إكسبو.. «لاتفيا» تخفي موروثها الحضاري في «حزام مشفر»
زيارة جناح جمهورية لاتفيا، في منطقة الفرص، والتحدث إلى فريق مضيفيها، يكشفان عن قوة كامنة ومتجدّدة في هذا البلد، الذي تتجاوز نسبة نسائه العاملات في قطاع الأبحاث 52%.
وتنبع قوته من تقديس الطبيعة واحترام مقدراتها على امتداد تاريخه، وهو ما يظهر في عطائه من اختراعات وابتكارات إنسانية ذات شأن كبير، مثل تلك الناتجة عن تقديره لغنى وأهمية تربة «البيتموس»، المعروفه أيضاً بـ«الخث»، وهي مادة طبيعية تثري بسمادها ووقودها أراضي وصناعات العالم. كما أنه ثري بالغابات والمياه وأخشاب أشجار البتولا.ويشكل كل من الخث والبتولا أهم مصادره الاقتصادية ودخله القومي.
ويقود الدخول من بوابة جناح لاتفيا الزائر إلى تجربة جديدة في طريقة التعريف عن البلدان، إذ يجد نفسه متحداً مع طبيعتها ومكوناتها من غابات وصناعات وفنون، من خلال عرض فني مرئي يحيط به من كل صوب. لكنه ليس كأيّ عرض، فهو يتشكل من لوحات ايقاعية تحيا بالصوت والصور الممتزجة بالتصاميم والأشكال، لتحمل معها كثيراً من الرموز والرسائل عن روح ووجدان البلد المبدع.
وتشكل مفردات مثل «الأبيض»، «لايما»، «حزام ليلفاردي»، «أول شجرة ميلاد»، «تمثال الحرية»، «الأنفاق الهوائية»، «الميكروفون الطائر»، «فتيات التكنولوجيا»، عناوين لنهر من الأسرار والحكايات.. فالأبيض في ثقافة لاتفيا، ليس مجرد لون أو كلمة، بل سلوك وبُعد روحي يجمع الجمال والنقاء في ممارسة كل أوجه وممارسات الحياة من بناء الأفكار وعيش العلاقات، وحتى في تأسيس الأعمال والمشروعات، ما جعل ترديد كلمة «الأبيض» جزءاً أصيلاً في «الديناس»، وهي مخزون الأغاني الفلكلورية للشعب اللاتفي الحي، الذي يشكل إحدى أكبر مجموعات التراث الشعري الشعبي في العالم.
ويعتبر اللاتفيون أن الأبيض هو فعل وإحساس نابع من مزيج الجمال والشرف، فهو مجبول بالخير والعطاء، وما فيه من صفاء وشفافية يمثل دلالة على الفضيلة والروحانية، الأمر الذي جعلهم يغنون له ويرددون اسمه وهم يرقصون في احتفالاتهم الوطنية والاجتماعية.
أما لايما، فأحد الرموز الحاضرة في وجدان الشعب اللاتفي التي تشير إلى «آلهة القدر» في ديانتهم الوثنية القديمة (قبل اعتناقهم المسيحية). وترتبط معاني الرمز «لايما» بإعادة الخلق والتجدد بتواؤم العلاقات. كما يشير إلى علاقة الأم بأطفالها. ويرمز للفأل الحسن.
ويعد «لايما» واحداً من تسعة رموز مهمة تظهر أشكالها منذ قرون في مختلف مظاهر الحياة، حتى إن الفرسان، مثلاً، كانوا يضعون قماشة على خيولهم وهم متجهون إلى المعركة، مرسوماً عليها رمز نجم «أوسيكليتيس»، الذي ينير ويحمي من الشر، ويرمز لانتصار النور على الظلام.
ومن الرموز أيضاً «يوميس»، وهو عبار ة عن سنبلتي قمح متقاطعتين. ويرمز للخصوبة والرعاية، ما جعل اللاتفيين القدامى يضعونه على قمة سطح البيت لجلب الازدهار.
وتنقش جمهورية لاتفيا صوراً لـ«حزام ليلفاردي» على جواز سفر مواطنيها، لأنه يمثل جزءاً من تراثها الوطني الثقافي، ومكوناً فريداً وأساسياً في تصاميم البناء والمنسوجات والمشغولات الفنية. كما يمثل الحزام جزءاً من اللباس التقليدي للنساء، ويحمل أنماطاً من النسج بالغة التعقيد تتغير حتى 22 مرة على امتداد طوله، الذي يصل الجزء الكامل منه إلى نحو ثلاثة أمتار.
وتشير تلك الأنماط إلى أشكال ورموز وإشارات مأخوذة من الحضارات القديمة الممتدة بعيداً، وصولاً إلى مناطق في آسيا. ويعتقد الباحثون أن تلك الأشكال المنسوجة ربما كانت تستخدم لرواية القصص، حتى إنهم يعتقدون أنها تخفي معلومات مشفرة تم تناقلها في تلك الأزمنة.
وتؤكد الوثائق التاريخية أن تزيين شجرة عيد الميلاد يرجع إلى عام 1510 في مدينة ريغا عاصمة لاتفيا، حين تجمّع عدد من التجار لتزيين الشجرة الواقفة وسط ساحة المدينة بالورود، ثم رقصوا وغنوا حولها احتفاءً بالعام الجديد، ثم حرقوا ورودها، كما هي العادات القديمة في تاريخ هذا الاحتفال.
وعبر جمع التبرعات العامة، موّل بناء «تمثال الحرية»، وهو يمجد الذين قاتلوا في حرب الاستقلال عام 1919.
وينظر إلى صمود التمثال خلال الحرب العالمية الثانية والاحتلال السوفييتي، ومحاولات تدميره، على أنه أعجوبة، ليصبح بذلك رمزاً لسعي الشعب اللاتفي للحرية ولاعتزازه بهويته وقيمه ومبادئه.
وتعرض لاتفيا في جناحها ابتكاراً مهماً، على الرغم من بساطة حجمه أمام ما يضمه الجناح من نماذج فريدة لطائرات وصناعات خشبية، وهو ميكروفون يمكن رميه، كما ترمى كرة اليد، ليصل طائراً من شخص إلى آخر.
ووفقاً لـ«أماندا أرتمينيه» من جناح لاتفيا، فقد صنع قبل ظهور «كورونا» بسنوات، فإنه مضاد للبكتيريا، ويمكن تداوره بلا قلق من انتقال أي ميكروبات عبر اليد.
أما فتيات التكنولوجيا فعبارة عن مجتمع من السيدات العاملات في التكنولوجيا في «ريغا» يرجع الفضل لهن في العديد من المنجزات المعترف بها عالمياً، ومنهن اليسي ديريكا، وسابيني بولي (أدرجت في لائحة فوربس 30 في عام 2017).
وتحتل لاتفيا المركز الأول في الاتحاد الأوروبي لأكبر عدد من النساء العاملات في قطاع الأبحاث بنسبة تصل الى 52%.
• «لايما» يجلب الحظ، ويرتبط بإعادة الخلق والتجدد، كما يشير إلى علاقة الأم بأطفالها.