خبراء يحذِّرون من التأثيرات السلبية لتوسعات شركات التجارة الإلكترونية العالمية.. ويقترحون دعم الابتكار والاستعانة بضوابط المنافسة ومنع الاحتكار
«أمازون».. استحواذ وسيـطرة وخطط توسعية عابرة للقارات
اتفق خبراء اقتصاد وتجارة تجزئة وشؤون المستهلك على وجود تأثيرات سلبية، تصاحب دخول الشركات العالمية الضخمة إلى الأسواق المحلية، عبر قطاع التجارة الإلكترونية.
وأكدوا، لـ«الإمارات اليوم»، أن شركات التجارة الإلكترونية العالمية، مثل «أمازون» تنفذ منذ سنوات خططاً توسعية عابرة للقارات، مستحوذة على جميع اللاعبين الأصغر حجماً في القارات الخمس، عبر الاستحواذ وإغراق السوق بالسلع، مؤسسة بذلك لعصر جديد من تجارة التجزئة الرقمية، بقيادة «أمازون» الأميركية، و«علي بابا» الصينية.
اتباع سياسات الأسواق المفتوحة لا يتعارض مع استخدام قوانين منع الاحتكار. تنمية قدرات الشركات المحلية اعتبر خبير شؤون حماية المستهلك، وعضو مجلس إدارة جمعية الإمارات لحماية المستهلك، الدكتور جمعة بلال فيروز، أن توسعات شركات التجارة الإلكترونية مثل «أمازون»، تعد من التطورات الطبيعية لمتغيرات الأسواق التي تعمل وفق السياسات الحرة، وهو ما يجب القبول به والاستعداد والتعامل معه في الوقت نفسه. ولفت إلى أن المرحلة السابقة شهدت هيمنة المراكز التجارية الكبيرة على حصص المحال الصغيرة، ثم تطورت السياسات باتجاه التجارة الإلكترونية. وأكد فيروز أن ضوابط التعامل مع تلك الشركات، يأتي عبر مواكبة توجهات الأسواق العالمية، من خلال تنمية قدرات الشركات المحلية، بما يلبي الاحتياجات المتغيرة للمستهلكين. السيطرة على السوق عبر الإغراق والاستحواذ قال المدير الإقليمي لمجموعة «برزم»، المتخصصة في تجارة الهدايا والسلع الفاخرة، شعيب عبدالجليل مصبح، إن قطاع التجزئة من القطاعات المهمة جداً في دولة الإمارات، وتقدر مبيعاته بمليارات الدراهم شهرياً. وأكد أن الانفتاح على الشركات العالمية، التي تعمل في هذا المجال، يوجد به الكثير من المخاطر، نظراً لوجود أهداف مستترة لدى هذه الشركات في السيطرة على السوق المحلية، عبر عمليات استحواذ على عشرات الشركات والمواقع العاملة في قطاع التجزئة، والسيطرة على السوق عبر إغراقها بالسلع، والتحكم في التسعير. التركيبة الثقافية والاستهلاكية لدول الخليج قال الرئيس التنفيذي لمجموعة «باريس غاليري»، محمد عبدالرحيم الفهيم: «صحيح أن دخول شركات عملاقة بحجم (أمازون) إلى أسواق التجزئة المحلية، ستكون له تأثيرات كبرى على المدى البعيد، إلا أن هذه الشركات العالمية الآن ينقصها الكثير من المعرفة والخبرة في التركيبة الثقافية والاستهلاكية لسكان دول المنطقة، لاسيما دول مجلس التعاون الخليجي، الذين يعتبرون مراكز التسوق جزءاً من النسيج الاجتماعي، فهي ليست مجرد أماكن لشراء العطور والأزياء، بل أماكن لاجتماع الأصدقاء وأفراد العائلة وعقد الاجتماعات، وهي أيضاً وجهات سياحية مفضلة ومعالم جمالية تشكل جزءاً أصيلاً من تجربة الزوار، ولا يمكن لمنصات التجارة الإلكترونية أن تنافس في هذه الجوانب». وشدد على أن ما سبق لا يعني ركون تجار التجزئة إلى عناصر القوة التي لديهم، وعدم اتخاذ ما يلزم من أجل تحقيق توازن حقيقي، أمام القوة القادمة من الشرق والغرب معاً. |
وشددوا على أن ظاهرة الاحتكار التجاري ستشكل خطراً على الأسواق المحلية والدولية، وأنه لابد من «التحوط» عبر تحديث البنية التشريعية لضبط أداء هذه الشركات في أسواقنا، وألا تتم معاملتها كشركات عادية في ظل تعاظم أرباحها من أسواقنا، فضلاً عن الاستعداد لمواجهة تلك الشركات، عبر دعم وتنمية سياسات الابتكار والاقتصاد المعرفي في المؤسسات المحلية لزيادة تنافسيتها، والاستعانة بضوابط المنافسة ومنع الاحتكار، التي تنص عليها قوانين الدولة، لمواجهة أي تجاوزات في ذلك الإطار من تلك الشركات.
ولفتوا إلى أن ظهور تلك الشركات وتوسعها، يعدان من متغيرات الأسواق الحرة على المستوى العالمي، والتي من الصعب منعها، لكن من الضروري الاستعداد لها وتجنب سلبياتها، مؤكدين أن أبرز القطاعات المرشحة للتأثر من توسع تلك الشركات هي قطاعات تجارة الإلكترونيات التقليدية والملابس الجاهزة، إضافة إلى تأثر أنشطة مراكز التسوق عموماً.
تهديد القطاعات
وتفصيلاً، قال الخبير الاقتصادي والمدير العام لـ«شركة تروث للاستشارات الاقتصادية»، رضا مسلّم، إنه «على الرغم من توسع وهيمنة شركات التجارة العالمية في قطاعات مختلفة عالمياً، وفقاً لمتغيرات الأسواق التي تتبع سياسات التنافسية الحرة، فإن زيادة توسع ونمو تلك الشركات قد يهدد عدداً من القطاعات الاقتصادية، من أبرزها تجارة التجزئة، خصوصاً الملابس والإلكترونيات ومنتجات البقالة»، لافتاً إلى أن تجربة شركة «أمازون» في الأسواق الأميركية وتأثيرها سلباً في قطاعات مشابهة، قد يعد أحد الأمثلة البارزة في ذلك القطاع، ومن المهم أخذها في الحسبان، خلال الفترة المقبلة.
مواجهة التأثيرات
وأضاف مسلّم أن وسائل الاستعداد والضوابط لمواجهة التأثيرات السلبية لتلك الشركات، تتمثل في محورين أساسيين: الأول: زيادة تعزيز مفاهيم الابتكار والتطور، والاعتماد على معايير الاقتصاد المعرفي في المؤسسات المحلية، لدعم تنافسيتها في مختلف القطاعات، للاستعداد لمواجهة أي تنافسية في ذلك القطاع، وهو ما يواكب التوجهات والسياسات التي تدعو لها حكومة الدولة منذ فترة طويلة، بضرورة دعم الابتكار والتوجه إلى التقنية الحديثة، وزيادة الاعتماد على الاقتصاد المعرفي بشكل أكبر، ما جعل الدولة تتصدر المنطقة في تبني تلك السياسات، عبر استراتيجيات وخطط عملها طويلة الأجل.
ولفت إلى أن نمو التقنيات الحديثة وتوسع استخدامها، يعدان إحدى الوسائل المساعدة لتلك الشركات العالمية، مشيراً إلى أن التوجه عالمياً للاستعانة بتقنيات «الواقع الافتراضي» و«الواقع المعزز» في التجارة الإلكترونية، دعم توجه عدد كبير من المستهلكين لاستخدامها بشكل أكبر في قطاعات مثل الملابس، مع الاستعانة بتلك التقنيات في توفير منتجات أكثر ملاءمة في المقاسات، وأرخص سعراً للمستهلكين.
وأكد مسلم أن المحور الثاني يتمثل في أن اتباع سياسات الأسواق المفتوحة والمرنة لا يتعارض مع استخدام القوانين التي تنص عليها الدولة، لتعزيز المنافسة ومنع الاحتكار، كضوابط يتم الاستناد إليها عند أي تجاوزات في ممارسات تلك الشركات في القطاعات الاقتصادية المختلفة، وإن كانت تلك الشركات تعمل في أسواق الدول وفقاً لقوانين كل دولة، ووفق سياسات مرنة تمكنها من الاستمرار.
ضوابط المنافسة
من جهته، قال خبير الاقتصاد الرقمي وتكنولوجيا المعلومات، الدكتور معتز كوكش، إن توسع هيمنة شركات التجارة الإلكترونية العالمية الضخمة، مثل «أمازون»، قد تكون له تأثيرات سلبية في بعض القطاعات الاقتصادية، خصوصاً تجارة التجزئة التقليدية، مشدداً على أهمية الاستعداد لتلك التأثيرات عبر زيادة تنافسية المؤسسات المحلية في مختلف القطاعات، وزيادة أنماط الابتكار ومواكبة أحدث النظم العالمية. وأضاف أن انتشار سياسات التجارة الإلكترونية أصبح مساراً عالمياً، يفرض انتشاره في مختلف الأسواق ومن الصعب تجاهله، لكن من المهم الاستفادة من إيجابياته، وتجنب سلبياته عبر تنمية تنافسية قدرات الشركات المحلية.
واعتبر أن ضوابط تنظيم المنافسة، التي تعتمدها الدولة كفيلة بالحد من أي تجاوزات لتلك الشركات، مشيراً إلى أن أبرز القطاعات سريعة التأثر بهيمنة شركات التجارة الإلكترونية، هي منافذ تجارة التجزئة في الإلكترونيات والملابس، والسلع الاستهلاكية والمنزلية خصوصاً.
أطماع استحواذية
إلى ذلك، قال الرئيس التنفيذي لمجموعة «باريس غاليري»، محمد عبدالرحيم الفهيم، إن التطور يعني الحياة والحركة، والسكون يعني الموت والاندثار، وهذا قانون طبيعي ينطبق على قطاع تجارة التجزئة الذي يعد من أسرع النشاطات الاقتصادية نمواً عبر التاريخ البشري، لافتاً إلى أنه على الشركات أن تواكب التطور مع مراقبتها للسوق بشكل جيد.
وأكد الفهيم أن وجود هذا الكم الكبير من التحذيرات من خطر شركات التجارة الإلكترونية الدولية، يضع على العاملين في القطاع تحديات كبيرة، لمواجهة الأطماع الاستحواذية على القطاع في كل الدول التي تدخلها. وأوضح أن هذه الشركات تنفذ - منذ سنوات - خططاً توسعية عابرة للقارات، مستحوذة على جميع اللاعبين الأصغر حجماً في القارات الخمس، ومؤسسة بذلك لعصر جديد من تجارة التجزئة الرقمية، بقيادة «أمازون» الأميركية و«علي بابا» الصينية، مشدداً على أن ظاهرة الاحتكار التجاري ستشكل خطراً على الأسواق المحلية والدولية.
ولفت إلى أن الأمر لابد أن يتعدى مجرد التحذير، لافتاً إلى أن «باريس غاليري» دعت، منذ عقد مضى، اللاعبين المحليين والإقليميين إلى ضرورة تبني خطط عمل واستراتيجيات، تمنح القطاع تفوقاً على المديين المتوسط والبعيد، من خلال توظيف التجارة الإلكترونية الحديثة التي تشمل التسويق، والمبيعات، والعمليات الرقمية المرتبطة. وتابع: «كنا نتوقع دخول لاعبين دوليين بحجم (أمازون) إلى أسواقنا المحلية، التي تعد من أكثر الأسواق الإقليمية والدولية حيوية ونمواً خلال الـ20 عاماً الماضية، فضلاً عن المكانة الاقتصادية المرموقة لدولة الإمارات التي تتفوق يومياً في نهضتها الاقتصادية والعمرانية، وتنافس بمعدلات نموها دولاً متقدمة كثيرة».
وشدد الفهيم على أهمية مواجهة هذه الشركات، التي تريد أن تمارس احتكاراً في أسواقنا، داعياً إلى تبني الابتكار وتحفيز روح الإبداع في البنية الإدارية، واستشراف الآثار المترتبة على دخول مثل هذه الشركات إلى السوق، مع مراعاة تحديث التشريعات المتعلقة بوجود هذه الشركات في السوق المحلية، فلا يعقل أن تتم معاملتها كشركات عادية، في ظل تعاظم أرباحها من أسواقنا.
أهمية التحوط
في السياق نفسه، قال المستشار القانوني العام لـ«مجموعة ماجد الفطيم»، فادي حمادة، إن هناك تأثيرات كبيرة في قطاع التجزئة بالمنطقة ودولة الإمارات، بالتزامن مع دخول شركات عملاقة مثل «أمازون» إلى أسواق المنطقة، وهو ما يجب أن يتم التحوط له من قبل القائمين على قطاع التجزئة، من إمكانية توغل هذه الشركات في الاقتصاد المحلي، فضلاً عن ضرورة تحديث البنية التشريعية لضبط أداء هذه الشركات في أسواقنا.
وأكد حمادة أن الانفتاح الاقتصادي في دولة الإمارات لا يمنع دخول هذه الشركات إلى السوق، إلا أنه لابد أن تكون هناك يقظة في التعامل معها، تمنع إمكانية توغلها زيادة في المستقبل، من خلال ضبط البنية التشريعية، فضلاً عن مواكبة الشركات المحلية لعمليات التوسع في قطاع البيع عبر الإنترنت، وابتكار الطرق التي تجذب المتعاملين.
وشدد على أهمية وضع ضوابط حتى لا تكون هناك أي ممارسات تؤثر في سوق التجزئة في الدولة بالسلب في الفترة المقبلة، لاسيما مع تزايد أهمية القطاع.
منصة «نون»
إلى ذلك، قال نائب الرئيس الدولي للشؤون الاستراتيجية في شركة «كابيلاري تكنولوجيز»، سونيل سوريش، إن دخول شركات عملاقة، مثل «أمازون»، إلى أسواقنا المحلية سيدفع شركات التجزئة التقليدية إلى تطوير قدراتها في مجال التجارة الإلكترونية للدفاع عن حصصها في السوق من هذه التجارة، نظراً للقلق من إمكانية سيطرة هذه الشركات العملاقة على تجارة التجزئة في هذه المنطقة.
وأكد أن دخول شركات منافسة ذات طابع محلي مثل منصة «نون»، يعتبر من الأمور الإيجابية جداً بالنسبة لقطاع التجارة الإلكترونية في دولة الإمارات، ونتوقع أن يؤدي ذلك إلى تسريع وتيرة نمو التجارة الإلكترونية ليصل إلى أكثر من الضعف خلال بضع سنوات، لاسيما مع وجود مثل هذه المنصات القريبة من المستهلك المحلي.
خطوة نحو السيطرة
من جانبه، لفت الرئيس التنفيذي لشركة «كابسيتا»، المتخصصة في حلول تجارة الأزياء الإلكترونية، كامل شعبان، إلى أن استحواذ «أمازون» على موقع «سوق دوت كوم» بـ700 مليون دولار أثبت نمو السوق الإلكترونية، وأهميتها المستقبلية. وأشار إلى أن أهم أسباب الاستحواذ كان بيانات العدد الضخم من المستخدمين الإلكترونيين والموردين لدى «سوق دوت كوم»، فضلاً عن إدارة النقل والتخزين لدى الشركة، بهدف بسط السيطرة على السوق المحلية.
وأشار إلى أن «أمازون»، ومن خلال هذه السياسات الاستحواذية، تطمح للبقاء على القمة في أي منطقة تعمل بها، لكن في السوق الإماراتية هناك شركات قوية تحاول أن توازن هذه الكفة، إذ تم إطلاق عدد من المواقع التى تستطيع منافستها مثل «نون»، وغيره من المواقع. وأكد أن وجود «أمازون» في دولة الإمارات سيفتح باب المنافسة على مصراعيه، في وقت ستبيع فيه الشركات الأميركية والموردون المنتجات للمنطقة، لتشكل منافسة شرسة للشركات المحلية، نظراً لأنه سيتم شحن أي منتج من الولايات المتحدة مجاناً، إذا كان سعر المنتح أكثر من 100 درهم، وقد تم تطبيق هذه السياسة حالياً.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news