سيطرة أميركا على العالم تتهاوى جرّاء «الأزمة»
يزور الرئيس الأميركي باراك أوباما، عما قريب بعض الدول الآسيوية، وسيلتقي برؤساء دول تضعهم واشنطن في قائمة الشركاء الصغار، بيد أن الحقيقة تبدو أكثر تعقيداً من الظاهر، فمن بين ركام الأزمة الاقتصادية بدأ موقف الولايات المتحدة مهزوزاً كقوة عظمى اقتصادية وعسكرية وحيدة في العالم.
وعندما يصل أوباما العاصمة الصينية بكين، الأسبوع الجاري، فليس هناك ما يخفى على العالم من أن واشنطن إنما تزور أكبر دائنيها في العالم.
وطالما أن السطوة العسكرية تسير يداً بيد مع القوة الاقتصادية، فإن التحول في ميزان القوى مع الضعف الحالي لقيمة الدولار، ينظر إليهما المراقبون على أنهما بداية انحسار المد الأميركي في العالم، وكما تنبأ بذلك كتاب فريد زكريا الأكثر مبيعاً في الأسواق «العالم ما بعد الفترة الأميركية ونهوض البقية»، ثم جاء خطاب أوباما الافتتاحي، الذي تحدث فيه عن الخوف من اضمحلال أميركي حتمي؛ والأنكى من ذلك، أن البنوك المركزية في العالم النامي وضعت الملح على جراح العملاق الجريح، حيث انضم البنك المركزي الهندي قبل أسبوعين لبقية البنوك المركزية في كل من الصين وروسيا والمكسيك والفلبين، في اختيار الذهب عملةً احتياطيةً بدلاً من الدولار المنهار.
ورجوعاً لثمانيات القرن الماضي، أدهش الأستاذ بجامعة يال الأميركية، باول كينيدي، العالم بفرضيته «نهوض وسقوط القوى العظمى»، عندما افترض الإجابة عن سؤال حول ما إذا كانت أميركا ستحتفظ بموقعها بين دول العالم؛ بـ«لا»، وجاء هذا الفرض إبان انهيار الأسواق المالية عام ،1987 عندما كان هناك اهتمام متزايد بشأن «العجزين التوأمين»، وهما عجز الموازنة وعجز الحساب الجاري الاميركي، وهو الوقت الذي استدانت فيه أميركا لأول مرة في التاريخ وأصبحت «مدينة»، وصارت تعتمد باستمرار على تدفقات رؤوس الأموال الأوروبية واليابانية.
وتوتر «المزاج الانهياري» الأميركي ليصبح قريباً من الهستيريا عندما استولت الشركات اليابانية على مركز «روك فيلر» في نيويورك وعلى الشركة السينمائية «كولومبيا بيكشيرز» في هوليوود، وميدان «غولف بيل بيتش» في كاليفورنيا، وحينها تساءلت وكالة «ايه بي سي» الإخبارية «من يملك أميركا؟».
وفي أحد الجوانب، نجد أن فرضية البروفيسور كينيدي محقة، حيث إنه في الوقت الذي لحقت فيه كل من الصين والهند والأسواق النامية الأخرى بركب العالم المتقدم، فإن الولايات المتحدة أصبحت تعاني من الانهيار الاقتصادي النسبي على شكل تدني نصيبها من إجمالي الناتج المحلي العالمي.
وقد وفرت العولمة والتحرير الاقتصادي الداخلي لهذه الدول النامية الفرصة في تأسيس وترسيخ نصيب من إجمالي الناتج المحلي العالمي يتساوى مع نهضتها وتاريخها، ففي دراسة للاقتصادات القيادية في العالم كشف البروفيسور بجامعة «غروننغن»، انغوس ماديسون، أن نصيب الصين من إجمالي الناتج المحلي العالمي عام ،1820 أي قبل أن تتجمع خطى الثورة الصناعية في أوروبا، كان يمثل أكثر من 30٪، وهو ما يفوق إجمالي الناتج المحلي العالمي الأميركي في الوقت الراهن، ولهذا فليس من الغريب أن يعود الاقتصاد الصيني إلى وتيرته السابقة.
وتبين فرضية كينيدي أن التوسع الأميركي الإمبريالي هو الذي يضع البلاد في خطر الانهيار، مثلما كان الحال مع اسبانيا عام 1600 أو بريطانيا في ،1900 ويبدو أن أحدث حالات التوسع هي الحالة السوفييتية في ثمانينات القرن الماضي، التي أدت بالتالي لانهيار، بينما حافظت أميركا على موازنتها في عهد الرئيس الأميركي السابق، بيل كلينتون، من دون تراجع كبير في تعهداتها الدولية.
والسؤال الذي يطرح نفسه في الوقت الراهن هو ما إذا كانت فرضية التوسع الإمبريالي برهنت على خطئها أم أن الوقت لم يحن بعد في الحالة الأميركية، حيث إنه من الصعب التكهن بوقت نشوء وانهيار الأمم والاقتصادات.
أستاذ التاريخ الاقتصادي السابق، تشارلس كندلبيرغر، من بين الكثير من العلماء الذين يعتقدون أن الطاقة الوطنية تنشط وفقاً لدورة حياتية، ويعتقد أن من بين أسباب التدهور هو زيادة الاستهلاك وانحسار نشاط التوفير ومقاومة الضرائب وانعدام المساواة والفساد والديون المتراكمة.
وعندما كتب كندلبيرغر كتابه بعنوان «سيادة الاقتصاد العالمي 1500 ـ 1990» عام 1996 كان يتعتقد أن الولايات المتحدة بدأت في الانحدار، لكن لم يكن لديه فكرة عن الدولة التي ستخلفها في السيادة على اقتصاد العالم، واعتبر في ذلك الحين أن الصين تمثل حصاناً أسود في هذا السباق.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news