أزمة سلاسل التوريد تهدّد باستمرار تراجع العولمة
لا شيء يجسّد وعد العولمة أكثر من نجاح منظومة سلاسل التوريد في العالم، فتكامل الإنتاج عبر الحدود وداخلها أتاح للمستهلكين تنوعاً لا نهائياً من البضائع والمنتجات مع وصولها في زمن قياسي. لكن الأزمة الحالية التي تمر بها سلاسل التوريد تهدد باستمرار تراجع العولمة، مثلما فعلت الأزمة المالية العالمية في عام 2008.
وأوضحت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، أن هناك ثلاث قوى كبيرة تقود هذه الأزمة، هي: جائحة «كورونا»، وتغيّر المناخ، والجغرافيا السياسية، مشيرة إلى أن تلك القوى لعبت دوراً في أزمة نقص أشباه الموصلات التي أدت إلى شل إنتاج السيارات في جميع أنحاء العالم.
الرقائق
وأضافت الصحيفة أن الطلب على الإلكترونيات الاستهلاكية الناجم عن الجائحة، تسبب في تحويل الرقائق من شركات صناعة السيارات إلى إنتاج الحواسب، كما أدت تدابير مكافحة «كورونا» إلى توقف إنتاج الرقائق في ماليزيا، بينما عطل الطقس القاسي مصانع الرقائق في ولاية تكساس الأميركية، وهدد بفعل الشيء نفسه في تايوان.
ولفتت الصحيفة إلى أنه، وفقاً لمعهد «بيترسون» للاقتصاد الدولي، فإن الرسوم الجمركية وحظر الصادرات الأميركية تسبّبا في تراجع مخزونات الرقائق في الولايات المتحدة.
أزمة الطاقة
وبينت «وول ستريت جورنال»، أن كل تلك القوى أسهمت معاً في أزمة الطاقة في الصين وبريطانيا، التي أدى انفصالها عن الاتحاد الأوروبي (بريكست)، وتفشي فيروس «كورونا» إلى تراجع عدد سائقي الشاحنات المتاحين لتوصيل الوقود، فيما أدت الرياح غير الكافية لتوليد الطاقة، إلى خفض إنتاج الطاقة المتجددة في وقت تراجعت فيه احتياطيات الغاز الطبيعي.
وتابعت أن الاقتصاد الصيني تعثر أيضاً بسبب عمليات الإغلاق عقب انتشار «كورونا»، ونقص الفحم بسبب حظر عقابي على الواردات من أستراليا، لمطالبتها بالتحقيق في تفشي «كورونا».
المورّدون البعيدون
وأشارت الصحيفة الأميركية إلى أن أزمة سلسلة التوريد أصبحت ممكنة بسبب مدى تكامل وكفاءة الإنتاج العالمي، موضحة أن الشركات العالمية تبنت فكرة الاستعانة بمصادر التوريد الخارجية، وإدارة المخزون في الوقت المناسب، والفصل بين موقع التصميم ومكان الإنتاج، ما أدى إلى ارتفاع حصة التجارة العالمية التي تمثلها سلاسل القيمة العالمية من 37% في عام 1970 إلى 52% في عام 2008، وفقاً للبنك الدولي.
وأضافت أنه حالياً، هناك الكثير من الشركات والحكومات، انتبهت إلى مخاطر الاعتماد على الموردين البعيدين وتراجع القدرة على امتصاص الصدمات التي تحدث في الروابط الحيوية، من الشحن البحري إلى نقل الكهرباء، مبينة «لأن فيروس (كورونا) هو أكبر صدمة لهذا النظام، فقد توقف الإنتاج وأُغلقت الحدود وتراجعت القوى العاملة».
المخاطر المناخية
كما لفتت الصحيفة إلى تزايد المخاطر المناخية، بسبب الطقس السيئ والتحول إلى الطاقة المتجددة، التي تفتقر إلى القدرة نفسها للوقود الأحفوري على التخزين، موضحة أنه على الرغم من أن سعر النفط يمكن أن يرتفع، لكن العرض لا يختفي أبداً تقريباً بفضل «أوبك» والمخزونات الخاصة واحتياطيات الطوارئ التي تحتفظ بها الحكومات، فضلاً عن أن الغاز الطبيعي أقل قدرة على الحركة من النفط، إلا أنه لايزال من الممكن تخزينه وتصديره بشكل سائل.
وبينت أنه على النقيض من ذلك، يتم استهلاك الطاقة الشمسية وطاقة الرياح بشكل عام عند توليدها، ويمكن أن تختفي تماماً في حالة غياب الرياح أو الشمس.
مرونة
قال مدير الأبحاث في شركة «كلير فيو إنيرجي بارتنر»، كيفن بوك: «مثلما دفعت الأزمة المالية عام 2008، البنوك إلى إعطاء الأولوية للمرونة على الكفاءة، فإنه من المرجّح أن تؤدي أزمة سلسلة التوريد إلى زيادة مرونة شبكات الإنتاج في مواجهة المفاجآت، لكنها أقل قدرة على إسعاد المستهلكين بمزيد من الخيارات وبكلفة أقل من أي وقت مضى».