خبراء: محللون غير مؤهلين يوجهون صغار المـستثمرين
أكد خبراء أن ظاهرة التحليلات الفنية غير المتقنة لتحركات أسعار الأسهم، شهدت تفاقماً كبيراً خلال فترة الأزمة المالية العالمية.
وأشاروا إلى أن تلك التحليلات يجريها عشرات الأشخاص من الذين يطلقون على أنفسهم صفة المحلل المالي، من دون الكشف عن شخصياتهم الحقيقية أو من دون أن تكون لديهم المؤهلات الكافية التي تمكنهم من قراءة منحنيات السجل التاريخي لتحركات أسعار الأسهم والتنبؤ، من خلالها وبكفاءة، بمستقبل الأسعار كأساس لفكرة التحليل الفني، لتكون واحدة من أكبر المشكلات التي تصيب أسواق الأسهم المحلية بالوهن.
وبينوا أن ما يحدث في أسواق الأسهم المحلية بهذا الصدد مغاير لما عليه الحال في الأسواق المتقدمة التي يعتمد المستثمرون فيها التحليلات الفنية الصادرة عن خبراء في مؤسسات استشارية مرموقة، فتصبح موجات البيع والشراء للأسهم مستندة بالتالي إلى معطيات فنية سليمة يفترض أن تقرر حركة المستثمرين الصحيحة.
السجل التاريخي
وتفصيلاً، قالت الخبيرة الاقتصادية في بنك «ستاندرد تشارترد»، ماري نيقولا، إنه «من الضروري التأكد من منحنيات السجل التاريخي لحركة الأسعار التي يتم الاعتماد عليها في التحليل، ومدى دقتها وقدرتها على إعطاء الاتجاه المستقبلي للتحركات السعرية، خصوصاً أن العديد من هذه المنحنيات يستخدم في التحليلات من دون أن يعرف مصدرها ومدى كفاءة هذا المصدر في إعداد السلاسل الزمنية للأسعار، فضلاً عن أن غالبيتها ينطلق من البيانات السعرية لمدة سنتين أو ثلاث سنوات سابقة، فيما ينبغي أن يكون المدى الزمني للمنحنى خمس سنوات سابقة بحسب المعايير العالمية لكي يمكن التنبؤ من خلاله بالتحركات المستقبلية للأسعار».
واعتبرت أن «التحليل الفني لا يمكنه أن يعطي بمفرده الأساس السليم لاتخاذ قرار الاستثمار، بل هو إحدى أدوات حزمة متكاملة تشمل التحليل الأساسي للشركة المساهمة ذاتها، ثم قراءة أوضاع السوق ككل من حيث مستويات السيولة والأوضاع التنظيمية، إضافة إلى معرفة اتجاه الحركة الاقتصادية عموماً، وكذلك التطورات التي يشهدها كل قطاع لتحديد تأثيرها في الشركات المساهمة ضمن كل قطاع منها».
تحليل المنحنيات
من جانبه، قال مدير إدارة الصناديق بشركة «الجبرا كابيتال»، محيي الدين قرنفل، إن «القرار الاستثماري لا يفترض اتخاذه بناء على التحليل الفني للأسهم فقط، لأن هذا التحليل يظهر العوامل الداخلية المرتبطة بالسهم ذاته، على أساس عمليات الشراء والبيع السابقة ولمدى زمني طويل نسبياً، وإن كانت المنحنيات التي يتم الاعتماد عليها محلياً تغطي في الأغلب سنتين سابقتين، بينما المطلوبة لدقة التحليل، منحنيات ترصد حركة السهم السعرية لخمس سنوات على الأقل».
وأكد أن «هناك عوامل أخرى كثيرة تنبغي دراستها عند اتخاذ قرارات الشراء والبيع، تبدأ من التحليل الأساسي للشركات المساهمة ذاتها ودراسة ميزانياتها وتطورات أرباحها، بما في ذلك نمو القطاع الذي تعمل ضمنه، وهنا لابد من وجود دراسات متخصصة يجريها مختصون وصولاً لتحديد القيمة العادلة للسهم، إضافة إلى معرفة عدد الأسهم المتاحة للتداول لكل شركة ومدى سيولة هذه الأسهم».
العقلية السائدة
وتابع قرنفل «في إطار هذه الصورة الواسعة، يأتي التحليل الفني عاملاً من عوامل اتخاذ القرار، هذا إذا كان الهدف هو الاستثمار الفعلي على مدى زمني طويل أو متوسط، وليس مجرد المضاربة السريعة لتحقيق الأرباح، وهي العقلية السائدة عند نسبة مهمة من المتعاملين في أسواقنا، ولذلك يعولون كلياً على التحليل الفني في التعامل مع الأسواق».
ولفت إلى أنه «لا يمكن إرجاع الانخفاض في الأسواق بالكامل إلى تأثير التحليلات الفنية غير المتقنة، لأن هناك أزمة عالمية طالت جميع الأسواق، لكن لا يستبعد أن يكون هناك تأثير في لحظات معينة في حركة السوق نتيجة للتحليلات الفنية، خصوصاً في مراحل الهدوء التي تشهدها الأسهم، ولكن بكل الأحوال يفترض أن يتجه المستثمرون نحو الأسهم باعتبارها استثماراً طويل المدى وليس على أساس عقلية المضاربة السريعة التي يمكن الوصول إلى أسرارها عبر التحليل الفني، حيث ينبغي في إطار الاستثمار طويل المدى دراسة كل العوامل المؤثرة في حركة الأسهم».
تأثير المضاربات
من ناحيته، أوضح مدير صناديق التحوط بشركة «رسملة»، خالد مصري، أنه «في حالات الهدوء تتأثر الأسواق بأي تطورات تحدث في توجهات المستثمرين نحو الأسهم، لذلك رأينا في بعض المراحل شدة تأثير المضاربات في الأسعار، ونلمس الآن بشكل واضح تأثر المستثمرين بالتوصيات التي تصدر إليهم بناء على التحليلات الفنية التي تنتشر في المنتديات وبعض وسائل الإعلام من دون أن يُعرف في الكثير من الحالات مصدرها، حيث توزع من خلال هذه المواقع برامج للتحليل الفني أعدت لها منحنيات وسلاسل زمنية للأسعار من دون توضيح مدى دقة جمع البيانات وجدولتها».
ولفت إلى أن «التحليلات في غالبيتها يجريها بعض الهواة الذين يحددون نقاط الدعم والمقاومة، ويبدأون بإعطاء توصيات تحدد النقطة التي يُشترى عندها السهم، والنقطة التي يجب البيع فيها إذا لم يستطع اختراقها، وقد لمسنا في حالات عدة أن الأسهم تبدأ بالهبوط بسرعة عند هذه النقاط، لمجرد أن هناك من يعطي توصيات بذلك، بينما يفترض أن يُجرى التحليل الفني بطرق دقيقة وبواسطة المختصين، كما أن من الضروري أن يعرف المستثمرون أن التحليل الفني ليس إلا أداة واحدة من مجموعة متكاملة من الأدوات لا يمكن أن تعمل بكفاءة إلا إذا اتبعت كسلة واحدة».
وأكد مصري أن «على المستثمر توخي الدقة والحذر الشديدين في التعامل مع التوصيات التي تصدر عن التحليلات الفنية الحالية، فمن الممكن أن يحاول بعض المستثمرين استخدام هذه التحليلات لتوجيه الأسواق إلى الاتجاه الذي يخدم مصالحهم، خصوصاً أن التوصيات لا تصدر عن مكاتب مستقلة بعيدة عن الأسواق، بل في الأغلب يجريها مستثمرون لديهم مصالح محددة، وبالتالي فمن غير المنطقي أن يعطوا التوصيات المجانية للآخرين من دون أن تكون لهم مصلحة في ذلك»، معتبراً أن «ذلك لا يلغي دور التحليل الفني كواحد من أساليب التحليل، شريطة أن يتم بطريقة صحيحة ولا يكون هدفه التأثير المتعمد في حركة الأسواق».
قال الرئيس التنفيذي لشركة «غلفامينا»، هيثم عرابي، إن «حركة السوق على المدى الطويل تخضع لعوامل موضوعية تتعلق بأداء الشركات ومستوى السيولة ومستويات الأسعار، فضلاً عن الاعتبارات النفسية والمحددات الأخرى، لكن ذلك لا يلغي إمكانية أن يكون للتحليلات الفنية تأثير محدد في بعض أيام التداول، من خلال توجيه المستثمرين للبيع أو الشراء، خصوصاً عندما تكون التداولات محدودة نسبيا». وأوضح أنه «عندما تنضج الأسواق يصبح من غير الممكن التأثير فيها بهذه الطريقة، لأن هناك أطرافاً عديدة في السوق بوجهات نظر وتقديرات مختلفة لاحتمالات تحرك الأسعار، وبالتالي فعندما تتجه بعض الأطراف للبيع تكون هناك أطراف أخرى تقوم بالشراء، ويصبح من الصعب عملياً توجيه السوق عبر عمليات التحليل الفني». وأكد عرابي أن «التحليل الفني لا يشكل أساساً لبناء استراتيجية الاستثمار في الأسواق المالية، لكنه يدرس عادة لاختيار التوقيت المناسب في اتخاذ القرار، وفي هذه الحدود يكون مفيداً للمستثمر، لكن بشكل عام يفترض أن يتم الاعتماد على وسائل وأدوات متعددة للتحليل من أجل اتخاذ القرارات».