«المركزي» ومتخصصون يعتبرون «العقد شريعة المتعاقدين».. ويطالبون بمراعاة الجانبين الأخـــلاقي والاجتماعي

مصارف تحجز على رواتب مواطنين لسـداد فروق التمويل العقاري

نظام القروض الشخصية الجديد يهدف إلى خفض نسب الاستقطاع الشهري من الراتب إلى ‬50٪. الإمارات اليوم

قال مواطنون إن مصارف يتعاملون معها تحجز على رواتبهم كاملة، لتغطية الفرق في أقساط العقارات الممولة، بسبب تراجع القيم الإيجارية لها، لافتين إلى أن المصارف رفضت إعادة جدولة القرض، تماشياً مع أسعار الإيجارات الجديدة، بذريعة أن رواتبهم تغطي الفرق كونها مرتفعة.

واتفقت مصادر في المصرف المركزي، ومتخصصون مصرفيون وقانونيون في أن «العقد شريعة المتعاقدين»، وأن العقود الموقعة بين المتعاملين والمصارف تسمح بـ(الرجوع على الراتب) دون نسب محددة، ما يعطي الحق للمصرف في الحجز حتى على كامل الراتب، خصوصاً إذا كان التمويل بضمان العقار والراتب معاً، أو لدى المتعامل مصدر دخل آخر غير الراتب، مشيرين إلى وجود جانب أخلاقي واجتماعي على المصارف أن تنظر إليه في مثل هذه الحالات، لكنه غير ملزم لها إذا أرادت تطبيق سياساتها وفق العقود المبرمة.

ولفتوا إلى أن الحالات المتضررة حالياً حصلت على تمويلات قبل إقرار نظام القروض الشخصية الجديد الذي يمنع استقطاع ما يزيد على ‬50٪ من الراتب.

حجز راتب

العقد شريعة المتعاقدين

قال الخبير المصرفي، مهند عوني، إن «التمويل إذا كان بضمان دخل العقار والراتب، فإنه يحق للمصرف الحجز على الراتب كاملاً لسداد القسط، إذا هبط الدخل المتأتي من العقارات نتيجة تراجع الإيجار وغيره».

وأضاف أن «هناك بنداً في العقد، غير قابل للرجوع أو النقض، يسمى (أندر تيكينغ) يعطي للمصرف حق أخذ مستحقاته من المتعامل بأي وسيلة، وبمقتضاه، فإنه يمكن سحب القسط من أي من حسابات المتعامل الموجودة لدى المصرف، وسداد الرسوم والغرامات المترتبة عليه، في حال وجدت، حتى لو تضمن ذلك سحب كامل مبلغ المتعامل».

وذكر عوني أن «المصارف تحاول المساعدة بعمل (إعادة جدولة)، ولكن في حدود معينة، بشرط ألا يتخطى عمر المتعامل ‬65 سنة عند نهاية سداد التمويل، تصل أحياناً حتى ‬70 سنة في بعض المصارف، لكنها قليلة»، مشدداً على أن «شرط العمر أحد أهم الأسباب التي تحول دون هيكلة التمويلات العقارية لمواطنين تراجع دخل بناياتهم، ما يضطر المصرف إلى الحجز على الراتب كاملاً بسبب ذلك».

وأكد أن «رهن المتعامل راتبه كاملاً مقابل مبالغ كبيرة، خطأ شائع يقع فيه كثير منهم، إلا أن المصرف في النهاية، يستوفي حقه كاملاً، والقانون إلى جانبه لأن العقد شريعة المتعاقدين».

وتفصيلاً، قال المواطن (س.الشحي)، إنه حصل على تمويل من مصرف إسلامي بقيمة ‬14 مليون درهم مع الأرباح، لبناء خمس فلل منذ ثلاث سنوات، أجّر منها أربع فلل، وسكنت عائلته في الفيلا الخامسة.

وأضاف أن «الإيجارات في بداية تأجير الفلل كانت بقيمة ‬800 ألف درهم، وتغطي تقريباً القسط السنوي المقدر بنحو ‬834 ألف درهم، مع خصم مبلغ ‬34 ألف درهم من الراتب البالغ ‬97.7 ألف درهم».

وأكد أنه بعد انخفاض الإيجارات منذ منتصف عام ‬2012، طلب من المصرف إعادة جدولة للتمويل، وخفض القسط السنوي بما يتناسب مع الإيجارات الجديدة، إلا أن المصرف رفض، حتى أصبحت قيمة الإيجارات تبلغ ‬600 ألف درهم، ما دفع المصرف إلى حجز كامل الراتب منذ نهاية العام الماضي، فضلاً عن أنه أصبح يطالب بالفرق تحت طائلة القانون.

وفي السياق نفسه، قال المواطن (م.غانم)، إن المصرف حجز على راتبه كاملاً البالغ ‬70 ألف درهم، بعد أن رفض إعادة هيكلة ديونه البالغة ‬12 مليون درهم، ما أدخله في ضائقة مالية شديدة.

وأضاف أنه «على الرغم من أن هناك توجهاً من قيادة الدولة، والمصرف المركزي لتخفيف أعباء الديون والأقساط الشهرية، فإن المصارف تقول بعدم وجود تعليمات مكتوبة من (المركزي) تفرض ذلك، والأمر اختياري لها طالما أن الراتب كبير»، مشيراً إلى أن المصرف الذي يتعامل معه يتذرع بوجود مصدر آخر للدخل يتأتى من فيلا كنت أؤجرها قبل الحصول على التمويل، إلا أن تلك الفيلا خالية حالياً ولا دخل يأتي منها.

البيع بخسارة

من جانبه، قال المواطن (ع.العامري)، إن «صديقاً له اضطر إلى بيع ثماني فلل بخسارة نتيجة تراجع قيم الإيجارات، ومطالبة المصرف له بسداد فرق يفوق راتبه الشخصي»، لافتاً إلى أن راتب صديقه لم يكفي لسداد الأقساط قبل بيع الفلل، على الرغم من حجز المصرف راتبه كاملاً.

وأضاف أن «قيمة القسط تبلغ ‬350 ألفاً سنوياً، نظراً لأن المصرف قدّر إيجار الفيلا الواحدة بـ‬450 ألف درهم سنوياً وقت الطفرة، إلا أنه مع هبوط الإيجارات بشدة، لم يتردد المصرف في اللجوء إلى حجز الراتب».

أما المواطنة (ش.السويدي)، فذكرت أنها موّلت مجمعاً يضم خمس فلل في «مدينة خليفة بن زايد (أ)» من مصرف إسلامي، وطلبت إعادة جدولة، نتيجة تراجع قيم الإيجارات نفسها، إلا أن المصرف رفض ذلك، وحجز على كامل راتبها بقيمة ‬80 ألف درهم.

وأفادت بأن المصارف الإسلامية الأخرى رفضت محاولتها نقل المديونية، بذريعة أنها لا تسدد مديونيات المواطنين من مصارف إسلامية مماثلة، وإنما التجارية فقط، لافتة إلى أنه حتى المصارف التجارية، فإنه سيترتب عليها دفع كامل الأرباح، إضافة إلى المبلغ الأصلي بحسب موظف البنك.

مصادر دخل أخرى

مصرفياً، قال رئيس الائتمان العقاري في بنك دبي الإسلامي، علاء الدين الحسيني، إنه «لا يفترض في المصارف أن تحجز على راتب المتعامل بنسب تزيد على ‬50٪ من راتبه، بحسب توجيهات من المصرف المركزي، إلا إذا أفصح المتعامل نفسه عن وجود مصادر أخرى للدخل، تغطي نفقاته المعيشية اليومية، كأن يكون له دخل من مزرعة أو عقار آخر، وفي هذه الحالة يحجز البنك على كامل راتب المتعامل، ويترك مصادر الدخل الأخرى له».

وأضاف أن «هناك توجيهات من المصرف المركزي بعدم زيادة الاستقطاعات الشهرية على ‬50٪ من الراتب، خصوصاً في حالات التسوية الجديدة التي تتم، أو سداد مديونيات متعاملين في مصارف أخرى»، نافياً أن يكون هناك مانع شرعي من سداد هذه المديونيات بين المصارف الإسلامية، إذ إنها ممارسات خاصة في بعض المصارف.

وأكد أن «(دبي الإسلامي) يسدد مديونيات المتعاملين، سواء كانت في مصارف تجارية أو إسلامية»، مبيناً أن اشتراط مصارف إسلامية دفع المتعامل لكامل الأرباح على تمويلاته قبل نقلها إلى مصرف آخر، يأتي من باب عرقلة المتعامل عن ترك المصرف، أو التحجج نظراً إلى وجود ما يسمى شرعاً بـ«مكافأة السداد المبكر» عند المصارف الإسلامية، والتي تسمح للمصرف باقتطاع جزء من الأرباح المستقبلة بحدود شهرين أو ثلاثة أشهر، مقابل مصروفات إدارية، وإعادة المتبقي من الأرباح إلى المتعامل».

عقود التمويل

من جانبها، قالت نائبة الرئيس التنفيذي مديرة إدارة الفروع ومركز خدمة المتعاملين في القطاع المصرفي للأفراد في بنك الخليج الأول، هدى عبدالله، إن «المصارف تراعي ظروف السوق، وما صاحبها من تراجع الإيجارات عن طريق عمل إعادة تقييم وجدولة جديدة للمتعامل بما يتناسب مع الدخل المتأتي من العقار، ويخفض قيمة القسط».

وأضافت أن «عقود تمويل العقارات التجارية غالباً ما تتضمن سداد جزء من القسط من دخل العقار، وجزء من راتب المتعامل»، لافتة إلى أنه لا يحق للمصرف الحجز على كامل راتب المتعامل، إلا إذا توقف دخل العقار تماماً».

وأوضحت أنه «يفترض بالمصارف أن تراعي عدم وقف متطلبات الحياة اليومية للمتعامل، وتترك له جزءاً من راتبه»، مؤكدة أنه «لا توجد تعليمات مكتوبة من المصرف المركزي بتخفيف الأعباء في مثل هذه الحالات، إلا أنه يوجد توجه عام يجب على المصارف مراعاته، إضافة إلى أن ستة مصارف في أبوظبي وقعت بروتوكولا مع لجنة قروض المواطنين، بخفض نسب الاستقطاع من الراتب كيلا تتجاوز ‬50٪ من راتب المواطن، وبفترة أقصاها ‬240 شهراً أي ‬20 سنة».

ورأت أن «ذلك كافٍ لحث المصارف على تخفيف الأعباء عن المواطنين».

تطبيق العقود

إلى ذلك، قالت مصادر في المصرف المركزي، فضلت عدم ذكر أسمائها، إن «العقود الموقعة بين المتعاملين والمصارف تسمح بـ(الرجوع على الراتب) دون نسب محددة، ما يعطي الحق للمصرف في الحجز حتى على كامل الراتب».

وأضافت أن «المصرف المركزي تلقى بالفعل حالات عدة حول هذا الأمر، ومحاولات حلها مع المصارف لا إلزام فيها، وإنما من قبيل الالتماس، ومراعاة ظروف المتعامل العائلية الأسرية نتيجة الحجز على كامل راتبه».

وأوضحوا أن «بعض المصارف تستجيب، وبعضها يحتفظ بحقه في تطبيق العقود الموقعة، وفي هذه الحالة لا يكون أمام المتعامل إلا اللجوء إلى المحاكم، لتكون للقضاء كلمة الفصل».

ولفتت المصادر إلى أن «التعديل الذي أدخل على نظام القروض الشخصية بما يسمح للمواطنين بنقل ديونهم من مصرف إلى آخر، هدف إلى خفض نسب الاستقطاع الشهري من الراتب، تحسباً لمثل هذه الظروف، وللوصول بها إلى نسبة ‬50٪ فقط، لكنها في النهاية اختيارية للمتعامل»، موضحة أن «مثل هذه الحالات أخذت تمويلات قبل إقرار نظام القروض في عام ‬2011، ولذلك، لم يكن هناك تحديد لنسب الاستقطاع من الراتب، كما هو معمول به حالياً، بحيث لا تزيد على ‬50٪».

قانون إفلاس

إلى ذلك، قال المحامي والمستشار في القضايا المالية، صلاح الحليان، إن «المصارف بموجب العقود الموقعة، فإنه يسمح لها بالتصرف في أي حسابات تحت يدها تتعلق بالمتعامل»، موضحاً أن «من حقها مصادرة المبالغ التي في حسابه كاملة بما فيها الراتب».

وتابع: «منطقياً وأخلاقياً، فإنه يفترض أن تترك المصارف للمتعامل جزءاً من راتبه طالما لا يوجد له مصدر آخر للدخل، إذا كيف له أن يعيش في مثل هذه الحالة؟».

وأضاف الحليان أن «وجود قانون للإفلاس في كثير من دول العالم يحمي المدين من المطاردة، ويسمح له بتقسيط التزاماته، مع ترك جزء من دخله للمعيشة اليومية له ولأسرته»، مشدداً على أهمية وجود مثل هذا القانون في الإمارات.

ولفت إلى أن «لجوء المتعامل إلى القضاء يأتي لتقدر المحكمة حالته، وتترك له جزءاً من راتبه مراعاة للظروف الإنسانية، أما الشق القانوني فهو في مصلحة المصارف التي نرى كثيراً منها يتعسف في استخدام حقه».

تويتر