الموت يغيّب وزير المواصلات الأسبق ورجل الأعمال محمد سعيد الملا
محمد بن راشد: الملا ساهم مع جيله في بناء دولة الاتحاد
غيّب الموت، أمس، رجل الأعمال والوزير الإماراتي السابق، مؤسس «مجموعة الملا»، محمد سعيد راشد الملا، وذلك بعد مسيرة حافلة من العطاء والتفاني في خدمة الوطن، في مجالي العمل الحكومي والخاص، تاركاً من بعده بصمة لن تُنسى في قطاع الأعمال بالدولة. وتبوأ الراحل منصب أول رئيس لمجلس إدارة غرفة تجارة وصناعة دبي، ووزارة المواصلات، كما شارك بدور بارز كأحد مؤسسي أول مصرف وطني مع عدد من رجال أعمال دبي البارزين، ليترك وراءه ذكرى طيبة وإنجازات ملموسة تضعه في مكانة كبيرة بين بناة الإمارات الأوائل الذين خدموا بلدهم بكل صدق ووفاء.
بصمة اقتصادية
وقال صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، في تغريدة لسموه على «تويتر»، أمس: «حط اليوم الأخ محمد سعيد الملا رحاله عند ربه.. رحمه الله رحمة واسعة، وأسكنه فسيح جناته، وألهم أهله الصبر والسلوان.. ساهم محمد الملا مع جيله في بناء دولة الاتحاد.. وخدم أبناء وطنه في جميع مناصبه.. ووضع بصمته في مسيرة بلده الاقتصادية.. له منا الدعاء، ومن ربه الرحمة والمغفرة».
نموذج وطني
من جانبه، قال سمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم، ولي عهد دبي رئيس المجلس التنفيذي، في تغريدة على «تويتر»: «رحم الله محمد سعيد الملا.. كان نموذجاً وطنياً من رجال الإمارات الأوائل، واكب قيام الاتحاد وخدم وطنه بإخلاص، ترك بصمته في قطاع المال والأعمال وكان أحد رجال الاقتصاد المؤثرين في دبي».
مثال للوطنية
وقال سمو الشيخ مكتوم بن محمد بن راشد آل مكتوم، نائب حاكم دبي نائب رئيس مجلس الوزراء وزير المالية، عبر حسابه على موقع «تويتر»، أمس: «فقدت الإمارات ودبي اليوم محمد سعيد الملا، الذي كان مثالاً للوطنية والإخلاص.. قدّم إسهامات كبيرة في العمل الحكومي، وحقق إنجازات عديدة في المجال الاقتصادي وقطاع الأعمال. نسأل الله أن يتغمد الفقيد بواسع رحمته».
البداية
ولد الراحل محمد سعيد الملا في مدينة دبي، إذ بدأ حياته العملية في تجارة الذهب مع الهند، على عادة الكثير من أبناء الخليج العربي في حقب الثلاثينات والأربعينات والخمسينات من القرن الماضي.
لكنه، سرعان ما دخل قطاع المقاولات، وعمل في قطاع البناء والتشييد والإنشاءات من خلال شركة أنشأها في أبوظبي منتصف ستينات القرن الـ20، معاصراً بدايات توجه الإمارة نحو الاستثمار في مشروعات الإعمار والتنمية تحت قيادة المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيّب الله ثراه، ليذيع صيته بين المقاولين بفضل جهوده وإتقان العاملين معه لجهة تنفيذ المشروعات الموكلة إليهم بدقة وجودة عالية، لتسند إلى شركته مهمة إنشاء أول قصر للمغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، في مدينة العين.
مناصب
وشغل محمد سعيد الملا، منصب وزير الدولة لشؤون الاتحاد والخليج، كما أسندت له حقيبة وزارة الكهرباء بالوكالة، إلى أن عين وزيراً للمواصلات في عام 1977.
ويُعد الملا من بين رجالات الإمارات الأوائل الذين عاصروا تأسيس دولة الإمارات، حيث برز اسمه بين اللجنة التأسيسية لإعداد مشروع الدستور الدائم للدولة.
تحولات
وشهد الملا كل التحولات التاريخية في الدولة منذ قيام الاتحاد بقيادة المغفور لهما الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، والشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، طيب الله ثراهما، في عام 1971. كما كان شاهداً على التحولات الباعثة على الدهشة في دبي، والتي حولتها إلى بلد يعانق السماء ومكاناً يجذب أنظار وأفئدة العالم. أول مصرف وطني
وفي دبي، وتحديداً خلال عام 1963، كان للملا دور في تأسيس أول مصرف وطني بالمشاركة مع عدد من تجار الإمارة البارزين آنذاك، فظهر بنك دبي الوطني الذي لم يكن قد سبقه لجهة العمل المصرفي بدبي سوى فرع للبنك البريطاني، الذي كان بدأ نشاطه عام 1946.
وعن ظروف تأسيس هذا الكيان المصرفي، قال ناصر بن عبداللطيف السركال (حسبما كتبه الدكتور محمد فارس الفارس في صحيفة الخليج بتاريخ 30 /10/2014): «في عام 1963 زارني علي بن عبدالله العويس بصحبة محمد سعيد الملا، وأخبراني أنهما قررا إنشاء بنك وطني في دبي برأسمال قدره مليون جنيه إسترليني، أي ما يساوي 14 مليوناً و500 ألف روبية، وطلبا مني الانضمام إليهما والمساهمة في المشروع، وكذلك السعي لإقناع التجار المحليين للمساهمة فيه، وتمكنت من إقناع عدد من التجار المعروفين للمساهمة معنا، وبذلك تأسس بنك دبي الوطني المحدود بمرسوم من المغفور له الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، طيب الله ثراه، وعين مجلس الإدارة برئاسة علي عبدالله العويس وعضوية ناصر بن عبداللطيف السركال ومحمد سعيد الملا ومحمد مهدي التاجر ويوسف حبيب الحبيب ومير هاشم خوري وسلطان علي العويس. وانتخب ناصر بن عبداللطيف نائباً للرئيس».
دور حيوي
وفي عام 1965، اختير الملا ليكون أول رئيس لمجلس إدارة غرفة تجارة وصناعة دبي، التي تأسست في تلك السنة من أجل لعب دور حيوي في تحسين مناخ الأعمال ودعم وحماية مصالح مجتمع الأعمال في الإمارة. كما يعتبر الملا أيضاً من مؤسسي «بريد دبي».
اتصالات
وتم اختيار الراحل محمد سعيد الملا، رئيساً لمجلس إدارة شركة الملاحة العربية المتحدة في عام 1976، كما برزت بصماته واضحة كأحد رجال الاقتصاد والأعمال بالدولة عند تقلده منصب وزير المواصلات في تأسيس شركة اتصالات والتي سبقت بها الدول العربية بنحو 20 عاماً في تأسيس شركة مساهمة لقطاع الاتصالات عام 1976، حيث يقول في لقاء تلفزيوني إن كل إمارة كانت لديها مؤسسة صغيرة للاتصالات تقدم خدمة الخطوط الأرضية، التي دمجت كل المؤسسات تحت اسم (إمارات تيل) ليغيرها المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، ويختار لها اسم (اتصالات)، في 30 أغسطس 1976، ويصبح الملا أول رئيس لمجلس إدارتها. شركة مساهمة
وفي فبراير من عام 1978، أصدر المغفور له الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، طيب الله ثراه، مرسوماً بالموافقة على تأسيس شركة مساهمة محدودة المسؤولية باسم «شركة محمد سعيد الملا وأولاده الخصوصية المحدودة» برأس مال قدره 500 مليون درهم، حيث جرى تقسيم رأسمال الشركة إلى 500 ألف سهم قيمة كل منها 1000 درهم. واستهدفت الشركة القيام بأعمال تملك الحصص والأسهم في الشركات الأخرى والاشتغال بالتجارة، حيث نجح هذا الكيان نجاحاً بارزاً ونما ليوسع مجالات استثماراته وأعماله تحت إدارة مؤسسه الملا وأولاده، حتى تحول ذلك الكيان إلى «مجموعة الملا القابضة».
صاحب فضل
ويعتبر محمد سعيد الملا، صاحب فضل كبير على الكثيرين ممن برزوا بعده في ميادين المال والأعمال، إذ ساعد رجال الأعمال ودعمهم مادياً ومعنوياً كي يرتقوا بأنفسهم، ليخدموا وطنهم.
وكتب رجل الأعمال الإماراتي خلف أحمد الحبتور، في كتابه «خلف الحبتور، السيرة الذاتية»، أنه بعد أن تقلب في عدد من الأعمال والمهن برواتب متواضعة، شاءت الأقدار أن يلتقي الراحل محمد سعيد الملا، الذي كان آنذاك رجل أعمال بارزاً في دبي وصديقاً لوالده وأخيه الأكبر محمد، وكان الملا وقتها يبحث عن شخص يرعى مصالح شركة البناء التي يملكها في أبوظبي، فعمل لديه.
ويضيف الحبتور عن طبيعة عمله، قائلاً: «شجعني السيد محمد الملا كثيراً، ما عزز ثقتي بنفسي إلى حد كبير، فقد كنت أخرج من منزلي في الرابعة فجراً كل يوم وأقود السيارة إلى أبوظبي، عابراً الطرقات الوعرة الممتلئة بالحفر، وأعود في السادسة مساء تقريباً، متلهفاً لمعانقة السرير».
ويتابع الحبتور: «العمل كان بحد ذاته مرهقاً جداً، فقد عملت ممثلاً لشركة الملا في أبوظبي لكن مهما كانت صفتي الرسمية في الشركة، كان عليّ مساعدة الآخرين في العمل وتنفيذ كل ما يـُطلب مني (مثل قيادة الشاحنات وتفريغ البضائع ونقل العمال ودفع الأموال للمقاولين من الباطن والتأكد من صب الإسمنت في المواعيد المقررة)». كما ذكر الحبتور أن قرار الانضمام إلى شركة الملا كان من أفضل القرارات التي اتخذها في حياته، ففي السنوات الثلاث التي أمضاها في الشركة، حصل على التدريب اللازم، واكتسب خبرة جيدة، وازدادت ثقته بنفسه، وأقام علاقات مهمة، وترفع إلى منصب مدير عام فرع أبوظبي.
صداقة متينة
ويشير الحبتور إلى أن الأهم من ذلك أنه كوّن صداقة متينة وارتبط بأفضل شريك أعمال قد يتمناه المرء.
ويقول: «بكل صدق، لو لم يمنحني محمد سعيد الملا الفرصة لأظهر له مؤهلاتي لاتخذت حياتي مجرى مختلفاً تماماً».
ويضيف: «أدين له بالكثير لأنه وضعني على الطريق الصحيح ودلني على الاتجاه المناسب.. كنتُ مجرد فتى يافع حين وضع ثقته فيّ، ليودعني رجلاً بعد ثلاث سنوات».
قدوة
ومن غير المواطنين الذين أتوا على ذكر محمد سعيد الملا كصاحب أفضال عليهم، المحاسب القانوني البنغلاديشي، سجّاد حيدر، الذي قدم إلى الإمارات للمرة الأولى عام 1973 ورحب به المغفور له الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، للعمل في الإمارات، فعينه الملا محاسباً قانونياً ومستشاراً له.
وفي حديث لحيدر نشرته صحيفة الفجر الإماراتية في عام 2015، أخبرنا بأنه ينظر إلى الملا كقدوة ورائد ومعلم له الفضل الأكبر في حياته ونجاحه وبقائه في الإمارات على مدى أربعة عقود، مضيفاً أنه لا ينسى مبادرة الملا بمنحه الثقة وتسليمه جداول حسابات شركة الإمارات للاتصالات (اتصالات) في عام 1976 من أجل القيام بالتدقيق القانوني.
موعد مع مسؤولية أكبر
بعيد توحيد الإمارات السبع، وإعلان قيام دولة الإمارات العربية المتحدة، كان الملا على موعد مع مسؤولية أكبر؛ ففي أول تشكيل وزاري في الدولة الفتية برئاسة المغفور له الشيخ مكتوم بن راشد آل مكتوم، رحمه الله، عهد إليه بحقيبة وزارة الدولة لشؤون الاتحاد والخليج وحقيبة الكهرباء بالوكالة.
أما في التشكيل الوزاري الثاني في عام 1973 وكان أيضاً برئاسة المغفور له الشيخ مكتوم بن راشد آل مكتوم، فقد أسندت إلى الملا حقيبة المواصلات.
وحينما أعاد المغفور له الشيخ مكتوم تشكيل الحكومة الاتحادية للمرة الثالثة في عام 1977 أبقى على الملا وزيراً للمواصلات، وكذا فعل المغفور له الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، طيب الله ثراه، في عام 1979 حينما ترأس الحكومة الاتحادية الرابعة.
واحتفظ الملا بالحقيبة الوزارية ذاتها في التشكيل الخامس سنة 1990، ليظل الملا حاملاً لمسؤوليات حقيبة المواصلات في بلده من عام 1973 إلى عام 1997، كما ظل رئيساً لمجلس إدارة مواصلات الإمارات من عام 1981 وحتى 1997.
عضو في اللجنة التأسيسية
في الثاني من مايو عام 1975 أصدر المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، القرار رقم (2) لسنة 1975 والقاضي بتشكيل لجنة تأسيسية لإعداد مشروع الدستور الدائم للدولة. وجاءت في المادة الأولى من القرار أسماء أعضاء اللجنة التأسيسية، وكانوا 28 شخصية من شخصيات البلاد ذات المكانة الرفيعة والكفاءة المشهودة والتاريخ الوطني الناصع.
وقد كان اسم محمد سعيد الملا بين تلك الأسماء، بل جاء ترتيبه الثالث بعد الشيخ سرور بن محمد آل نهيان وأحمد خليفة السويدي.
وهكذا أسهم الملا، ليس فقط في مجال الخدمات التي احتاجتها بلاده في سنواتها المبكرة، وإنما شارك أيضاً في صياغة تشريعاتها من خلال إعداد دستور يليق بها وبطموحاتها بالاشتراك مع آخرين من مواطنيه.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news