عروس وفارس من حجر.. تفاصيل من حكاية وطن في «إكسبو»
لكل دولة مشاركة في «إكسبو 2020 دبي»، أسلوبها في رواية حكايتها للعالم وجذبه للتعرف إليها، مثل جمهورية مقدونيا الشمالية، التي اختارت في جناحها بالمعرض الدولي ثياب العروس ومنحوتات منتقاة لجنود وفرسان من الماضي للتعريف بتراثها وحضارتها القديمة. مقتنيات أثرية وفنية توزعت بشكل مريح للعين والحركة في باحة تتوسطها اثنتان من الدمى (المانيكان)، تزينتا بالزي الوطني في مقدونيا الشمالية، وتحديداً ثياب العروس. تقود تلك التفاصيل الموجزة للغاية، إلى الكشف عن حكايات غريبة وعميقة وقصص أسطورية ورموز، كلها تجذّرت في الوجدان الثقافي للشعوب، وصنعت مع الزمن الكثير من معاني عاداتهم وطرق حياتهم، وأسهمت في تشكيل أسلوب معاشهم اليومي.
زيارة «الإمارات اليوم» لجناح مقدونيا الشمالية، الذي يقع في منطقة الفرص بـ«إكسبو»، تظهر أن تزيّن المرأة بالزي البالغ الجمال، والمجوهرات الفائقة التصاميم - كما يبرز في ثياب عروس من قرية «بابراديست» - يحتل مكانة كبيرة في عادات وثقافة ذلك البلد، إلا أنه يختلف في درجة جودته وزركشاته، بحسب المناطق والمجموعة العرقية التي ترتديه، وتبعاً لنوع المهنة والمستوى الاجتماعي الذي يحدد نوع القماش المستخدم وطريقة التصميم، بحيث يتناسب الزي، على سبيل المثال، مع مكان استقرار وحياة من ترتديه، ليكون منسجماً مع الطبيعة الجبلية مثلاً، أو مع الطبيعة الزراعية للفلاحين.
ألوان زاهية
يبدو أن حياكة وتطريز ما ترتديه النساء من أزياء وحلي تزيّن أثوابهن وأعناقهن، كما يظهر في زيّ عروس من قرية «كرني فرف»، يحتل أهمية في حياة الشعب في تلك المنطقة التي تشترك في السمات الأساسية لزيّها التقليدي مع دول في شرق أوروبا، مثل صربيا وكوسوفو والبوسنة والهرسك وبلغاريا واليونان وألبانيا.
وتشير تصاميم الملابس التقليدية للنساء في تلك البلاد إلى اتفاقها - بغض النظر عن المناطق - على الألوان الزاهية في التطريز الكثيف التي تميز مختلف القطع المكونة للثياب. وتتكون ملابس المرأة التقليدية، من قميص على هيئة سترة منمقة بزينة من المعادن الفضية والبرونزية والحبال المنسوجة الملونة، وكذلك التنانير والسراويل الطويلة المطرّزة التي تلبس مع التنانير، ومعاطف بلا أكمام. كما ترتدي النساء أغطية للرأس وجوارب حتى الركبتين.
التصاميم الزخرفية المحاكة في الصدريات التقليدية «المعاطف» التي تلبس فوق القمصان، دقيقة ومنمنمة وغنية بالتطريز الذي يكسوها كما يثري كل مفردات الزي الوطني من الألف إلى الياء.
رمز الخلود
في ركن آخر من جناح مقدونيا الشمالية، ثمة رواية أخرى من ذلك البلد، تحكيها منحوتة حجرية عما يعرف بنصب «زويلوس»، تعرض في متحف الآثار في العاصمة سكوبيا. ويصور النصب جندياً مقدونياً من إحدى سلالات الأسرة الأرجيدية، وهي وفقاً للمؤرخين، السلالة المؤسسة والحاكمة لمملكة مقدونيا القديمة من 700 إلى 310 قبل الميلاد، والتي انحدر منها عدد من السلالات التي تعاقبت على حكم مقدونيا القديمة، بما فيها الهنود الأغريقيون، التي تشير المراجع إلى احتمال أن يكون زويلوس وهو ابن اشولاوس، أحد أبنائها. يصور النصب الجندي زويلوس وهو يضم درعاً إلى صدره، ويحمل بذراعه اليمنى رمحاً يخرج من رأسه ثعبان، ليلتف واقفاً إلى جانبه. ويرمز الثعبان في الحضارة الإغريقية القديمة إلى تجدّد الحياة والازدهار والولادة الجديدة بالانتصار على الشر. وشكّل الثعبان على مر الفلسفات والحضارات القديمة رمزاً للقوة وللتجدّد بسبب قدرته على خلع جلده وإعادة خلقه من جديد في مرحلة من مراحل حياته. ويرجع ذلك إلى قدرة الأفعى على القتل والشفاء معاً، ما جعلها عبر التاريخ رمزاً للخصب والانبعاث والخلود، وصورة للحياة والموت في آن واحد، وأيضاً رمزاً لقوة الخير والشر.
معلم تاريخي
يعرض جناح مقدونيا الشمالية أيضاً مواد فيلمية تصور أهم المعالم الدينية العريقة في بلد يشكل فيه المقدونيون السلافيون الذين يعتنقون الديانة المسيحية على المذهب الأرثوذكسي أكثر من 60% من شعبه.
ويظهر في العرض المرئي دير سانت جوفان بيغورسكي، وهو من المعالم المسيحية البالغة الأهمية بالنسبة للسكان والسياح، إذ يضم الرمز المقدس للقديس يوحنا المعمداني، الذي عثر عليه في بداية القرن الـ11، من قبل مؤسس الدير الراهب يوحنا الأول.
• التطريز يثري كل مفردات الزي الوطني في شمال مقدونيا من الألف إلى الياء.
• عروس «بابراديست» تتزيّن بثوب بالغ الجمال، ومجوهرات دقيقة التصاميم.
عن الاسم
تردد اسم مقدونيا كثيراً خلال السنوات الماضية، التي شهدت نزاعاً امتد 27 عاماً بينها وبين اليونان على اسمها الذي اختارته في أعقاب انفصالها عن يوغسلافيا السابقة في عام 1991، والذي حسم في 2018 بعد اتفاق على تسميتها مقدونيا الشمالية، بدلاً من اسم «مقدونيا»، الذي يطلق على اسم المنطقة الموجودة في شمال اليونان الحالية المحاذية لمقدونيا الشمالية.
وتقع جمهورية مقدونيا الشمالية في وسط شبه جزيرة البلقان في جنوب شرق أوروبا، وهي بلد غير ساحلي، يحده كوسوفو من الشمال الغربي، وصربيا من الشمال، ومن الشرق بلغاريا، ومن الغرب ألبانيا، ومن الجنوب اليونان.