مرّت بأزمات عدة.. وتعول على تعاونها مع «مايكروسوفت» للظهور مجدداً

«نوكيا» من «منصة تحترق» إلى «التـغريـــد من جديد»

حصة «نوكيا» من سوق الهواتف الذكية العالمية تراجعت إلى ‬5.8٪ في ‬2012. الإمارات اليوم

عندما حجز الرئيس التنفيذي لشركة «نوكيا»، ستيفن إيلوب، فندق «غراند ترابيا» في إسطنبول، من أجل الاجتماع السنوي لقادة الشركة في نهاية يناير ‬2011، كان خطط إلى نهاية غير عادية.

وعندما وصل الاجتماع، الذي ضم ‬200 من مديري الشركة إلى نهايته، دخل عدد من الموسيقيين إلى صالة الاجتماع، وبدأوا عزف موسيقى كلاسيكية غربية، وقال إيلوب: «كانت الرسالة التي قصدتها من هذا الحفل، هي أننا سننجح إذا أدى كلّ منا دوره، تماماً كما تلعب كل آلة موسيقية دورها، ليصبح لدينا هذه السمفونية الجميلة».

ولطالما كان رئيس الشركة يحب المجاز، فقبل عامين، فاجأ إيلوب مسؤولي شركته الفنلندية لصناعة الهواتف النقالة عندما حذر من أن «نوكيا» تقف على «منصة تحترق»، وأن الشركة ستندثر إذا لم تكن مستعدة للقفز إلى المياه المتجمدة، وبعد أيام على ذلك، وبالضبط في ‬11 فبراير ‬2011، أعلن عن هذه القفزة، إنه تحالف مثير للجدل مع شركة «مايكروسوفت» لصنع هاتف ينافس كلاً من هاتف «آي فون»، الذي صنعته «أبل»، والهواتف العاملة بنظام «أندرويد»، الذي طورته «غوغل»، والإسراع في إنتاج مليار جهاز من الهاتف الجديد، الذي حمل اسم «لوميا»، لبيعها في الأسواق الصاعدة.

إعادة هيكلة

لكن بعض مديري «نوكيا» كانوا غير مقتنعين بهذا الطرح، وعلى الرغم من أن الشركة كانت أكبر منتج للهواتف النقالة في العالم، إلا أن أحد كبار مديريها يقول إن الشركة مصابة بمرض الغطرسة، وإذا لم تستوعب خطورة وضعها، فإنها ستشعر بمدى الخطر الذي تعيشه عندما تنظر إلى عملية إعادة الهيكلة العميقة التي تتعرض لها.

وعمد إيلوب إلى معالجة ثلاثة من التحديات الداخلية، وهي: أن تصبح الشركة أكثر انفتاحاً، وأن يزداد فيها نظام المحاسبة، وأن تغدو أكثر ليونة، لكن الشركة، التي أطلقت أربعة هواتف جديدة، أخيراً، يواجهها سؤال مصيري الآن، مفاده: هل سيشتري المستهلكون الهواتف بكميات كبيرة تضمن مستقبل الشركة؟

ولطالما سئل إيلوب عما إذا كان لديه خطة بديلة إذا فشلت خطة هواتف «لوميا»، بيد أنه ليس هناك الكثير من البدائل المتمثلة في تفكيك الشركة نفسها، ويبدو أن الاتفاق مع «مايكروسوفت» هو «الاستراتيجية الوحيدة المتوافرة للشركة الآن»، كما يقول المحلل المستقل، ريتشارد ويندسور.

وعمدت «نوكيا» إلى التكيف مع هيكليتها ونفقاتها، وبعد أن كان تعداد موظفيها ‬65 ألفاً في بداية عام ‬2011، أصبح تعدادهم الآن ‬45 ألفاً، وأغلقت الشركة ودمجت ‬200 من مراكز وجودها الموزعة في جميع دول العالم، البالغ تعدادها ‬500.

واعتادت الشركة إطلاق ‬50 منتجاً جديداً إلى الأسواق العالمية سنوياً، إلا أنها تنتج الآن ‬25 فقط. وفي العام الماضي، باعت الشركة وأجرت مقرات خارج مدينة هلسنكي، الأمر الذي اعتبره محللون مؤشراً إلى الورطة التي تعانيها «نوكيا».

ويبدو أن شركة «سامسونغ» تغلبت على «نوكيا»، وأضحت أضخم صانع للهواتف النقالة في العالم. وفي يناير ‬2013، ألغت «نوكيا» توزيع الأرباح للمرة الأولى في تاريخها، الذي يمتد إلى ‬148 عاماً مضت.

وقال مديرون تنفيذيون في الشركة، إن ما يظهر بأنه أزمة عميقة للشركة، من شأنه أن يزيد من عزيمة وإصرار «نوكيا» على إصلاح أسلوب إدارتها البالغ التعقيد.

ويدعي إيلوب أنه زاد من «تشديد التنفيذ» للاستراتيجية، وكانت كلمة «ركز»، هي التي قالها مديرو «نوكيا»، الذين أجريت معهم المقابلات، مراراً وتكراراً. وعلى سبيل المثال، رسمت رئيسة قسم الأجهزة الذكية في «نوكيا»، جو هارلو، خريطة لهيكلية إدارة «نوكيا» لتحسين الفاعلية، وعلى إثرها شكلت الشركة وظائف: مدير البرنامج، ورئيس قسم النوعية، ورئيس القسم الهندسي، كي تنسجم مع نظرائها في شركة «مايكروسوفت»، وبالتالي يتحدث المهندسون مع المهندسين ومديرو النوعية مع نظرائهم وهكذا.

عقبات

لكن «نوكيا» واجهت العديد من العقبات، خصوصاً خلال محاولتها تعزيز العمود الثاني من استراتيجيتها، المتمثل في بيع المزيد من الهواتف النقالة في الأسواق التي تشهد نمواً كبيراً، مثل الهند والصين.

وتعترف الشركة بأنها كانت بطيئة في عرض هواتفها الأكثر منافسة والعاملة باللمس إلى هذه الأسواق حتى عام ‬2012، ما سمح لهواتف «سامسونغ» بسرقة حصتها من السوق.

وكان إيلوب شدد من سيطرته على الشركة، وفي يونيو من العام الماضي عين جوها بوتكيرانتا مسؤولاً عن المصانع والإمدادات اللوجستية، وكريس ويبر رئيساً جديداً للمبيعات والتسويق في فريق القيادة العليا، وسيرسل الاثنان تقاريرهما إلى الرئيس التنفيذي مباشرة.

لكن المراقبين الخارجيين لايزالون يشعرون بالقلق من النقص في الإمداد، مثل عجز الشركة عن ايصال ما يكفي من هواتف «لوميا» النقالة إلى الأسواق في الصين في عطلة العام الجديد، وهو الأمر الذي يوحي بوجود مشكلة عميقة.

قبول المستهلك

ويبقى الأمر الأكثر إثارة للقلق يتمثل فيما إذا كانت الأنماط الجديدة من هواتف «نوكيا» ستمثل خياراً مقبولاً لدى المستهلكين، وعلى الرغم من أن حصة «نوكيا» من السوق بالنسبة للهواتف ذات الأسعار المقبولة تناقصت بنسبة ‬4٪ خلال الفترة بين عامي ‬2011 و‬2012، ووصلت إلى ‬19.1٪، إلا أن حصتها من الهواتف الذكية انخفضت من ‬17.9٪ إلى ‬5.8٪ فقط. وأشارت الأرقام التي نشرت الشهر الماضي إلى أن الربع الرابع من العام الماضي حقق تحسناً غير متوقع في المبيعات، ما يعدّ أول تباشير التحسن في الوضع المالي، إذ بعد التحسن في بيع الهواتف التي تعمل باللمس في نهاية العام الماضي، كان الأمر كذلك بالنسبة للهواتف النقالة الأخرى الأقل ثمناً، الأمر الذي شكل دعماً قوياً للشركة.

ويبدو أن مبيعات الشركة من الهواتف العاملة بـ«ويندوز فون ‬8»، التي تنتجها الشركة بالاشتراك مع «مايكروسوفت»، ستكون منسجمة مع التوقعات، بالنظر الى حجم إنفاق «مايكروسوفت» الكبير على تسويق نظامها، وتعتقد هارلو أن المستهلك بدأ الآن يقدر فوائد هاتف «ويندوز فون ‬8».

التغريد من جديد

ويبدو أن مديري «نوكيا» واثقون من أن الشركة تجاوزت الأزمة، وتضاعف ثمن سهم الشركة في يوليو الماضي. وبدأ ضباط الهجرة والجوازات في مطار هيثرو بلندن، الذين تعدهم هارلو، المولودة في الولايات المتحدة، مقياساً لمدى تقبل هواتف «نوكيا»، يسألون عن الأجهزة الجديدة التي تنتجها «نوكيا»، وليس مجرد التعاطف مع موظفيها الذين يعانون المتاعب. لكن جميع المنافسين يمضون في التطور والابتكار، إذ إن شركتي «سامسونغ» و«أبل» لاتزالان تسيطران معاً على أكثر من نصف سوق الهواتف الذكية، وحتى شركة «بلاكبيري»، التي انهارت على نحو أسرع مما حدث مع «نوكيا»، استعادت عافيتها، وبدأت تعرض منتجات جديدة تتوافق مع نظامها الجديد والمطور بالكامل «بلاك بيري ‬10».

وكان إيلوب تعهد أمام فريقه من القيادة العليا في إسطنبول بأنه «سيجعل هواتف (نوكيا) تغرد من جديد»، لكنه لايزال بحاجة إلى أن يجعل نفسه مسموعاً أكثر من بقية الأصوات المحيطة.

 

تويتر