محللون: شحّ السيولة لدى القطاع الخاص يهدد سلامة النظام المالي والمصرفي
تراجع التداولات يُصعّب انضمام أسواق الإمـارات إلى «مورغان ستانلي»
حذّر خبراء ومحللون ماليون من استمرار تراجع معدلات التداول في أسواق الأسهم المحلية بالشكل غير الطبيعي الحادث حالياً، نظراً لما سيسببه ذلك من مشكلات هيكلية كبيرة، أولها صعوبة انضمام أسواق الإمارات إلى مؤشر مورغان ستانلي للأسواق الناشئة.
وقالوا إنه على الرغم من توالي الأخبار الإيجابية، مثل التأكيدات الحكومية على عدم الحاجة لإعادة الضمان الحكومي للودائع، وتمكن شركات نشطة من التزاماتها المالية في المواعيد المحددة، فضلاً عن توصل زعماء العالم إلى حلول سياسية واقتصادية لأزمة الديون الأوروبية، إلا أن أسواق الأسهم المحلية تخلفت عن ركب الصعود العالمي للبورصات الأجنبية، عازين ذلك إلى معاناة الأسواق المحلية من تفاقم المشكلات الاقتصادية المحلية، وأهمها شح السيولة، الذي ينعكس في صورة أداء ضعيف متراجع، سواء من حيث المؤشرات أو من خلال قيم التداول المتراجعة بصورة متواصلة.
ونبه المحللون الماليون إلى أن شح السيولة في أسواق المال المحلية يحمل معه مخاطر كبيرة على القطاع الخاص والبنوك والاقتصاد الوطني ككل، عبر تهديده للسلامة المالية والنظام المالي والمصرفي.
إيجابيات وسلبيات
وتفصيلاً، قال الخبير المصرفي والشريك في شركة الفجر للأوراق المالية، نبيل فرحات، إن «أداء الأسواق المالية في الأسبوع الماضي كان متواضعاً من حيث حركة الأسعار وشح التداولات».
وأكد أن «من أهم التطورات التي تهم الأسواق المالية وحدثت في الأسبوع المنقضي تصريحات محافظ مصرف الإمارات المركزي، سلطان السويدي، التي ذكر فيها أنه ليس هناك حاجة لإعادة الضمان الحكومي للودائع»، موضحاً أن «مثل هذه التصريحات أعطت إشارة إيجابية إلى أن البنوك المحلية أصبحت أكثر قدرة على مواجهة المخاطر النظامية الحالية، نظراً لارتفاع مستوى كفاية رأس المال إلى مستويات عالية قياسياً ودولياً».
وأضاف أن «التطور الثاني الذي مثل أهمية إلى أسواق الأسهم كان لمصلحة مساهمي شركة (الدار العقارية)، وهو سدادها التزامات الصكوك القابلة للتحويل في موعدها، ما يوحي بأن الشركة أصبحت قادرة على مواجهة التحديات الحالية والمستقبلية، وأن الأمور بدأت بالتحول تدريجياً إلى الأحسن». وأشار إلى أنه «في مقابل الأخبار الإيجابية، ظهرت أخبار سلبية، منها قيام مؤسسة (مورغان ستانلي) بحذف شركتي (الدار العقارية) و(صروح) من مؤشرها للأسواق الناشئة، ما أعطى إشارة إلى أن أسهم هذه الشركات لن تدخل ضمن مؤشر الأسواق الناشئة في حالة ضم الإمارات إلى المؤشر».
وأكمل فرحات أن «البنوك استمرت في تخفيض حجم القروض، خصوصاً للأفراد والشركات المتوسطة والصغيرة غير الحكومية، من حيث خفض حجم الائتمان، وتسييل محافظ القروض المتعثرة، وبالطبع، فإن ذلك ينعكس سلباً على الأسواق المالية من ناحية انخفاض أحجام التداول وانخفاض الأسعار»، محذراً من أن «هذه السياسة التي تتبعها إدارات المخاطر في البنوك تؤدي إلى ارتفاع أحجام المخاطر، وليس خفضها كما هو معتقد، إذ إن عمليات التسييل لمتعاملين ستؤدي مستقبلاً إلى التأثير السلبي في الأصول الأخرى المرهونة لمتعاملين آخرين لدى البنك».
الصعود العالمي
بدوره، ذكر المستشار الاقتصادي لشركة الفجر للأوراق المالية، الدكتور همام الشمّاع، أنه «على الرغم من الحلول السياسية الاقتصادية لأزمة الديون الأوروبية، التي تم التوصل إليها من قبل زعماء الدول الأوروبية، وكان لها كبير الأثر في عودة مؤشرات الأسواق العالمية إلى الارتفاع، إلا أن الأسواق الإماراتية ظلت متخلفة عن ركب الصعود العالمي»، مؤكداً أن «أسواق الأسهم المحلية تعاني تفاقم المشكلات الاقتصادية المحلية، التي تنعكس على الأسواق في صورة أداء ضعيف متراجع سواء من حيث المؤشرات، أو من خلال قيم التداول المتراجعة بصورة متواصلة».
وقال إن «شح السيولة في أسواق العالم المختلفة، لم يحل دون ارتفاع مؤشرات أسواق المال، وظهور ملامح تحسن في قطاع العقار، خصوصاً، خصوصاً في الولايات المتحدة، إذ وصلت مؤشرات أسواق الأسهم لمستويات مقاربة لما كانت عليه قبل النصف الأول من ،2008 وذلك بخلاف حال النقص الهائل في السيولة في الإمارات، الذي ما انفك يدفع القطاعين المالي والعقاري نحو التراجع»، معتبراً أن «قيم التداول المتراجعة باستمرار، التي هي أحد مظاهر شح السيولة في الاقتصاد الخاص، لا تعبر عن حالة توقف دخول أموال جديدة للاستثمار في الأسواق المالية فقط، لكنها تعبر أصلاً عن استمرار خروج الأموال من هذه الأسواق نتيجة إلى الحاجة للسيولة، سواء لتسديد التزامات على حملة الأسهم أو لقيام بعض المصارف والدائنين بتسييل أسهم ضامنة لقروض المستثمرين».
ظاهرة مقلقة
من جهته، قال المدير المالي الأول في شركة ضمان للأوراق المالية، وليد الخطيب، إن «انخفاض حجم التداولات في أسواق الأسهم المحلية بدرجة كبيرة وبشكل غير طبيعي مع ثبات أسعار الأسهم أصبح ظاهرة تدعو إلى القلق»، محذراً من أن «استمرار التداولات عند مستوياتها المتدنية، ربما سيكون أحد العوامل السلبية التي تعيق انضمام أسواق الإمارات إلى مؤشر مورغان ستانلي للأسواق الناشئة».
وأكد الخطيب أن «حالة الضبابية التي تمر بها أسواق الأسهم وتجاهلها نتائج الأعمال الإيجابية عن الربع الثالث، التي أعلنتها الشركات، أدت إلى عزوف أطراف السوق كافة عن التداول، ما يتطلب من هيئة الأوراق المالية والسلع التدخل بتسريع إيجاد أنظمة صانع السوق، و(شورت سيلينغ) وغيرها، لتوفير السيولة التي تفتقر إليها الأسواق المحلية».
وأشار إلى أن «تردي أوضاع أسواق الأسهم بعد خروج الأجانب وانصراف المحافظ والمؤسسات المالية عن التداول زاد الحالة النفسية السيئة والإحباط لدى المستثمرين، وتالياً فقد أصبحت أوضاع أسواق الأسهم الإماراتية أسوأ كثيراً من أوضاع البورصات في دول عربية وأجنبية تعاني مشكلات اقتصادية وهيكلية بعكس الإمارات».
مخاطر شحّ السيولة نبه المستشار الاقتصادي لشركة الفجر للأوراق المالية، الدكتور همام الشمّاع، إلى أن «شح السيولة، الذي أدى ويؤدي إلى تراجع قيم التداول، يحمل معه مخاطر كبيرة ستتزايد بسبب تزايد سحب البنوك للأموال من القطاع الخاص وتوجيهها لصالح الكيانات المرتبطة بالحكومة، إذ سيقود تزايد شح السيولة لدى القطاع الخاص لمخاطر أكبر لا يقتصر أثرها على أسواق الأسهم والمستثمرين فيها والعاملين على خدمتها فحسب، وإنما يمتد إلى كل الاقتصاد الوطني عبر تهديدها للسلامة المالية والنظام المالي والمصرفي». وسوغ عدم حدوث التسييل الجماعي لأسهم ضامنة لقروض المستثمرين من قبل المصارف لحد الآن إلى أن مؤشر سوق الإمارات لم يكسر قاع الرابع من فبراير ،2009 التي كانت عند 2287 نقطة، والأمر ذاته ينطبق على مؤشر سوق أبوظبي، أما مؤشر سوق دبي فقد كسر قاع التاسع من فبراير، الذي كان عند 1440 نقطة»، لافتاً إلى أن «عملية تسييل بطيئة من قبل بعض المصارف بدأت في أسهم دبي، فيما لم تبدأ في أبوظبي بعد، لكن من المتوقع أن تبدأ عملية تسييل تدريجي بطيئة في أبوظبي إذا ما استمر المؤشر العام للسوق بالتراجع وكسر قاع الرابع من فبراير عند 2137 نقطة، التي لايزال أعلى منها حالياً بنسبة 16.06٪». وأشار الشماع إلى أن «كسر مؤشر سوق الإمارات ومؤشر سوق أبوظبي للحاجز النفسي، وهو قاع فبراير ،2009 سيعني البدء في سباق التسييل ما بين المصارف، ما يترتب عليه خسائر كبيرة في القيمة السوقية وانهيارات جديدة لأسواق الأسهم». وأكد أن «المخاطر لن تتوقف عند هذا الحد، فالمصارف التي قد لا تسترجع سوى جزء يسير من القروض التي منحتها برهن الأسهم ستضطر لتجنيب مخصصات ديون، ستعتبر بعد التسييل معدومة، وهذا بحد ذاته سينعكس على الملاءة المالية للمصارف وعلى مستويات السيولة لديها، الأمر الذي سيعرضها إلى مزيد من الضغوط على الودائع، التي قد تتناقص مرة أخرى بفعل المخاوف من مخاطر نظامية قد تتعرض لها المصارف». وأشار إلى أنه في حال حدوث ذلك سنكون مرة أخرى أمام دورة جديدة من تراجع الودائع، خصوصاً الثابتة، التي ستؤثر مجدداً بصورة سلبية في عرض النقد الواسع، وفي مستويات السيولة في الاقتصاد، وبما يزيد من تعميق الضغوط الانكماشية في القطاع الخاص، وكل ذلك سيؤدي بدوره إلى التأثير سلباً في أسعار العقارات، التي إن استمر تراجعها فسينعكس مجدداً على المصارف التي ستضطر مرة أخرى إلى أخذ المزيد من المخصصات، وهكذا نكون أمام دورة اقتصادية مترابطة العلاقة فيما بينها». |
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news