خبراء: الاستثمارات والتكنـولوجيا عاملان مؤثران في رسم ملامح مسـتقبل النفط
قال خبراء نفط إن الاستثمارات، التي ترصدها الدول في مجال الطاقة، فضلاً عن الوسائل التكنولوجية المتوافرة، ستلعب الدور الأبرز في المصادر المتاحة للعقود المقبلة، متوقعين أن يمثل النفط التقليدي النسبة العظمى من سلة الطاقة في الأسواق العالمية، مع تنامي المصادر الأخرى تدريجياً في المستقبل.
وأوضح الخبراء، لـ«الإمارات اليوم»، أنه من المرجح أن تتراجع حصة النفط التقليدي مقابل مصادر الطاقة المتجددة مستقبلاً، إلا أن النسب ستحددها عوامل الكلفة، بما في ذلك تكاليف تبني التكنولوجيا، لافتين في الوقت نفسه إلى فرضية انتقال النفط الصخري، الذي أصبح يلعب دوراً متنامياً في متغيرات الطلب والأسعار، من الولايات المتحدة إلى دول أخرى مستقبلاً، وتأثيره في المصادر الأخرى.
وذكروا أن مستويات الإنتاج ستزداد مع مرور الوقت، خصوصاً في مجال الطاقة الشمسية والرياح، إلى جانب المحطات النووية، في ظل الاستثمارات الكبيرة المرصودة لها.
تحديان
وتفصيلاً، قال خبير النفط الكويتي، كامل الحرمي، إن «التوقعات والمؤشرات المتاحة، حالياً، تشير إلى أن أسعار النفط لن تتخطى حاجز الـ70 دولاراً للبرميل، خلال العام الجاري»، لافتاً إلى أن «المؤشرات على المدى المتوسط ليست واضحة».
وبين الحرمي أنه «على المدى البعيد، هناك تحديان أمام قطاع النفط التقليدي، الأول يتمثل في مستويات إنتاج النفط الصخري، وفرضية انتقال هذا الإنتاج إلى دول أخرى مستقبلاً، بينما التحدي الثاني يركز على التطورات الجيوسياسية التي تشهد تغيرات متلاحقة في أسواق الإنتاج».
وذكر أن «النفط الصخري سيستمر في الضغط على الأسعار في الفترة المقبلة، وقد يكون بوتيرة أكبر مع الاكتفاء الذاتي للولايات المتحدة، وفي ظل الاستثمارات الضخمة المعلنة في هذا القطاع»، مشيراً إلى أن «التطورات المستقبلية في قطاع النفط مرتبطة، أيضاً، بدور أكبر في إنتاج الطاقة المتجددة وزيادة حجم الإنتاج، لتستحوذ في سنوات لاحقة على حصص أكبر من موارد الطاقة».
العوائد
وأوضح الحرمي أن «العوائد على الاستثمارات في قطاع النفط، ستلعب أيضاً دوراً في اتجاه الطلب المستقبلي، والأسعار المحتملة المرتبطة بالطلب والعرض»، مضيفاً أنه «خلال السنوات الخمس المقبلة، على الأقل، لا نتوقع أن تحدث تغييرات كبيرة في القطاع».
وأفاد بأن «الأسواق قد تجد نفسها بحاجة إلى ضغط المصروفات، للحصول على عوائد أفضل، بصرف النظر عن المصدر الأساسي»، لافتاً إلى أن «الاستثمارات في قطاع النفط، واتجاهاتها، ستلعب دوراً مهماً في مستويات الإنتاج، بما في ذلك الأسعار للسنوات المقبلة».
تغيرات
من جهته، قال الخبير الدولي في قطاع الطاقة، عصام الجلبي، إنه «على المدى الطويل من الصعب التنبؤ بالتطورات في قطاع النفط والطاقة، في ظل التغيرات المتلاحقة بمختلف أنواعها الجيوسياسية، إلى جانب عوامل العرض والطلب». لكنه بين أنه «خلال المرحلة الراهنة، وصلت أسعار النفط إلى نحو 70 دولاراً للبرميل، أخيراً، بزيادة لم تتحقق منذ فترة في ظل التوترات في فنزويلا وإيران، والضغوط على حجم الإنتاج».
وأضاف الجلبي: «يبدو أن هناك التزاماً بمستويات العرض في السوق من قبل بعض الدول، وهذا ما أسهم في رفع الأسعار».
النفط الصخري
وأكد الجلبي أن «النفط الصخري أصبح يلعب دوراً ملحوظاً في متغيرات الطلب والأسعار»، قائلاً: «هذا عامل لم نكن ننتبه إليه بشكل دقيق، بل ظهر فجأة على الرغم من أن أميركا قد بدأت بالاستثمار فيه منذ سنوات ليست قصيرة، حيث ارتفع حجم الإنتاج إلى معدلات كبيرة في السوق الأميركية».
وذكر أن «النفط الصخري أصبح أحد العوامل المحركة في قطاع النفط خلال فترة قصيرة، فيما التوقعات المستقبلية للقطاع قد تشمل متغيرات أخرى لم نأخذها بالحسبان، بما في ذلك تراجع كلفة إنتاج النفط الصخري بمستويات أكبر، مقارنة بالمعدلات الحالية»، مشيراً إلى أنه «حتى عندما تراجعت أسعار النفط إلى مستوى 30 دولاراً للبرميل، كانت الولايات المتحدة مستمرة في إنتاج النفط الصخري».
وأفاد الجلبي بأن «التراجع في كلفة النفط الصخري احتمالية قائمة»، مبيناً أنه «في حال انتقال إنتاج النفط الصخري إلى دول أخرى مثل الصين وروسيا، وغيرهما من البلدان، نتوقع أن تكون كلف الإنتاج مرتفعة في الفترة الأولى، وقد تفضل بعض الدول الاستمرار في النفط الأحفوري، مقابل كلفته المنخفضة في السنوات الأولى».
الطاقة المتجددة
وأوضح الجلبي أن «الطاقة المتجددة ستأخذ زحماً، خلال السنوات المقبلة، لكنها لن تأخذ حصة كبيرة من السلة مقارنة بالنفط والغاز، في حين أن استثمارات الطاقة النووية لاتزال في مراحل مبكرة في بعض الدول، وتحتاج إلى وقت أطول لمعرفة مدى اعتماد دول أخرى على هذه الطاقة».
وتابع: «في الوقت نفسه نتوقع إنتاجاً أكبر في مجال طاقة الرياح والطاقة الشمسية، في ظل الاستثمارات الكبيرة المرصودة لها».
وذكر أنه «خلال السنوات المقبلة، وحتى عام 2050، هناك توقعات تشير إلى أن يبقى النفط يمثل النسبة العظمى من سلة الطاقة في الأسواق العالمية، مع تنامي حصص القطاعات الأخرى».
وأوضح الجلبي أن «الأمر مرهون بالتطورات التكنولوجية، وفي أي اتجاه يتم ضخ الاستثمارات»، مضيفاً أن «الكفة الراجحة ستكون للمصادر التي تصل المستهلك بأسعار معقولة، وتحقق عوائد جيدة للمنتج».
دور حاسم
بدوره، قال الخبير النفطي، حجاج بوخضور، إن «بعض الدول استثمرت في الطاقة المتجددة، منذ بداية سبعينات القرن الماضي، عندما كان سعر برميل النفط يراوح بين ثلاثة وأربعة دولارات للبرميل»، لافتاً إلى أن «حصص هذه الطاقة لاتزال قليلة، لكن مع ارتفاع حجم الاستثمارات، والسعي لإيجاد بدائل، من المتوقع أن تزداد نسبتها مستقبلاً».
وتوقع بوخضور أن «يكون للتكنولوجيا دور حاسم في رسم ملاح مستقبل الطاقة، خلال العقود المقبلة»، مضيفاً في الوقت نفسه: «لكن كلفة التكنولوجيا حتى إن كانت فعالة لابد أن تكون متدنية، حيث إنه لا يمكن تبني الأساليب التكنولوجية، في إيجاد بدائل للنفط إذا كانت كلفتها مرتفعة».
معدلات الاستهلاك
وبين بوخضور أنه «مع ازدياد معدلات استهلاك النفط التقليدي في الاقتصادات الكبرى في العالم قبل عقود، وارتفاع مستوى الأسعار، تسارعت الاستثمارات في هذا القطاع ، وتعتمد عليه اليوم المئات من المنتجات التي نستخدمها يومياً»، مشيراً إلى أن «فكرة الاستغناء عن النفط الأحفوري، وتراجع دوره بشكل كبير للغاية، خلال السنوات المقبلة، غير واردين بهذا الزخم الكبير».
وأضاف: «من المتوقع أن تتراجع حصة النفط مقابل مصادر الطاقة المتجددة مستقبلاً، إلا أن النسب ستحددها طبيعة الاستثمارات والأموال التي تضخ في مصادر الطاقة الأخرى، والوسائل المتاحة لدى الدول لإنتاجها»، مشيراً إلى أن «إيجاد بدائل عن النفط، الذي لا يعتبر مصدراً للطاقة فقط بل مادة أولية، ستصاحبها تحديات كبيرة في الصناعات المرتبطة بها».
وأوضح بوخضور أن «تكاليف الإنتاج، هي التي ستحدد ما لو كنا سنقلص الاعتماد على النفط أم لا، بما في ذلك وتيرة الإنتاج ومستويات الطلب»، لافتاً إلى أن «دول المنطقة تمتلك احتياطات كبيرة للنفط الصخري، وبالنسبة لها فإن الأمر لا يتعلق بتكاليف إنتاجها، بل بالأضرار البيئية لها».
وقال إنه «بالتأكيد مع تقلص كميات النفط التقليدي، في المستقبل البعيد، سنعتمد على مصادر أخرى، إذ إن الكثير من الدول، بما فيها دول المنطقة التي تمتلك احتياطات ضخمة من النفط الأحفوري، توجهت إلى الطاقة البديلة مثل الطاقة الشمسية والنووية».
المستهلك النهائي
وفي السياق ذاته، قال الخبير النفطي، علي راشد الجروان، إن «التكنولوجيا وتوافر الأساليب الحديثة لا ترتبط بعملية إنتاج الطاقة فقط، بل بنقلها وتوصيلها إلى المستهلك النهائي»، مشيراً إلى أن «هناك شروطاً عدة، يجب تحقيقها في إطار تقليل الاعتماد على النفط التقليدي».
وأضاف أن «المؤشرات الحالية تدل على أن النفط لن يكون المصدر الأبرز بشكل دائم، لكن الإطار الزمني لحدوث ذلك يعتمد على مدى استعداد الدول والاقتصادات الناشئة لإيجاد بدائل واقعية».
وذكر الجروان أن «تراجع كلفة الطاقة البديلة، وتوافرها، بما يتماشى مع مستويات الطلب العالمية، سيقلصان الاعتماد على النفط مستقبلاً وبشكل تدريجي، بما في ذلك النفط الصخري»، لافتاً إلى أنه «في المقابل قد تدخل دول أخرى في مجال إنتاج النفط الصخري، في حال تراجعت أسعار كلفته، ولم تكن هناك بدائل كافية».
وأفاد بأن «النفط التقليدي قد يجد نفسه أمام منافسة سعرية، من مصادر الطاقة الأخرى، في مرحلة ما»، مشيراً إلى «تراجع معدلات الاستثمار لدى كبرى الشركات العالمية، في مجال النفط لصالح مصادر الطاقة النظيفة، وهذا قد يوثر في مستوى الطلب والأسعار مستقبلاً».
ضغوط بيئية
قال الخبير النفطي، علي راشد الجروان، إن «المستقبل سيكون للطاقة النظيفة أو البديلة، التي من المتوقع أن يرتفع الطلب عليها مستقبلاً، جراء الضغوط البيئية، بما في ذلك التشريعات التي قد تسن من قبل الدول، لتقليل انبعاثات الكربون».
أسعار تنافسية
قال الخبير النفطي، علي راشد الجروان، إنه «من المتوقع أن نشهد تطورات متلاحقة في قطاع الطاقة، خلال السنوات المقبلة، لكن الكفة الراجحة ستبقى لمصادر الطاقة، التي تصل المستهلكين بأسعار تنافسية». وأضاف الجروان أن «الكلفة عامل بارز، في الأبحاث التي تجريها الشركات بخصوص مصادر الطاقة المستقبلية».
النفط الصخري أصبح أحد العوامل المحركة في قطاع النفط.
بعض الدول استثمرت في الطاقة المتجددة، منذ بداية السبعينات من القرن الماضي.
النفط التقليدي قد يجد نفسه أمام منافسة سعرية من مصادر الطاقة الأخرى.
أميركا استمرت في إنتاج النفط الصخري، حتى عندما تراجعت أسعار النفط إلى مستوى 30 دولاراً للبرميل.
70
دولاراً للبرميل، السعر المتوقع للنفط خلال 2019.