«التأجير من الباطن».. سلوك يحتاج تنظيماً وضوابط عقارية
قال عقاريون إن «التأجير من الباطن» عملية شائعة في الأسواق العقارية حول العالم، إلا أن هذا النوع من التأجير يحمل بعض المزايا والعيوب من ناحية التنظيم، والمحافظة على العقار، واختيار نوعية المستأجرين.
وشددوا عبر «الإمارات اليوم» على ضرورة توعية المستأجرين بالتأجير من الباطن، للحفاظ على المنظر والشكل العام داخل العقار وخارجه، فضلاً عن ضرورة فرض المُلاك قواعد ولوائح لأنظمة التأجير من الباطن، لتقنين هذا النوع من التأجير.
وقدموا مجموعة مقترحات لتطوير عملية التأجير من الباطن، وأن يكون هناك إطار قانوني واضح يعزز الوعي بقوانين الإيجارات إجمالاً، والقوانين المتعلقة بالتأجير من الباطن، مع رقابة صارمة من طرف الجهات المعنية بالسوق العقارية، فضلاً عن أن يكون هناك إقرار «عدم ممانعة» من مالك العقار لمن يريد التأجير بالباطن، ضمن عقد موثق، وتقديم تصاريح خاصة بالتأجير من الباطن، وإنشاء منصات إلكترونية تسهل تسجيل ومتابعة عقود التأجير من الباطن.
وفي وقت قال فيه بعضهم إن التأجير من الباطن قضية مهمة تؤثر بشكل كبير في الهيكلين الحضري والاجتماعي لأي مدينة، فضلاً عن أن تعدد المستأجرين في العقارات يمكن أن يُضعف البنية التحتية المحلية، مثل خدمات الصيانة والأنشطة التجارية، رأى آخرون أن التأجير من الباطن فرصة كبيرة لتعظيم الفوائد الاقتصادية للعقارات، إذا ما تم تنظيمه بشكل مناسب، حيث يمكن لاستخدام التقنيات الحديثة مثل «العقود الذكية» أن تسهم في إدارة عمليات التأجير من الباطن بشكل أفضل.
عقد من الباطن
وتفصيلاً، قال مؤسس ومدير «شركة الليوان الملكي للعقارات»، محمد بوحارب: «يعد الاستئجار السكني بعقد من الباطن، عملية شائعة في مناطق محددة، إلا أن هذا النوع من التأجير له مزايا وعيوب من ناحية التنظيم، والمحافظة على العقار، واختيار نوعية المستأجرين».
وشدد بوحارب على أهمية توعية المستأجرين بالتأجير من الباطن، للحفاظ على المنظر والشكل العام خارج العقار وداخله، للإسهام في رسم مدينة حضارية، وإزالة أي مخالفات في البناء أو في مظهر العقار عموماً. كما أكد ضرورة فرض المُلاك قواعد ولوائح لأنظمة التأجير من الباطن، لتقنين هذا النوع من التأجير.
أفكار ومقترحات
من جانبه، قال المدير الإداري لـ«شركة هاربور العقارية»، مهند الوادية: «لابد من اتباع مجموعة أفكار أو مقترحات تركز على التنظيم والجودة والالتزام بالقوانين، لتطوير عملية التأجير من الباطن، وجعلها تتماشى مع الصورة الحضارية الراقية لإمارة دبي».
وأضاف: «يجب أن يكون هناك إطار قانوني واضح يعزز الوعي بقوانين الإيجارات إجمالاً، والقوانين المتعلقة بالتأجير من الباطن، وأن تعلم أطراف المعادلة العقارية من ملاك ومستأجرين، وحتى المستأجرين النهائيين، مسؤولياته وواجباته، مع رقابة صارمة من طرف الجهات المعنية (مؤسسة التنظيم العقاري)».
وتابع الوادية: «يجب تحديد معايير الجودة والالتزام بحقوق المستأجرين، وضمان حقوق الملاك»، لافتاً إلى أن ذلك محصور بالشركات التي لديها رخصة إدارة العقارات التي لديها ضمان بنكي للحفاظ على حقوق المالك، وأن يكون ذلك الضمان خمسة ملايين درهم، وأن يكون هناك إقرار (عدم ممانعة) من مالك العقار لمن يريد التأجير بالباطن، ضمن عقد موثق.
قضية مهمة
بدوره، قال الرئيس التنفيذي لـ«شركة الأندلس كورت يارد للتطوير العقاري»، صالح طباخ: «يعدّ التأجير من الباطن قضية مهمة تؤثر بشكل كبير في الهيكلين الحضري والاجتماعي لأي مدينة، فمن وجهة نظر حضرية، يمكن أن يؤدي (التأجير من الباطن) غير المنظم إلى اكتظاظ غير مرغوب فيه، وتشويه لطابع الأحياء السكنية الراقية، كما أن تعدد المستأجرين في العقارات يمكن أن يُضعف البنية التحتية المحلية، مثل خدمات الصيانة والأنشطة التجارية».
وأضاف: «أما من الناحية الاجتماعية، فإن التأجير من الباطن غير المراقب يمكن أن يضعف الترابط بين أفراد المجتمع المحلي، وأن يُعرّض السكّان لمشكلات أمنية وصحية، نتيجة لعدم معرفة الجيران ببعضهم بعضاً».
وتابع طباخ: «لرفع مستوى التأجير من الباطن، فإننا نقترح تبني مجموعة إجراءات تنظيمية صارمة، منها تقديم تصاريح خاصة بالتأجير من الباطن، تضمن التزام معايير السلامة والصحة، وتحديد عدد المستأجرين وفقاً لمساحة العقار لضمان عدم الاكتظاظ، وإنشاء منصات إلكترونية تسهل تسجيل ومتابعة عقود التأجير من الباطن، وتعزيز الوعي بين المُلّاك والمستأجرين حول القوانين المحلية والعقوبات المترتبة على المخالفات».
مساءلة قانونية
أما رئيس مجلس إدارة «شركة أون بلان العقارية»، أحمد الدولة، فقال: «يعرّض التأجير من الباطن صاحبه للمساءلة القانونية، إذ يتحمل المالك كامل المسؤولية فيما يدور في الشقة السكنية من أي مخالفات قد تحدث»، لافتاً إلى أن «التأجير من الباطن» قد يتسبب في الإزعاج وإحداث مشكلات في غنى عنها.
في السياق نفسه، قال الخبير العقاري رئيس مجلس إدارة «شركة دبليو كابيتال للوساطة العقارية»، وليد الزرعوني: «يتيح التأجير من الباطن للمستثمر تأجير العقار، ولكن ضمن شروط وأحكام، تتضمن أن يكون المالك على علم بأن المستأجر يؤجر العقار من الباطن، ويؤجر العقار حسب الاستخدام المسموح به في المنطقة، مثل التأجير لعائلات، فضلاً عن الالتزام بالعدد المسموح به، فالعقار المخصص لأربعة أفراد لا يؤجر لـ10».
وشدد الزرعوني على أن عدم الالتزام بهذه الاشتراطات يسبب مشكلات، فوجود عدد أكبر من العدد المقرر للعقار يؤثر في المبنى، وفي نظام السلامة العامة فيه، مؤكداً ضرورة أن يكون المالك على معرفة بكل ذلك، وأن يؤجر وفق العدد المسموح به، والاستخدام المسموح به في المنطقة.
كما أكد الزرعوني ضرورة أن يذكر في العقد، أن من يؤجر من الباطن، يتحمل المسؤولية القانونية كاملة.
مجموعة استراتيجيات
أما خبير التسويق العقاري علاء مسعود، فقال لـ«الإمارات اليوم»: «يجب اتباع مجموعة استراتيجيات تعزز من الشفافية والامتثال للقوانين حتى ترتقي عمليات التأجير من الباطن، وجعلها تتماشى مع الصورة الحضرية للمدينة».
وأكد مسعود أهمية تطوير أساليب إدارة هذه العمليات، ووضع تشريعات صارمة ومنظمة، مع توضيح حقوق وواجبات كل من: المؤجر، والمستأجر الأصلي، والمستأجر من الباطن.
وتابع: «يجب أن تتضمن هذه التشريعات فرض غرامات على أي مخالفات مثل التأجير غير القانوني أو دون تصريح، ما يحمي مصالح الجميع ويضمن الامتثال».
سلوك عالمي
أما رئيس مجلس إدارة «شركة الوليد الاستثمارية»، محمد المطوع، فقال: «تعاني أسواق عقارية عدة حول العالم مثل السوق البريطانية، موضوع التأجير من الباطن، إلا أن أفضل الطرق للحد من هذه الظاهرة أو السلوك في السوق العقارية هو العقد الإيجاري»، مشيراً إلى أن «العقد في حالة التأجير من الباطن لا يكون موثقاً، وعادة ما يكون الضرر على المستأجر».
وأضاف المطوع: «العديد من المستأجرين لا يهتمون للموضوع، ويبحثون عن مصلحتهم السريعة، وأرى أن التعاون بين هيئات إدارات الكهرباء والمياه، ودائرة الأراضي، والعقود الإيجارية، قد يقلل من هذا الموضوع بقوة، وبالتالي، فإن المطلوب هو التعاون في ذلك»، لافتاً إلى أنه ومن الناحية القانونية، فإن المحاكم لا تأخذ في الاعتبار العقد غير الموثق.
فوائد اقتصادية
بدورها، قالت مديرة العلاقات العامة للمبيعات في شركة «بيس هوم للتطوير العقاري»، أسماء موافقي: «يمثل التأجير من الباطن فرصة كبيرة لتعظيم الفوائد الاقتصادية للعقارات، إذا ما تم تنظيمه بشكل مناسب»، مؤكدة أن «وضع هذه العقود ضمن إطار قانوني وتنظيمي واضح يعزز من شفافية المعاملات، ويضمن حقوق جميع الأطراف المعنية».
وأضافت موافقي: «يمكن لاستخدام التقنيات الحديثة مثل (العقود الذكية) أن يلعب دوراً مهماً في ضمان تنفيذ العقود بشكل شفاف وفعّال، ما يسهم في تقليل المخاطر القانونية، وضمان التزام الأطراف بشروط الاتفاق».
ورأت موافقي أن تقديم حلول رقمية مبتكرة تسهم في إدارة عمليات التأجير من الباطن بشكل أفضل، يحسن تجربة المستخدم، ويعزز من كفاءة السوق العقارية.
التأجير من الباطن وإخلاء العقار
قال المستشار القانوني يوسف العزب، إن القانون نظم العلاقة بين مؤجري العقارات ومستأجريها في إمارة دبي، حيث نص القانون رقـم (33) لسنة 2008، على أن يكون للمؤجِّر طلب إخلاء المستأجر من العقار قبل انتهاء مدة الإجارة حصراً في حالات متعددة، كما نظم عمليات التأجير من الباطن.
وذكر العزب أن هذه الحالات تتضمن: قيام المستأجر بتأجير العقار من الباطن، أو أي جزء منه، دون الحصول على موافقة المؤجِّر الخطية على ذلك، وفي هذه الحالة يسري الإخلاء على المستأجر والمستأجر من الباطن، مع حفظ حق هذا الأخير بالرجوع على المستأجر بالتعويض.
وتابع: «لا يجوز التأجير من الباطن إلا بموافقة المؤجر الخطية، وهنا لا فرق بين أن ترد هذه الموافقة في العقد أو في ملحق لهذا العقد، فالأصل أن توجد موافقة المالك أو المؤجر الأصلي كتابةً، وبعكس ذلك يكون المستأجر الأصلي هو الذي يتحمل مخاطر ذلك بالنسبة للمستأجر من الباطن، والمخاطر بالتأكيد هي فعل الإخلاء مثلاً، أو أي ظرف يطرأ على العلاقة، غير مقبول بالنسبة للمستأجر من الباطن».
وأضاف: «هناك العديد من المؤجرين أو مالكي العقارات يعلمون أن المستأجر الأصلي يقوم بالتأجير من الباطن، ولديهم علم بهذا الشيء، على الرغم من عدم كتابته في عقد الإيجار، لكنهم لا يتحدثون في هذا الأمر، لأن منهم من لا يهتم بمن يقطن العين المؤجرة طالما لا تأتي منه أي مشكلة، إلا في حال وجود مخالفة لبند من بنود العقد، فهي تقع مباشرة على المستأجر الأصلي في مواجهة المؤجر أو المالك، مع حفظ حق المستأجر الباطن في مواجهة المستأجر الأصلي».
وأكد العزب أهمية ورود شرط التأجير من الباطن بعقود الإيجارات جميعها، وأن يتم تقنين العملية بالشكل الكافي الذي لا تظلم به الأطراف جميعها.
حكم قضائي بالإخلاء
قضى مركز فضّ المنازعات الإيجارية، الذراع القضائية لدائرة الأراضي والأملاك في دبي، في قضية منظورة أمامه، ومنشورة على موقع الدائرة، بإخلاء عقار، بسبب ثبوت تأجيره من الباطن دون موافقة خطية من المالك.
واستند المركز في حكمه إلى قانون الإيجارات رقم (33) لسنة 2008 بتعديل بعض أحكام القانون رقم (26) لسنة 2007، بشأن تنظيم العلاقة بين مؤجري العقارات ومستأجريها في إمارة دبي، وفي المادة (25) (1) (ب)، بيّن أنه إذا قام المستأجر بتأجير العقار من الباطن، أو أي قسم منه، من دون الحصول على موافقة المؤجر الخطية، ففي هذه الحالة يسري الإخلاء على المستأجر من الباطن أيضاً، مع حفظ حقه بالرجوع على المستأجر للتعويض.
كما نص القانون أيضاً على أنه يجب أن يتم إخطار المؤجر للمستأجر، عن طريق الكاتب العدل، أو البريد المسجل.
أشكال التأجير من الباطن
قال الرئيس التنفيذي لـ«شركة ملاك العقارية»، طارق رمضان: «هناك صور وأشكال عدة لموضوع التأجير من الباطن، منها مرتفع المخاطرة، ومنها الأقل مخاطرة».
وأوضح: «هناك عملية (التضمين)، وهي أن يأتي شخص ويستأجر البناية بالكامل، ثم يعيد تأجيرها للمستأجرين، وفي هذه الحالة تكون شيكات المستأجرين باسم الشركة الضامنة، وفي حال حدوث تعثر مالي على الشركة الضامنة، فإن ذلك يمكن أن يعود بالضرر على صاحب العقار، كما أنه قد تحدث خلافات قانونية مع المستأجرين، نظراً لأن مالك العقار لم يتسلم منهم أي أموال، وإنما ذهبت إلى الشركة الضامنة».
وأضاف رمضان: «تتمثل الصورة الثانية من التأجير من الباطن في (إدارة العقار)، فتتولى شركة إدارة العقار عملية التأجير، وفي هذه الحالة لا تكون الشركة مؤجرة من الباطن، لكن شيكات المستأجرين تكون باسم شركة إدارة العقارات، وهذه أيضاً تحمل بعض المخاطرة»، لافتاً إلى أن «الحل لدرء هذه المخاطر، يتمثل في عملية الإشراف العقاري التي لا يسمح فيها لشركة إدارة العقارات بأن تحصّل شيكات المستأجرين باسمها، بل باسم مالك العقار».
وأكد رمضان أن دائرة الأراضي والأملاك في دبي اتخذت إجراءات لتنظيم هذا القطاع، بحيث يكون تأجير الوحدات لشركات مرخصة ومسجلة، أما «التأجير من الباطن» بشكل فردي، فيكون لعدد محدود من الشقق، وهذا يحتاج إلى تنظيم وضوابط، مشدداً على أهمية أن يأخذ ملاك العقارات التدابير اللازمة لحماية مصالحهم، وفي الوقت نفسه، فإن على الشركات التي تدير البنايات التي فيها «تأجير من الباطن»، أن تضع ضوابط لضمان السلامة للجميع.