هدايا من الزمن الجميل في «إكسبو دبي».. بتوقيع «أم فهد»
على نولها التقليدي القديم، وفي حديقة النخيل التي تحتضن زوّار جناح المملكة العربية السعودية في «إكسبو 2020 دبي»، جلست مطيرة فهد، تستعرض لجمهور المعرض الدولي تفاصيل وتقنيات صناعة «السدو»، بحنكة متمرّسة على آلة الحياكة، ما استرعى اهتمام المارة الذي توقف معظمهم، لمعاينة هذه التجربة، مندهشين من سرعة وخفة يدي الحِرفية السعودية، التي تلاعبت أصابعها بالألوان والخيوط، مستحوذة على إعجاب كل من دفعه فضوله لمراقبتها، ومعرفة المزيد عن فنها.
واحتفاءً بالحرف التقليدية ومظاهر التراث الثقافي الخليجي، نظم جناح المملكة فعالية خاصة استعرض خلالها «السدو»، الذي يُعدّ واحداً من أبرز فنون الحياكة والنسيج التقليدية، التي لا يكاد يخلو منها كل منزل سعودي أو خليجي، إذ واظب على مزاولة هذه الحِرفة الإبداعية العريقة منذ القدم، معظم سكان شبه الجزيرة العربية، تلبية للاحتياجات الأساسية للمجتمع، في وقت أصبحت صناعة «السدو» اليوم، بعض أهم ركائز التراث الإنساني وأوجهه المشعة في المملكة، بتصاميمها المختلفة وزخارفها وألوانها المبهجة.
مهارات عالية
وتستعرض (أم فهد) الحائزة المركز الأول في فن «السدو» بجائزة سوق عكاظ للفنون الشعبية، أمام زوّار الجناح السعودي، مهاراتها اليدوية على أدوات بسيطة خصصت لغزل وحياكة الصوف، من أهمها: «التغزالة»، وهي عبارة عن عصا يلف عليها الصوف غير المغزول، والمغزل الذي يصنع من الخشب، ويتكون من عصا ينتهي أحد طرفيها بخشبتين، مصلبة الشكل، يتوسطها خُطاف لبرم الصوف الملفوف وتحويله إلى خيوط.
وفي هذه الحِرفة التقليدية، تستخدم أيضاً «المنفاشة» أو «المدراة»، وهي أداة مصنوعة من الحديد والخشب على شكل سن من أسنان المشط، يُسرح بها الصوف الخام اللازم في حِرفة «السدو»، إذ يُعدّ من أكثر الخيوط شيوعاً، لوفرته وسهولة غزله وصباغته ونسجه، إضافة إلى «المنشزة» و«المحفة» و«قلادة السدو»، التي تسيطر عبرها (أم فهد) على انتظام الخيوط وعدم تداخلها بين بعضها بعضاً.
معروضات فنية
وتنسج (أم فهد) أحزمة نسائية مزيّنة، إضافة إلى قطع فنية صغيرة الحجم مخصصّة لعمليات تزيين المنزل وبعض الأواني المنزلية، وحقائب اليد التي يبدو أنها تستقطب مزيداً من الاهتمام، أخيراً، إذ نتيجة للطلبات المتكررة لجمهور المعرض على هذه المعروضات الإبداعية، وإقباله المتزايد على شراء عدد من منسوجات (أم فهد)، بادرت الحِرفية السعودية بتقديم بعضها على شكل هدايا وتذكارات مجانية من جناح السعودية، موضحة أنها جاءت إلى «إكسبو 2020 دبي» ليس لبيع منتجاتها، وإنما لتمثيل بلادها في الإمارات، معبّرة عن فخرها بهذا التمثيل وبترويج حِرف المملكة التقليدية.
كما حرصت الحِرفية السعودية على استعراض أشكال المنسوجات وألوانها، علاوة على تجربة حياكة بيت الشَّعر (البيت البدوي)، مسكن أهل البادية، الذي يُعدّ من أهم منتجات «السدو»، إضافة إلى «البُسط» و«العدول»، و«السفايف»، وهي عبارة عن خيوط مُحاكة بطريقة جميلة وألوان زاهية لتزيين ظهر الجمال والخيول في البيئة البدوية.
اكتشافات
ونجحت الحِرفية السعودية في جذب أنظار العديد من زوّار «إكسبو 2020 دبي»، ومحاولة التعرف إلى تفاصيل هذه المهنة العريقة.
وأعربت الزائرة الإيطالية لارا بياغوني، عن سعادتها بالتعرف إلى هذا الفن التقليدي، مشيرة إلى أنه يحاكي - إلى حد كبير - فن النسيج اليدوي في بلادها، لكن لم يسبق لها أن رأت «نولاً» كالذي تغزل وتنسج عليه (أم فهد) قطعها الفنية في جناح المملكة، فنول «السدو» السعودي أفقي، وهذا غير مألوف في عالم الحِرف النسيجية برأيها.
كما لفتت نظرها كذلك الألوان الزاهية والتصميمات المتعدّدة للمنسوجات المحلية، معتبرة أن مثل هذه المبادرات المجتمعية والفعاليات، تفتح فرصاً لا يمكن تفويتها، للاطلاع عن كثب، على ثقافات الشعوب حول العالم وخصوصيات كل واحدة منها.
أما الزائرة الفرنسية كلود، فرأت أن مثل هذه الفعاليات تعكس احترام المجتمع وتقديره للمرأة التي أتقنت صون هذا الإرث الثقافي العريق وحمته من الاندثار، مضيفة: «لقد أعجبت حقاً بتفاصيل هذه الحِرفة، ورغبت صراحة في شراء بعض التذكارات والمشغولات اليدوية لوالدتي، لكنها للأسف غير معروضة للبيع، إلا أنني ولحُسن حظي، حظيت بهدية مجانية جميلة من (أم فهد)، التي استمتعنا بمراقبة براعتها في نسج مختلف القطع مباشرة في هذا المعرض المميز».
• الحِرفية السعودية التي تتلاعب أصابعها بالألوان والخيوط، تستحوذ على إعجاب كثيرين من الزوّار.
الإيطالية لارا:
• «سعيدة بالتعرف إلى هذا الفن التقليدي، الذي يحاكي - إلى حد كبير - فن النسيج اليدوي في بلادي، لكن لم يسبق لي أن رأيت نولاً كالذي تغزل عليه (أم فهد)».
الفرنسية «كلود»:
• «مثل هذه الفعاليات تعكس احترام المجتمع وتقديره للمرأة التي أتقنت صون هذا الإرث الثقافي العريق، وحمته من الاندثار».
تراث عالمي
نجحت المملكة العربية السعودية في تسجيل عنصر حياكة «السدو»، ضمن القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي لدى منظمة «اليونسكو»، على شكل ملف مشترك مع دولة الكويت في ديسمبر 2020، وجاءت عملية التسجيل تتويجاً لجهود فريق وطني مشترك تقوده وزارة الثقافة، واللجنة الوطنية للتربية والعلوم والثقافة، والمندوبية السعودية الدائمة لدى «اليونسكو».
وتُعدّ حياكة «السدو» ثامن عنصر ثقافي نجحت المملكة في تسجيله لدى المنظمة، وذلك ضمن جهودها لتوثيق التراث الوطني غير المادي، وتسليط الضوء عليه محلياً وعالمياً، بما يُعزّز فرص استمراره وضمان استدامته عبر الأجيال.