إكسبو.. الجناح القبرصي يستقبل الزوّار بابتسامة «أفروديت»
«ياسوس، أنا اسمي أفروديت».. جملة تقولها بابتسامة رقيقة فتاة إغريقية هادئة الملامح، تطل من خلف بيت زجاجي مرتدية ثوباً أبيض، ربما طرّزت أطرافه في بلدة «لفيكرا» الواقعة في سفوح جبال ترودوس، وقفت لتستقبل الزائرين عند بداية الممر المؤدي إلى أرجاء جناح جزيرة «العلم الأزرق» في شرق البحر الأبيض المتوسط، «قبرص»، الكائن في منطقة الفرص في «إكسبو 2020 دبي».
و«ياسوس» كلمة يونانية تعني باللغة العربية «مرحباً»، يستخدمها القبارصة في التحية والسلام طوال النهار. أما «أفروديت» التي وقفت تحيي الزائرين، فإلهة إغريقية، تمركزت مع عدد من الرموز والشخصيات الإسطورية من الملوك في تكوين الوجدان الثقافي لدى الشعوب المنحدرة من الأصول اليونانية، منهم شعب جزيرة قبرص، البلد الأوروبي الواقع في أقصى شرق البحر الأبيض المتوسط.
وربما لم يكن بالمصادفة اختيار هالة «أفروديت» الناطقة، لجذب انتباه زوّار الجناح، وحملهم على المضي في رحلة التعرف إلى الجزيرة، لأن أفروديت في الحضارة الإغريقية، هي رمز للحب والجمال والخصب والحنان والشعور بالأمان الذي يسود في دفء العلاقات الأسرية والاجتماعية، كما هي أيضاً رمز للقوة والقدرة على مواجهة الأخطار والانتصار. وهو ما جعلها في ثقافة شعب قبرص وغيرهم من اليونانيين، مرادفاً لقصص غائرة العمق في معنى تجدد الحياة وألقها في مختلف المجالات الإنسانية.
لكن اللافت عند التعرف إلى ثقافة أهل قبرص، هو ما يشير إلى اقتناعهم، المبني على إيمان عاطفي حالم يريد تصديق ما تقوله الأساطير القديمة عن ولادة أفروديت من رحم أمواج بحر سواحل قبرص الغربية، وأن روحها تحرس الجزيرة منذ آلاف السنين، وتبث الحياة في كل ما هو جميل فيها من جبال وسواحل وأديرة ومعابد قديمة وكروم عنب وبساتين برتقال، وصولاً إلى تفاصيل الإنسان القبرصي الذي تظهر عذوبة ملامح أفروديت في ابتسامته المرحابة.
وهناك كثير من الروايات التاريخية حول سطوة أفروديت الجنسية، إلا أن ذلك لم ينل من النقاء الذي أحاط بجمالها الفريد، إذ تصفها الأساطير اليونانية القديمة بأنها «فتاة ذات شعر ذهبي، يذكِّر بلون غروب الشمس، مع بشرة أكثر بياضاً من العاج، وعينين زرقاوين أشبه بزرقة سماء الصيف».
ويرجع أقدم نشاط بشري معروف في قبرص إلى نحو الألفية العاشرة قبل الميلاد، وقد استوطنها اليونانيون الموكيانيون الذين يرجع عهدهم إلى العصر البرونزي في الألفية الثانية قبل الميلاد في موجتين وفقاً للمراجع التاريخية. واستولى الإسكندر الأكبر على الجزيرة التي تحوي عدداً من أقدم آبار المياه في العالم، في عام 333 قبل الميلاد.
جمال السواحل القبرصية وطبيعتها الجغرافية المتنوّعة بين جبال وشطآن، وكنوزها الأثرية من المعابد والمسارح الممتد تاريخها إلى عصور ما قبل الميلاد، ومهاراتها الحِرفية في صناعة الخزف والأقمشة، وثروتها من الحمضيات التي أهلتها لتكون أحد أهم بلدان البحر الأبيض المتوسط في صنع وإعداد الأطعمة الشهية، كلها مكونات لمواد معلوماتية مرئية ومسموعة، توزعت في أرجاء جناح قبرص.
وتتميز سواحل قبرص بالالتزام بمعايير بيئية صارمة من حيث جودة المياه والنظافة والمحافظة على الطبيعة، ما مكنها خلال السنوات القليلة الماضية من أن تصبح من أكثر البلدان الأوروبية التي تحصل مدنها البحرية وسواحلها على جائزة العلم الأزرق، التي تمنح نتيجة تلبية الشروط والمعايير البيئية التي وضعتها منظمة التعليم البيئي، بالشراكة مع الاتحاد الأوروبي.
جزيرة الجمال والشمس والحب الإغريقي، ليست فقط مكاناً ساحراً للاسترخاء والرياضة المائية وتسلق الجبال، بل هي موقع لأهم الجامعات القبرصية والبريطانية، مثل جامعة ويستمنستر البريطانية التي تقع في ثاني أكبر مدنها «نيقوسيا»، وتُعدّ واحدة من أهم الجامعات التي تدرس الهندسة التطبيقية في مختلف فروعها.
• «أهل قبرص يعتقدون بأن أفروديت ولدت من رحم الموج.. وروحها تحرس الجزيرة منذ آلاف السنين».
• «ياسوس كلمة يونانية تعني «مرحباً».. يستخدمها القبارصة تحية النهار».
كنيسة صغيرة جداً
تتصدر أحد جدران جناح قبرص، صورة التقطت من داخل كنيسة «باناجيا أسينو». وهي كنيسة صغيرة جداً، بنيت كدير في عام 1099، إلا أنها أحد أهم مواقع التراث العالمي لليونسكو.
ويعود تاريخ الكنيسة، التي تحتوي على عدد من أجود اللوحات الجدارية البيزنطية في الجزيرة، إلى القرن الـ12 ميلادي.
وتتكون من جزءين، القبة ذات السقف المائل، والنارثيكس، وهو ما كان يُعرف بمنطقة الانتظار في فترة الحكم البيزنطي.
الدانتيل اليدوي
يعرض جناح قبرص قطعاً من نسيج الدانتيل المصنوع يدوياً في قرية ليفكارا، التي تشتهر بصناعتها للأقمشة المعروفة باسم «ليفكاريتيكا»، وكذلك بالمشغولات اليدوية المصنوعة من الفضة.
وتقع القرية في جبال ترودوس، وأخذت اسمها من اللون الأبيض للسيليكا والحجر الجيري، حيث اشتقت كلمة ليفكارا من مزيج من الكلمتين اليونانيتين، «ليفكا» ومعناها أبيض، و«أوري» وتعني الجبال أو التلال.
وتشهد آثار العصر الحجري الموجودة في القرية أن المنطقة المحيطة بها كانت مأهولة بشكل مستمر لقرون عدة، حيث عثر على أول ذكر تاريخي لوجود المنطقة باسمها الحالي في وصية القديس نيوفيتوس، المولود عام 1134.