تقليد تحافظ عليه الأسرة الإماراتية منذ آلاف السنين
الصقر والنار.. حظيرة تراثية تجذب الزوار في «إكسبو دبي»
في ركن مميز بجناح «صميم الإمارات» وقف الطالب سلطان العلي الطالب بجامعة الشارقة، في استقبال زوار إكسبو يشرح لهم تفاصيل الحظيرة التراثية التي لا تزال الأسرة الإماراتية تحافظ عليها في تقليد استمر آلاف السنين، بوجود صقر اعتادوا على استخدامه في الصيد، ونار لطهي ما يصطاده من طيور وحيوانات.
وفي ركن آخر، شارك الزوار الشاب عبدالرحمن النهدي شغفه بصناعة الفخار بالطريقة التقليدية، ناحتين معه أشكالاً وأواني ومباخر، في أجواء من البهجة والدفء والعراقة.
ويقول الطالب سلطان لـ«الإمارات اليوم» إنه ينهي محاضراته الجامعية يومياً ويتوجه إلى «إكسبو دبي»، ليعرض على زوار جناح صميم تفاصيل ما درج المواطن الإماراتي على تسميته منذ القدم بـ«الحظيرة» حيث يتجمع مع أسرته وأصدقائه حول النار، وإلى جوارهم صقورهم التي ترافقهم في الحل والترحال.
ويضيف أنه ورث هذه الهواية عن والده، ويربي مع أشقائه نحو تسعة صقور، يشاركون بها في السباقات والفعاليات المختلفة، لافتاً إلى أن الإماراتيين اعتادوا استخدام الصقور في صيد الأرانب وطيور الحبارى وغيرها من الحيوانات والطيور التي يمكن أن تؤكل، ثم يطبخون ما يصطادونه على النار.
ويؤكد أنها ليست وسيلة لكسب المال، بل للتسلية والترفيه، على الرغم من كونها مكلفة إلى حد كبير، إذ تحتاج الصقور إلى متابعة ورعاية مستمرتين.
ويشير إلى أن وجوده في «إكسبو دبي» يضاعف سعادته، فعشرات آلاف الأشخاص يتوافدون على المعرض يومياً، ويبدي كثيرون منهم الاهتمام بزيارة الحظيرة، خصوصاً من الأجانب الذين يحرصون على التقاط الصور مع الصقر، ويسألون عن تفاصيل المكان ومدى ارتباطه بالتراث الإماراتي الأصيل.
وفي ركن آخر من جناح «صميم»، جلس عبدالرحمن النهدي يصنع أواني وأشكالاً من الفخار لزوار الجناح، الذين لم يكتفوا بالمشاهدة، بل شارك بعضهم في العمل معه بحب وسعادة، مدركين أنها ليس مجرد صناعة، لكنها فن رائع.
ويقول النهدي لـ«الإمارات اليوم» إنه يعمل موظفاً حكومياً، لكنه ورث هواية الفخار من والده وجده، في تقليد عائلي اشتغل به كثير من الإماراتيين في الماضي.
ويضيف أنه يجلب الحصى من جبال رأس الخيمة وجبل حفيت في مدينة العين، ثم يدقها بالخشب وتخلط بالمياه لمدة تسع ساعات كاملة، حتى تتحول إلى المادة التي يصنع منها الجرار وأواني الطهي والمباخر وغيرها، لافتاً إلى أن وجود سوق لبيع منتجات الفخار في الدولة، يدل على استمرار الاهتمام بهذا الموروث العريق.
وذكر أنه يمارس هذه الهواية عادة في وقت فراغه، فهي تمنحه نوعاً من الهدوء والسكينة، فضلاً عن أن كثيرين لا يزالون يفضلون أواني الفخار في الطهي لما تمنحه من مذاق جيد للأطعمة.
كما أنها كانت تستخدم مثل المبرد في الماضي لحفظ الطعام من التعفن، والحفاظ على برودة المياه.
وأوضح أن كثيراً من الزوار يظنون أن المواد التي يصنعها من جرار وأوان ومباخر للبيع، لكنها للعرض فقط، مشيراً إلى أنه من الرائع حرص البعض على مشاركته صناعة أشكال جميلة بالفخار، ما يعكس أن هذه الهواية تثير شغف كثيرين.
وتابع أنه سعيد بوجوده في «إكسبو دبي»، فهو حدث عالمي بكل المقاييس، ويعكس قدرة الإمارات على استضافة وإنجاح الفعاليات العالمية، مهما بلغت ضخامتها، مؤكداً أن حرص إدارة المعرض على تخصيص جناح للتراث الإماراتي يرسخ رسالة مهمة، مفادها أن ما وصلنا إليه من حداثة وتقدم مؤسس على تاريخ عريق ومتين.
وتعد «صناعة الفخار» من أقدم الصناعات التقليدية في الإمارات وهي الصناعة التي بدأها الإنسان الإماراتي قبل 2500 عام.
وتعود هذه الصناعة إلى فترة «أم النار» التي تؤرخ للفترة ما بين 2500 قبل الميلاد وتنتهي في عام 2000 قبل الميلاد واحتوت مقابرها على كميات كبيرة من الأوعية الفخارية.
وتعتمد مهارة صناعة الأواني والأدوات الفخارية بأشكالها وأحجامها المختلفة على تقنيات فنية عالية تسهم في تشكيلها، إضافة إلى معرفة أنواع الرمال المستخدمة، لأن نوعية الرمل وجودته تساعدان في اتخاذ الشكل المراد.
وتعد «العجلة» القطعة الرئيسة في آلة صنع الفخار، إضافة إلى معدات صغيرة آخرى كالخيوط وقطع القماش والخشب. وبها يستطيع صانع الفخار أن يشكل أو يزيل الزوائد من الفخار قبل تجهبزه، أو يزينه ويزخرفه بأشكال هندسية معينة.
ويدار هذا القرص الخشبي أو المعدني بواسطة عجلة أخرى من الحجر، يحركها الصانع بإحدى قدميه للتحكم في سرعة دوران القرص الخشبي الذي أمامه، مما يتيح للصانع التعامل مع الطين وفق السرعة التي تحتاجها عملية تشكيل منتجه. لكن مع تطور هذه المهنة، أصبحت الآلة المستخدمة تعتمد على الكهرباء، لزيادة الإنتاج ودقته.
وهناك أنواع من الفخار، فمنها ما يستخرج من باطن الأرض ويستخدم في تبريد المياه وسقي الزراعة. ومنها ما يستخرج من سفوح الجبال، ويستخدم في الطبخ وحفظ الأطعمة.
ركن الفخّار
خصص جناح «صميم» ركن صناعة الفخار ضمن قطاع المنازل والحياة الجبلية بالإمارات قديماً.
وصحيح أن الفخار يعد مادة متواضعة مقارنة باللؤلؤ والدور الذي لعبه على مدار تاريخ الخليج، إلا أنه جزء مهم ومحور أساسي في الحياة اليومية، ما يجعله قيماً في التراث الإماراتي.