الأسواق الناضجة تضم محترفين يعملون بشكل متواز لتقديم الاستشارات الاسهم . نصوير: دينيس مالاري

تقدير السعر العادل للأسهم لا يخـضع لإشراف «هيئة الأوراق»

اعتبر وسطاء ومحللون ماليون أن تعمد إدارات شركات مساهمة عامة حجب البيانات والمعلومات المتعلقة بالأداء عن الجهات البحثية والاستشارية، يؤدي إلى عدم دقة السعر العادل الذي تحدده تلك الجهات لأسهم الشركات، ما ينعكس سلباً على ثقة المستثمرين بهذه التقديرات.

وأضافوا أن تقديرات عدة للسعر العادل للأسهم المدرجة في الأسواق المحلية تأتي من جهات استشارية خارجية، وكثيراً ما تكون سلبية، ما يدفع المستثمرين إلى التخلص من أسهمهم عشوائياً.

طريقة احتساب السعر العادل

قال مدير دائرة الأبحاث في شركة «الرمز» للأوراق المالية، طلال طوقان، «هناك طريقتان لاحتساب السعر العادل لسهم ما: الأولى تعتمد على بيانات ومعلومات جوهرية تستقيها الجهة البحثية من الشركة نفسها، وتتعلق بأدائها، وخططها المستقبلية، وحجم مديونياتها، إذ يتم مطابقة ذلك مع الوضع الكلي للاقتصاد والشركات الواعدة فيه، وتوقعات الأرباح بالنسبة لها، وهو ما ينعكس على عائدات المساهمين، والطريقة الثانية تقوم على مقارنة الأسهم بمثيلاتها في القطاع نفسه، والحصة السوقية للشركة صاحبة السهم في السوق».

وأوضحوا أن سلطة هيئة الأوراق المالية التي تعد الجهة الرقابية المخولة بالترخيص للشركات البحثية، لا تنسحب على الجهات الخارجية التي تنشر تقديراتها في السوق المحلية، مؤكدين أهمية أن تكون الجهات المخول لها تقدير السعر العادل محايدة، وليس لها محافظ استثمارية، ما يولد شكاً في نزاهة التقديرات، أو خلوها من مصلحة خاصة.

بدورها، أفادت هيئة الأوراق المالية والسلع بأنها تشترط في الجهات التي تقيم الأسهم أن تكون مؤهلة، ومحايدة تماماً، وليس وراءها أي جهات مستفيدة.

وأكدت أنها لا تستطيع منع جهات خارجية من نشر تقديراتها داخلياً من خلال وسائل الإعلام المختلفة، كون ذلك تعدياً على حرية الصحافة والنشر، وخارج سلطتها.

السعر العادل

وتفصيلاً، قال مدير دائرة الأبحاث في شركة «الرمز» للأوراق المالية، طلال طوقان، إن «السعر العادل هو عملية تقييم مدروسة للسهم، تتم وفق أسس متعارف عليها، وتعتمد على توقعات توزيعات الأرباح، ونسب نمو السهم، وحركته في السوق، إضافة إلى توقعات العائدات المستقبلية».

وأضاف أن «تقييمات السعر العادل تتغير في حالتين: الأولى مع إعلان نتائج الشركة بشكل فصلي، والثانية وجود أمر طارئ يتعلق بالشركة، ويؤثر في القيمة العادلة للسهم».

وأوضح أنه «طالما هناك اختلاف في التوقعات بين جهة وأخرى، فإن من الطبيعي أن يكون للسهم الواحد أكثر من سعر عادل»، مستدركاً أن «هناك سعراً عادلاً على المستوى القصير الأجل، وآخر طويل الأجل».

وأكد طوقان أن «الأبحاث ترمي إلى القيمة العادلة، وهي قيمة اقتصادية تحدد السعر المناسب للاستثمار خلال أفق زمني يمتد أحياناً عامين، وهنا تظهر إشكالية أن المستثمر يبحث عن عائد سريع، وبالتالي يتصور أن السهم يفترض أن يصل سريعاً إلى السعر العادل، وإلا فقدت الجهات البحثية مصداقيتها».

وذكر أن «رخصة التقييم منحت للشركة على أساس إصدار أبحاث وفق شروط تضمن الاستقلالية الكاملة، بعيداً عن أي ضغوط، مع الأخذ في الاعتبار أن شركات الوساطة تدير استثمارات نيابة عن المستثمرين، ولا تأخذ قرارات لمصلحتهم بيعاً أو شراء».

حجب المعلومات

من جانبه، قال المستشار المالي الداخلي لبنك أبوظبي الوطني، زياد دباس، إن «تقييم السعر العادل للأسهم، يفترض أن يقوم به محللون ماليون أصحاب شهادات، ومرخص لهم بالعمل من قبل جهات رقابية مثل هيئة الأوراق المالية»، مضيفاً أن «هناك مؤشرات يعكسها السعر العادل، مثل وضع الشركة الحالي، وتدفقاتها النقدية، وحجم توسعاتها المستقبلية».

وافترض الدباس أن تقوم الشركة صاحبة السهم بتزويد الباحثين بالبيانات، معرباً عن أسفه لعدم وجود تعاون من كل الشركات، إذ يتعمد بعضها حجب معلومات جوهرية مثل الانكشاف، أو الديون، ولذلك، نجد أكثر من سعر عادل، نظراً لاختلاف البيانات.

وذكر أن «الأزمة المالية صعبت من طريقة احتساب السعر العادل للأسهم بسبب استثنائية الظروف، فأصبح صعباً الوصول إلى نتائج محددة، نظراً لضبابية التوقعات، وتأرجحها بين تفاؤل وتشاؤم»، مؤكداً وجود أزمة ثقة بهذه التوقعات في الأسواق المحلية، من قبل المستثمرين، ظناً بوجود أهداف أخرى وراء هذه الجهات، خصوصاً أن معظم التوقعات سلبية، وأدت إلى تخلص عشوائي من الأسهم في كثير من الأوقات، ما انعكس سلبا على المتعاملين في السوق، لاسيما صغار المستثمرين.

وطالب دباس هيئة الأوراق المالية بمراقبة جميع التوقعات بالسعر العادل، وأن تجد حلاً لإشكالية وجود جهات خارجية تحلل الأسهم المحلية، ولا تخضع لسلطتها، لافتاً إلى أنه يفترض بالسعر العادل أن يتغير بتغير الظروف، وبحسب ما يستجد من بيانات عن الشركة، أو انسحابها من مشروع ما، أو غيرها من البيانات».

معايير وحيادية

في السياق ذاته، اعتبر المدير العام لشركة الأنصاري للخدمات المالية، وائل أبومحيسن، المعايير التي تستخدمها الجهات الاستشارية فضفاضة إلى حد ما، إذ يمكن أن تخفض أو ترفع السعر في الوقت ذاته.

وأكد عدم وجود جهة استشارية محايدة، لافتاً إلى أن غالبية من يقيمون أسعار الأسهم لديهم استثمارات، أو محافظ خاصة، أو شركات وساطة، ما يتنافى مع مصداقيتها وحيادها.

وأضاف أن «تجربة المستثمرين مع السعر العادل تؤصل الثقة من عدمها في الجهات التي تقوم به، خصوصاً أن أوضاع السوق حالياً لا تسمح باتخاذ قرار استثماري وفق أسس التحليل الفني أو المالي، فمعظم الأسعار العادلة للأسهم المدرجة أسعارها العادلة أعلى كثيراً من قيمتها السوقية الآن، ومع ذلك لا نجد إقبالاً على الشراء، بمعنى أن فكرة وجود تأثير للسعر العادل في قرارات المستثمرين لم يعد دقيقاً إلى حد كبير بسبب غياب الثقة».

وقال إن «الأسواق تحركها أشياء أخرى غير القيمة العادلة».

الأسواق الناضجة

بحسب مدير دائرة الأوراق المالية في بنك أبوظبي الوطني، مجد معايطه، فإن «الأسواق الناضجة يوجد بها مجموعة من المحترفين يعملون بشكل متواز لتقديم الاستشارات، منها تقييمات الأسهم، ولذلك فإن نتائج أعمالهم تؤثر كثيراً في التداولات سلباً أو إيجاباً، وينشرون نتائجهم بصفة دورية في ظل تدفق البيانات والافصاحات المتتالية من الشركات». وأكد أن «من شأن ضوابط الحوكمة التي يجري العمل على تطبيقها حالياً أن تؤمن تدفقاً دورياً وآنياً للبيانات، وبالتالي يمكن لدوائر الأبحاث والمحللين الماليين الاعتماد عليها للوصول إلى نتائج أكثر دقة». وأضاف أن «هناك أسواقاً مجاورة لديها تجارب ناجحة في هذا الإطار، خصوصاً إذا ما وجدت جهة تلعب دور صانع السوق، إذ يكون لديها دائرة أبحاث تضع توصيات للمستثمرين عن أفضل الأوقات للبيع أو للشراء». وأوضح أنه «يفترض وفق الأسس المتعارف عليها، وآليات احتساب السعر العادل، ألا يكون هناك فرق كبير بين تقييم شركة وأخرى، ما يؤسس ثقة لدى المستثمر، ويجعله حريصاً على قراءة مثل هذه التقييمات، وأخذها في الاعتبار عند صنع أي قرار استثماري». إلى ذلك، قال مدير قسم الأبحاث في شركة الفجر للأوراق المالية، الدكتور همام الشماع، إن «أي دراسة للسعر العادل يجب أن تنشر بالكامل، وألا يقتصر النشر فقط على النتائج أو التوصيات، ضماناً للموضوعية، خصوصاً أنها تحتوي على فرضيات واختيار سعر، للخصم فيهما كثير من الاجتهاد، وبالتالي يمكن أن يكونا محل تلاعب». وبيّن أن «تأثر المستثمرين بتقديرات السعر العادل، يتوقف على العامل النفسي، إذ إنهم يعتّدون به في حال الصعود والنشاط في الأسواق، في حين يتم تجاهل معظم هذه النصائح وينعتونها بعدم المصداقية في الغالب في حالات التراجع».

شروط التقييم

إلى ذلك، أفاد مصدر مسؤول في هيئة الأوراق المالية والسلع، بأن «هناك ضوابط ومعايير وضعتها الهيئة يجب استيفاؤها من قبل الشركات والأفراد الراغبين في عمل تحليلات مالية، أو تقديم خدمات استشارية تتعلق بالأسواق المالية وفق القرار رقم (48) لسنة ،2008 الذي تضمن 23 بنداً تفسيرياً».

وأضاف أنه «يشترط في الجهات التي تقيم الأسهم أن تكون مؤهلة ومحايدة تماماً، وليس وراءها أي جهات مستفيدة، أو لا تمارس سلوكاً يخالف ما تنصح به مثل ألا تشتري في أي وقت، الاستثمار الذي أوصت ببيعه، أو تبيع ما أوصت بشرائه، في حال ما إذا كانت تدير استثمارات، وفي الوقت نفسه لديها دائرة أبحاث»، مشيراً إلى وجود قيود زمنية للاستثمار، إذ لا يجوز للجهة القيام بأي عملية قبل خمسة أيام من إصدارها تقييماً لسهم، أو وضع سعر عادل له، وتمتد الفترة لمدة أسبوعين بعد نشر التقييمات.

وأوضح أن من «أساسيات عمل الجهات البحثية، الاحتفاظ بالآلية التي تم وفقها تحديد السعر العادل، والافصاح عنها، لتكون النتائج مبنية على معطيات معلن عنها ومنطقية»، لافتاً إلى أن الهيئة تشترط وجود نظام رقابة داخلي قوي يمكنه الفصل بين نشاطات الشركة المرخصة، لتتم مراجعته بصفة دورية، بما يضمن نزاهة وحيادية تقديرات السعر العادل للأسهم، وبما لا يضر بمصلحة المستثمرين. وأكد أن «وجود مخالفات يعرض الشركة لسحب الترخيص، نظراً لحساسية عملها بالنسبة للأسواق»، مبيناً أن الهيئة رخصت لشركة واحدة فقط محلياً، وهي شركة الرمز للأوراق المالية، بعد أن استوفت جميع الشروط الذي يضعه القانون. وأكد أن «الهيئة لا تستطيع منع جهات خارجية من نشر تقديراتها داخلياً من خلال وسائل الإعلام المختلفة، كون ذلك تعدياً على حرية الصحافة والنشر، إضافة إلى أنها لا تقع تحت سلطاتها التي حددها القانون».

الأكثر مشاركة