استفادة عمالقة التكنولوجيا من البنى التحتية للمشغلين دون تقاسم الإيرادات نقطة خلاف رئيسة
مشغّلو الاتصالات وشركات الإنترنت.. علاقـة تمــزج الصـداقــة بالـعـــداوة
يُبرز «المؤتمر العالمي للجوال» في مدينة برشلونة، الحدث السنوي الأبرز في مجال المحمول، ملامح العلاقة المزدوجة بين أكبر شركات الاتصالات من جهة، وشركات الإنترنت العملاقة من جهة أخرى، وهي علاقة تجمع في آنٍ واحد بين الصداقة والعداء، وسط نزاعات واضحة بينهما.
طرق غير تقليدية لنقل تجهيزات الاتصال خلال الأعوام القليلة الماضية، استخدمت مجموعة «ديجيسل» للاتصالات، طائرات الهيلوكوبتر والحمير لنقل معدات أبراج الاتصالات إلى مناطق في بابوا غينيا الجديدة لا تتوافر فيها طرقات أو كهرباء. وبالمثل، تعمل «أوريدو»، المعروفة سابقاً باسم «كيوتل»، على بناء شبكة للاتصالات في ميانمار تقول أنها بحاجة إلى ما بين أربعة و10 أعوام قبل أن تُؤتي أكلها، واستخدمت المجموعة، التي توفر شبكات اتصالات في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وجنوب شرق آسيا، جاموس الماء لنقل التجهيزات. ويقول مسؤولون تنفيذيون في شركات الاتصالات إنه لا يُمكن استمرار هذه الاستثمارات بالمستوى نفسه من دون مساعدة. وحالياً، استحوذت تطبيقات الهواتف المحمولة، التي تعتمد على الإنترنت لتوفير الرسائل النصية والمكالمات الصوتية، على جانب من عائدات مُشغلي خدمات الاتصالات، من دون أن ترتفع عائدات الأخيرة من خطط البيانات. وفي مقابلة تعود إلى سبتمبر من العام الماضي، قال الرئيس التنفيذي لشركة «أوريدو»، ناصر معرفيه، إنه «في حال لم تبدأ شركات الإنترنت بدفع المال مُباشرةً إلى مُوفري خدمات الاتصالات، فستصل الاستثمارات حداً لا يُمكنها التقدم بعده»، مضيفاً: «السؤال هو من سيُشيّد البنية التحتية؟ نحن نبني الشبكة، ولسوء الحظ يستغلها لاعبو الإنترنت الذين لا يتقاسمون الإيرادات». شركات الاتصالات أكدت أن استمرار الاستثمار الحالي في البنية التحتية من دون مساعدة أمر غير ممكن. أرشيفية تعاون يرى محللون أن معظم شركات الاتصالات لم ينجح كثيراً في رصد الاتجاهات التقنية الحديثة، لذلك لجأ بعض مزوّدي خدمات الاتصالات اللاسلكية إلى التعاون مع شركات التكنولوجيا القائمة بالفعل، بدمج خدماتها، مثل بث الموسيقى والفيديو بحسب الطلب، في عقود الهواتف المحمولة، على أن يحصل كلا الجانبين على نسبة من الإيرادات. ومن ذلك، اتفاقات بين شركة «ديزير»، التي تتخذ من العاصمة الفرنسية باريس مقراً، التي تُوفر خدمات بث الموسيقى على غرار «سبوتيفاي»، مع أكثر من 30 من مزوّدي الاتصالات في العالم. وقال رئيس تطوير الأعمال في الشركة، كليمنت سيزار، إن «الشركات غالباً ما تلمس تصاعداً في استهلاك خطط البيانات، وفي الوقت نفسه يتزايد عدد مستخدمي (ديزير)». |
وفي واقع الأمر، يعتمد كلا الطرفين على بعضهما بعضاً لتوفير سرعات عالية للاتصال بالإنترنت وخدمات الويب، مثل بث الموسيقى والشبكات الاجتماعية، وتجلت المنافسة بينهما مع تزايد إقبال المستهلكين على الهواتف الذكية، وفي الوقت الذي تتراجع مبيعات الحواسيب المحمولة في مختلف أنحاء العالم، تتوقع شركة «غارتنر» للأبحاث شحن نحو ملياري هاتف ذكي العام الجاري.
ومن ثم تسعى كلٌ من شركات الاتصالات والتكنولوجيا لتكون القناة الرئيسة لاستخدام الإنترنت على الأجهزة المحمولة، وعبر مُحلل الاتصالات في شركة «إرنست آند يونغ» للاستشارات، أدريان باسشنونجا، عن ذلك بقوله: «هناك كثير من القلق، لا يرغب أحد أن يتفوّق عليه الآخرون، ويتساءل الجميع عن دورهم في الصناعة».
وأسهم تحسين شبكات الاتصالات، لاسيما في الولايات المتحدة وأوروبا واليابان وبعض مناطق آسيا، في تأهيل الهواتف الذكية لإنجاز مهام ظلت حتى وقت قريب حكراً على الحواسيب التقليدية، ومنها الخدمات المالية والتجارة الإلكترونية والتراسل، وحول هذا قالت المديرة العامة للجمعية العامة لشبكات الهاتف المحمول «جي إس إم أيه»، والمنظمة للمؤتمر، آن بوفرت: «لقد صار المحمول قلب الإنترنت».
وتبع هذا التحوّل اضطراب العلاقة بين الجانبين، ويتخوف العديد من شركات الاتصالات، التي استثمرت مليارات الدولارات خلال السنوات الماضية لتحسين شبكاتها، من اقتصار مهمتها على مجرد توفير البُنى التحتية للاتصال بالإنترنت، دون أن تنال نصيباً من ثمار الطفرة الناشئة عن الأجهزة المحمولة، وترى أن نظيراتها في مجال الإنترنت تحصل على مكاسب لا تدفع مقابلها.
ويقلق مسؤولو شركات الاتصالات من ضياع الفرصة في كسب جانب من عائدات الإعلانات التي تتدفق على تطبيقات الهواتف الذكية وألعاب الإنترنت وخدمات أخرى، تعتمد جميعها على شبكات الاتصالات، وتتزامن هذه المخاوف مع ثبات عائدات كثير من شركات الاتصالات، لاسيما في الدول الأوروبية التي تواجه عثرات اقتصادية.
وتُضيف النظم الضريبية إلى أسباب إحباط مزوّدي خدمات الاتصالات، التي ترى أن الشركات الأميركية العملاقة في مجال التكنولوجيا تعتمد نظماً ضريبية مُعقدة تعفيها من بعض أعبائها عالمياً، ولا تُواجه القدر نفسه من التدقيق التنظيمي الذي تخضع له شركات الاتصالات، ويتضمن ذلك القرار الأخير للجنة الاتصالات الفيدرالية في الولايات المتحدة بشأن حيادية الإنترنت، الذي سمح للوكالة بتصنيف الاتصال بالإنترنت مرفقاً عاماً.
وفي وقت سابق، كشف المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة «فيس بوك»، مارك زوكربيرغ، عن رؤيته لدور الشركة في توفير الإنترنت لملايين الأشخاص، ويشير ذلك إلى أن العديد من شركات التكنولوجيا يخوض في مجالات سيطرت عليها تقليدياً الشركات الموفرة لخدمات الاتصالات.
وعلى سبيل المثال، طرحت «غوغل» شبكات الألياف الضوئية في مدن أميركية عدة، ما يُوفر خدمات التلفزيون والإنترنت بسرعات تصل إلى واحد غيغابِت في الثانية، أي أسرع 100 مرة من متوسط الاتصال بالإنترنت، كما تُدير مشروعات تجريبية في دولٍ نامية، مثل أوغندا، لتشييد بنية تحتية للإنترنت لا تُتيحها شركات الاتصالات.
وتُوفر شركات الإنترنت تطبيقات لإجراء المكالمات الهاتفية وتبادل الرسائل النصية مجاناً، ما اقتطع الكثير من إيرادات شركات الاتصالات، وينطبق ذلك على «فيس بوك» بعد استحواذها على تطبيق «واتس آب» العام الماضي، فضلاً عن تطبيقها الخاص «فيس بوك ماسنجر»، وتحظى «فيس بوك» حالياً بمئات الملايين من مستخدمي المحمول، الذين تحوّلوا عن الرسائل النصية التقليدية التي مثلت لفترة طويلة مصدراً مهماً لأرباح شركات الاتصالات.
وترى شركات الاتصالات اللاسلكية في هذه الاستراتيجية عائقاً للمنفعة الاقتصادية التي تضمن جدوى الاستثمار في البنية التحتية للإنترنت.
وعلق رئيس مجلس إدارة «ديجيسل غروب»، دينيس أوبريان، على هذا بقوله: «يُشبه زوكربيرغ شخصاً يحضر حفلتك، ويشرب مشروباتك الخاصة، ويجلس مع صديقاتك دون أن يجلب شيئاً».
وأشار أوبريان إلى تحقيق «غوغل» مكاسب بمليارات الدولارات نظير الإعلانات على الإنترنت من دون أن تدفع بنساً واحداً، مضيفاً: «أعتقد أنه نموذج العمل الأكثر غرابة في التاريخ الحديث».
وتُوفر «ديجيسل» الاتصالات اللاسلكية في 33 بلداً في منطقة الكاريبي وأميركا الجنوبية وسواهما.
وتقول «فيس بوك» إنها تبذل جهوداً للتعاون مع شركات الاتصالات للتوصل إلى سبل تكفل ربح كلا الطرفين.
وخلال الدورة السابقة من «المؤتمر العالمي للجوال»، استضاف زوكربيرغ عشاءً ضم مسؤولين تنفيذيين في شركات الاتصالات.
واعتبر أوبراين وغيره من مُمثلي صناعة الاتصالات أن ذلك إحدى الخطوات المختلفة التي ساعدت على تخفيف التوتر، ويعتزم زوكربيرغ تكرار الأمر نفسه العام الجاري.
وتبحث «غوغل» و«فيس بوك» في تطوير تقنيات لتوفير الإنترنت للمدن والقرى المنعزلة، ويعتمد مشروع «لوون» من «غوغل» على بالونات الهواء الساخن، كما تستثمر في مشروع «أو 3 بي نتووركس» للأقمار الاصطناعية، واستحوذت «فيس بوك» و«غوغل» على شركات لتصنيع الطائرات من دون طيار لاستخدامها بديلاً عن البالونات، لكن تحتاج جميع هذه الجهود إلى أعوام قبل أن تُؤتي ثمارها.
وأشارت متحدثة باسم «غوغل» إلى تقرير شركة «أناليسز ماسون» للأبحاث، الذي ذكر أن شركات الإنترنت تُنفق على المستوى العالمي 35 مليار دولار سنوياً على تطوير البنية التحتية، مثل الكابلات البحرية التي تربط شبكات الاتصالات معاً.
ويتضح الخلاف بين الجانبين بشكلٍ أكبر في الدول النامية، إذ لا تربح شركات الاتصالات كثيراً من توفير خدمات الإنترنت اللاسلكية، ولاتزال تعتمد إيراداتها على خدمات الاتصالات الهاتفية والرسائل.
ومنذ أعوام، عملت «فيس بوك» على أفكار مختلفة لتوفير الإنترنت لملايين الأشخاص، وأفادت الشركة سابقاً بأن بإمكانها توفير الاتصال لملايين الأشخاص من دون إضافة بُنى تحتية جديدة.
وبحسب «فيس بوك»، يعيش أكثر من 90% من سكان العالم ضمن نطاق إشارات الإنترنت، إلا أن ثلثيهم لا يستخدمون الإنترنت لعدم إدراكهم قيمته.
وترى الشركة، صاحبة الشبكة الاجتماعية الأوسع انتشاراً في العالم، أن توفير موقعها بشكلٍ مجاني سيُبين لملايين الأشخاص مزايا الاتصال بالإنترنت، وبالفعل، عقدت خلال الأعوام الخمسة الماضية اتفاقات عدة لهذا الغرض، وتبعها في ذلك شركات أخرى مثل «تويتر» و«سبوتيفاي» بهدف توفير تطبيقاتها للمستهلكين من دون أن يتوجب عليها سداد قيمة خطط البيانات.
وتحوز هذه الأفكار على أهمية كبيرة في تطلعات شركات التكنولوجيا الأميركية إلى العالم النامي، وتُعول «فيس بوك» بشكلٍ كبير على مد عملها إلى مليارات من مُستخدمي الإنترنت الجدد خلال العقد المُقبل.
ومثلت مبادرة «فيس بوك زيرو» قبل خمسة أعوام نموذجاً على محاولات الشركة في هذا الصدد، ووفرت فيها نسخة من موقعها أقل استهلاكاً للبيانات، وتعاونت مع شركات اتصالات عدة، منها «ميليكوم إنترناشيونال سيليولار»، ووصفت الشركة تجربتها بالناجحة، مشيرة إلى أنها تجربة للتعلم في الوقت ذاته.
من جانبها، أتاحت «تيغو»، التابعة لشركة «ميليكوم» في باراغواي، استخداماً مجانياً لموقع «فيس بوك» لمدة ستة أشهر في عام 2013، ما أدى إلى زيادة عدد مستخدمي خطط البيانات بنسبة 30%، واشترك أربعة من كل 10 مستخدمين لنسخة «فيس بوك زيرو» في خدمات الإنترنت عبر المحمول، وفقاً لما قال رئيس الشركة في أميركا اللاتينية، ماريو زانوتي، لكن خلال ثلاثة أو أربعة أشهر بلغ عدد المستخدمين الجدد ذروته دون أن يُحقق نمواً إضافياً.
ونظراً لإدراك «فيس بوك» عدم توفير فكرة «فيس بوك زيرو» ما يكفي من الإيرادات لشركات الاتصالات، فقد غيّرت العام الماضي من استراتيجيتها بطرح مبادرة «إنترنت دوت أورغ»، التي تتيح للمستخدين وصولاً مجانياً إلى الإنترنت عبر تطبيق خاص يسمح باستخدام خدمات «فيس بوك»، إلى جانب إتاحته مزايا مثل الأخبار المحلية وحالة الطقس والمعلومات الصحية، كما طوّرت نُظماً تتيح للمستخدمين سهولة الدفع مقابل استخدام البيانات، وبدأ عمل «إنترنت دوت أورغ» حتى الآن في ستة بلدان هي: زامبيا وتنزانيا والهند وغانا وكينيا وكولومبيا، في وقت تستهدف وصول الخدمة إلى 100 دولة في العالم.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news