خبراء: خصخصة الشركات الحكوميـــة تجذب الاستثمارات وتعزّز أسواق المال

 قال خبراء إن طرح جزء من الشركات الحكومية الكبرى للاكتتاب، خصوصاً تلك العاملة في قطاعات تفتقدها أسواق المال مثل قطاع النفط والغاز، من شأنه أن يزيد عمق أسواق المال ويرفع جاذبيتها.

وشددوا على أن دراسة طرح جزء من أسهم شركة «أرامكو» السعودية وما قد يتبعها من شركات على مستوى دول مجلس التعاون الخليجي، ومن بينها شركات محلية في قطاعات شتى، من شأنها خلق نوع من المشاركة للمستثمرين الأفراد والمؤسسات في هذه الشركات والمشاركة في العوائد المحققة من القطاعات الحيوية المختلفة، إضافة إلى إعطاء الحكومة فرصة لتسييل جزء من استثماراتها بعوائد مجزية توفر لها السيولة بعيداً عن القطاع المصرفي.

وذكروا لـ«الإمارات اليوم»، أن القرار بشأن الشركة السعودية قد يفتح الباب أمام دراسة طرح أسهم في شركات في قطاع النفط في دول مجلس التعاون، وقد تطال الخصخصة أيضاً بعض الشركات في قطاعات أخرى، لافتين إلى أن استمرار تراجع أسعار النفط قد يدفع بعض الحكومات الخليجية لطرح جزء من الشركات الكبيرة للاكتتاب العام وجذب الأموال من القطاع الخاص لتمويل هذه الشركات.


الأسواق الخليجية

وتفصيلاً، قال مدير دائرة الأوراق المالية في بنك «أبوظبي الوطني»، مجد معايطة، إن «الأسواق المالية الخليجية ومنها السوق الإماراتية تفتقر إلى زخم الشركات العاملة في قطاع النفط»، مؤكداً أن «تجربة شركة (أرامكو) السعودية وما قد يتبعها من شركات على مستوى دول الخليج، ومن بينها شركات محلية، من شأنها أن تعزز أسواق المال بوجود أوراق مالية متعلقة بقطاع النفط والغاز، إضافة إلى خلق نوع من المشاركة لعموم المكتتبين في هذه الشركات للعوائد المتأتية من القطاعات الحيوية المختلفة، وعلى رأسها قطاع النفط، إضافة إلى إعطاء الحكومة فرصة لتسييل جزء من استثماراتها بعوائد مجزية توفر لها سيولة بعيداً عن القطاع المصرفي». وأضاف معايطة أن «مشاركة القطاع الخاص بحصة في الشركات الحكومية الكبيرة ترفع كفاءتها التشغيلية بوضعها تحت ضوابط الحوكمة».

ولفت معايطة إلى أن «الإمارات لديها تجارب ناجحة فعلاً مثل طرح جزء من أسهم (موانئ دبي العالمية) في بورصات عالمية، وكذلك على المستوى المحلي نجد تجارب لشركات (دو) و(اتصالات) و(طاقة) في السوق المحلية». وأكد معايطة أن هناك العديد من الشركات الحكومية المؤهلة للتحول إلى مساهمة عامة سواء في دبي أو أبوظبي، معرباً عن تأييده لبقاء الحصة الكبرى من هذه الشركات للملكية الحكومية لأهميتها للاقتصاد الوطني.

بدوره، قال المحلل المالي وضاح الطه، إن «مثل هذه الأطروحات الخاصة بخصخصة شركات حكومية موجودة على الساحة المحلية وليست بعيدة عن دائرة صنع القرار». وشدد الطه على أن «التطبيق العملي لعملية الخصخصة، على غرار ما اتخذته الحكومة السعودية بشأن شركة (أرامكو)، مرهون بالتوقيت المناسب حسب رؤية الحكومة الإماراتية».

الشركات الحكومية

وأكد الطه أن «خصخصة جزء من الشركات الحكومية له فوائد جمة في ظل الظروف الحالية لدول الخليج، وتعد رداً قوياً على المشككين في قدرة اقتصادات هذه الدول على مواجهة تراجع أسعار النفط، إضافة إلى تعميق الأسواق المالية وتعزيز جاذبيتها وتحسين العامل النفسي للمستثمرين، وزيادة رفاهية شريحة كبيرة من أفراد المجتمع، التي تكتتب في مثل هذه الشركات». ولفت إلى أن الإمارات تمتلك شركات قوية يمكن أن تحذو حذو «أرامكو» السعوية، وهي شركات أثبتت نجاحاً كبيراً على مستوى السنوات الماضية، منوهاً بأن «طرح جزء من الشركات الحكومية يخضعها لضوابط حوكمة الشركات، وبما يحسّن من أدائها، وفي الوقت نفسه تظل مملوكة للحكومة بحصة كبيرة».

وتابع الطه أن «نسبة الدين العام في دول الخليج ومنها الإمارات مقارنة بالناتج المحلي الإجمالي، تعد متدنية قياساً بالدول الناشئة، وهناك أدوات للتمويل كثيرة متاحة مثل إصدار سندات أو صكوك لكن البديل المناسب لها هو طرح جزء من شركات حكومية توفر لها سيولة بعيداً عن القطاع المصرفي أو الاستدانة من المؤسسات الأجنبية».

وقال العضو المنتدب لشركة «أبوظبي الوطني» للأوراق المالية، محمد علي ياسين، إن «القرار بشأن شركة (أرامكو) السعودية وبحث خيارات إدراجها في أسواق المال كان مفاجئاً، وهذا يعني أن أي شركة حكومية أو شبه حكومية في دول الخليج العربي يمكن أن تخصخص خلال الفترة المقبلة»، مشيراً إلى أن «المسألة بخصوص شركة (أرامكو) تتعلق بتوقيت الإدراج باعتبار أن إيراداتها تعتمد على النفط الذي تراجع بقوة خلال الفترة الماضية».

وبيّن ياسين أن «القرار بشأن الشركة السعودية قد يفتح الباب أمام دراسة المزيد من الشركات في قطاع النفط في دول مجلس التعاون، وقد تطال أيضاً بعض الشركات الأخرى الكبيرة، خصوصاً في قطاع النقل الجوي وغيره من القطاعات الأخرى»، مشيراً إلى أن «إدراج الشركات الكبيرة يعني أن الحكومات تبحث في كل السبل لإيجاد إيرادات إضافية وخفض النفقات، ما يجعلها أكثر فاعلية باعتبارها تولي أهمية أكبر للمصروفات والنفقات، ما يدعم موازناتها المالية أيضاً».

الاكتتاب العام

ولفت ياسين إلى أن «عمليات الاكتتاب العام للشركات الكبيرة تسهم في جمع سيولة كبيرة من السوق، وهنا يجب التأكد من أن أسواق المال متوازنة ولا تشهد تذبذبات كبيرة في أدائها لكي تكون قادرة على استيعاب شركات بهذا الحجم»، منوهاً بأهمية أن «تكون عمليات الاكتتاب لهذه الشركات متاحة للاستثمار الأجنبي، الأمر الذي سينعكس على جذب السيولة من الأسواق الخارجية».

وذكر ياسين أن «طرح الشركات العملاقة للاكتتاب العام يسحب سيولة كبيرة من الأسواق، ويقلص الفرص أمام الشركات الأخرى والأصغر حجماً للاكتتاب في الوقت نفسه»، مشيراً إلى أن «عمليات الطرح العام الكبيرة تزيد من حجم التداولات والقيمة السوقية لأسواق المال، وكذلك جذب سيولة أجنبية تسهم في نمو الناتج المحلي».

من جهته، قال الخبير الاقتصادي الدكتور أحمد المطوع، إنه «لم يتبين إلى الآن طبيعة الطرح بخصوص شركة (أرامكو)»، مضيفاً أنه «في عمليات الطرح للشركات الحكومية العملاقة نتوقع أن تبقى للحكومات السيطرة اللازمة لإدارة هذه الشركات، وبالتالي التحكم في صنع القرار وسياسات الإنتاج والتسعير، وغيرها من الآليات الأخرى». وأضاف المطوع أن «النفط لايزال منتجاً مهماً واستراتيجياً في دول الخليج العربي»، مشيراً إلى أن «عمليات الاكتتاب لشركة (أرامكو) وغيرها من الشركات في المنطقة خلال الفترة المقبلة، هي طرح جزء من الأسهم لجذب الأموال في اطار توسيع عمليات التشغيل أو دعم مشروعاتها وغيرها».

وبين المطوع أن «نقص السيولة قد يكون وراء طرح بعض الشركات خلال الفترة المقبلة جراء تراجع أسعار النفط»، مضيفاً أنه «قد تخطو دول أخرى في المنطقة في الاتجاه نفسه لكن بنسب معينة في عمليات الطرح، وقد يكون للشركات غير الحيوية الفرصة الكبرى».

وذكر المطوع أن «استمرار تراجع أسعار النفط قد يدفع بعض الحكومات الخليجية لطرح جزء من الشركات الكبيرة للاكتتاب العام، وجذب الأموال من القطاع الخاص لتمويل هذه الشركات والمساهمة في نموها».

وقال إنه «في ظل الحديث عن أزمة اقتصادية فهناك الكثير من الشركات والمستثمرين الأفراد لديهم الرغبة للاستثمار في الشركات الحكومية في دول الخليج العربي، كبديل عن الاستثمار في الأسهم في الأسواق الخارجية، باعتبارها تدرك جيداً طبيعة الشركات التي تستثمر فيها، وبالتالي هناك فرصة كبيرة لعملية نقل الأموال والسيولة من الأسواق الخارجية إلى دول مجلس التعاون».

استراتيجيات الإمارات تضمن تميز الشركات الحكومية

أكد رئيس الهيئة العربية للاستثمار الزراعي، الخبير الاقتصادي محمد بن عبيد المزروعي، أن «الخصخصة كنهج اقتصادي معروفة ومجرّبة لدولة الإمارات، وهي مهمة للشركة نفسها وللاقتصاد بشكل عام»، مؤكداً أن ما يميز التجربة الإماراتية أن هناك رؤية واستراتيجيات تضمن تميز الشركات والمؤسسات الحكومية، مثلها مثل القطاع الخاص، بما يعني أنه ليس بالضرورة نجاح الشركات المخصخصة دون نظيرتها الحكومية. وأوضح المزروعي أن الحكومة الإماراتية بقيادة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، وضعت أهدافاً واستراتيجيات من شأنها رفع كفاءة المؤسسات والشركات الحكومية لتعمل بمثل نجاح شركات القطاع الخاص، ما يعني أن الاقتصاد المحلي لديه خيار الاتجاه إلى الخصخصة أو الإبقاء على ملكية الحكومة، طالما الإدارة كفؤة وتحقق الأهداف الموضوعة. وأشار إلى أن هذا يعد ضماناً لنجاح أيٍّ من الحالتين في الإمارات، وهذا أمر جيد في حد ذاته، لافتاً إلى أن خصخصة الشركات الناجحة الكبرى تحتاج أيضاً إلى مساهمين يؤدون دوراً إيجابياً في تطويرها، ولا ينتظرون فقط توزيعات الأرباح والعوائد، وهذا بحد ذاته تحدٍّ آخر يجب أخذه بعين الاعتبار.

الأكثر مشاركة