، مسؤولية إجراء دراسات مستفيضة عن وضع الموارد المائية، والتحديات التي ستواجهها مستقبلاً»، داعياً إلى «ضرورة دراسة مسارات المياه القديمة، عندما كانت الأمطار الغزيرة تهطل في بلادنا منذ 5000 سنة، حيث إن المياه تتجمع تحت هذه المسارات في عمق المناطق الصحراوية»، وأوضح أن «كمية المياه الجوفية تزيد بـ30 مرة على المياه المتوافرة على سطح الأرض باستثناء مياه البحار».

«تكنو بارك»

من جهتها، قالت رئيسة المنظمة الدولية لتحلية المياه، ليزا هينثورن، إن «أبرز الصعوبات التي تواجه عمل المنظمة، يكمن في تأمين الخدمات للوصول إلى الأهداف الموضوعة بأقل التكاليف وبسرعة عالية على صعيد النشاط في كل دولة على حدة»، مشيرة إلى أن «الإمارات لاتزال ثاني أكبر بلد في تحلية المياه عالمياً، كما أنها حققت تقدماً كبيراً وملموساً على صعيد القطاعين العام والخاص لتحلية المياه باستخدام أفضل التقنيات المتبعة عالميا».

أما المدير التنفيذي لـ«مجمع العلوم والتكنولوجيا»، التابع لـ«عالم المناطق الاقتصادية»، «تكنوبارك»، حمد الهاشمي، فقال إن «30٪ من الشركات الموجودة في (تكنوبارك) تعمل في مجال تحلية المياه»، لافتاً إلى أن «(تكنوبارك) تصنع وتجهز محطات تحلية كاملة». وأوضح أن «الهدف الأساسي من تأسيس الوكالة الدولية للطاقة المتجددة، هو البحث عن مصادر مبتكرة للطاقة غير التقليدية»، مؤكداً أن «وجود مقر الوكالة في أبوظبي سيشجعنا على تنمية قطاعات الطاقة البديلة».

وأكد أن «تكلفة تحلية المياه، ووصولها إلى المستهلك النهائي في انخفاض دراماتيكي كبير، إذا ما قورنت بفترات سابقة»، لافتاً إلى «وجود مساعٍ كبيرة ومستمرة لخفض تكاليف المياه لأدنى الحدود».

وقال إن «المياه المحلاة في الإمارات توازي أعلى المعايير العالمية الحديثة»، كاشفاً عن «مشروع تكنولوجي مستحدث في (تكنو بارك)، قائم على تأسيس مركز إدارة متكاملة للمياه تعتمد على ثلاثة أنشطة أساسية، وهي (الجامعة الزرقاء)، والتفكير والإبداع الأزرق، والصناعة الزرقاء. مهمتها التدريب وتعليم الكوارد وتنمية العقول والوعي والتفكير بأهمية المياه».

صعوبات التحلية

من جانبه، أشار الرئيس التنفيذي لشركة «بالم يوتيليتيز»، يوسف كاظم، إلى أن «الصعوبات التي تواجه شركات التحلية والصناعة عموماً، تتمحور حول زيادة نسبة ملوحة المياه، وبالتالي زيادة الطاقة المستخدمة في عمليات الاستخلاص، وتوفير الطاقة الكافية للأنظمة، فضلاً عن وجود الخليج في منطقة جغرافية شبه مغلقة بعيدة عن الموارد المائية الجوفية، وازدياد تبخر المياه، ما يزيد من ملوحتها، وتحديات عملية معالجة المياه العادمة».

وأضاف أن هناك «محاولات مستمرة لتقليل نسبة المواد الكيماوية والأملاح واستخدام نظام لتصريف هذه المياه والمواد، بشكل يمكن من تشتيتها وإذابتها في مياه الخليج»، لافتاً إلى أن «تقنية التناضح العكسي، هي آلية تعمل على تمرير المياه الصالحة، وحجز الشوائب والأملاح، وصرفها إلى مجرى مختلف عن الماء الصافي».

 
مشكلتان أمام تحلية المياه

كشف المستشار الأول للعلوم والتكنولوجيا في «مجمع العلوم والتكنولوجيا»، التابع لـ«عالم المناطق الاقتصادية»، «تكنوبارك»، سمير حمروني، عن «وجود مشكلتين في مجال تحلية المياه، الأولى تكمن في الحاجة المتزايدة من المياه، التي يمكن حلها بزيادة حجم الشركات المنتجة للمياه المحلاة، والأخرى تكمن في نوعية المياه وتأثيرها في البيئة، ويمكن تفاديها بطرق جديدة لعمل أنظمة التحلية».

وقال إنه «بحلول عام 2025 ،ستصل نسبة الطاقة المتجددة والمبتكرة من 20 إلى 25٪، لذلك ينبغي العمل وفق محورين، الأول: تنويع مصادر الطاقة الشمسية والنووية، وطاقة الرياح، فضلاً عن تقليل الطاقة المستخدمة في تحلية المياه»، مشيراً إلى أن «مخلفات أنظمة تحلية المياه تزيد من نسبة ملوحة المياه بشكل كبير، لذلك يجب استخدام هذه المخلفات في اتجاهات أخرى».
تويتر