«يحيى» فقد بصره بخطـأ طبي ويعاني التوحّد
وُلد الطفل يحيى كفيفاً، وحرم البصر بسبب خطأ طبي، وفق والده، الذي أضاف أنه تحمل الصدمة الأولى وحاول تعويض ابنه بالحب والحنان، لكنه بمرور الوقت شعر بأن يحيى غير طبيعي، وبدأ يتردد على المستشفيات خوفاً على طفله من الاكتئاب، لكنه اكتشف إصابة الطفل بمرض التوحد، ولم يعرف السبيل لمساعدة طفله بعدما تخلى عنه الجميع، على حد تعبيره.
وتفصيلاً قال الأب لـ«الإمارات اليوم» إن «يحيى الذي يبلغ من العمر الآن سبع سنوات أصيب بالعمى أثناء ولادته في بلده الأردن، بسبب جرعة أكسجين أعطيت له عن طريق الخطأ تسببت في إتلاف شبكية العين».
وتابع «على الرغم من شدة الصدمة لملمت الأسرة أحزانها وحاولت التكيف مع الأمر الواقع، وتكاتفت الأسرة لمساعدة يحيى على تجاوز مشكلات فقدان البصر».
وأضاف والد يحيى «بذلت قصارى جهدي لتعويضه عما فقده على أيدي الأطباء، وكلما كبر يحيى كنت أشعر بتغيير في سلوكه، واعتقدت في بداية الأمر أن فقدان البصر سبب عزلة الطفل، لكن بعد تطور الأمر بدأت مراجعة المستشفيات، وبعد الفحوص أكد الأطباء أنه مصاب بمرض التوحد، ونزل الخبر علينا كالصاعقة، وتضاعفت مشكلة يحيى ولم نعد نعرف كيفية التعامل معه في ظل إصابته بالعمى والتوحد».
وتابع «بدأت الأسرة تفكر عن سبيل لمساعدة يحيى وتخفيف وطأة الإعاقة عنه، فبدأنا نبحث عن مركز يتولى رعايته، ولجأنا إلى مراكز عدة بينها مركز العين لرعاية وتأهيل ذوي الاحتياجات الخاصة التابع لمؤسسة زايد العليا للرعاية الإنسانية، لكن المركز اعتذر عن عدم قبول يحيى، عازياً السبب إلى (عدم استيعاب الطفل)».
وأكد والد يحيى الذي يعمل سائقاً في مؤسسة خاصة، أنه بذل كل ما في وسعه للتخفيف من إعاقة طفله، وتنمية مهاراته الحياتية، لافتاً إلى أن كل جهوده باءت بالفشل، متابعاً «حاولت الاتصال والتواصل مع المراكز المتخصصة في تأهيل مرضى التوحد، ولكن الجميع رفض قبوله لإصابته بالعمى».
وقال الأب إن «رفض المسؤولين عن المراكز المتخصصة في تأهيل مرضى التوحد قبول يحيى كان صدمة» متسائلاً «من الذي يستطيع مساعدة يحيى وتخفيف معاناته وعزلته؟»، مشيراً إلى أن حالة ابنه الصحية في تدهور مستمر لعدم وجود الرعاية المتخصصة، مؤكداً عدم قدرة يحيى على النوم، والبكاء أوقاتاً طويلة دون سبب واضح.
مرض التوحد يوصف مرض التوحد بأنه اضطراب عصبي لا يعرف مصدره، وهو إعاقة نمائية يتم تشخيصها في معظم الأحيان خلال السنوات الثلاث الأولى من عمر الطفل. وتؤثر هذه الإعاقة في وظائف المخ، ويصاب به واحد بين كل 500 طفل تقريباً في بلد مثل الولايات المتحدة. ويصيب الذكور أكثر من الإناث بمعدل «4 إلى 1»، وهي إعاقة تصيب الأسر من جميع الطبقات الاجتماعية ومن جميع الأجناس والأعراق. ويؤثر مرض التوحد في النمو الطبيعي للمخ في مجال الحياة الاجتماعية ومهارات التواصل، إذ عادة ما يواجه الأطفال والأشخاص المصابون بالتوحد صعوبات في مجال التواصل غير اللفظي، والتفاعل الاجتماعي، وكذلك صعوبات في الأنشطة الترفيهية. وتؤدي الإصابة بالتوحد إلى صعوبة في التواصل مع الآخرين وفي الارتباط بالعالم الخارجي، فيظهر المصابون بهذا الاضطراب سلوكاً متكرراً بصورة غير طبيعية، كأن يرفرفوا بأيديهم بشكل متكرر، أو يهزوا أجسامهم بشكل متكرر، كما يمكن أن يظهروا ردوداً غير معتادة عند تعاملهم مع الناس، أو يرتبطوا ببعض الأشياء بصورة غير طبيعية، كأن يلعب الطفل بسيارة معينة بشكل متكرر وبصورة غير طبيعية، دون محاولة التغيير إلى سيارة أو لعبة أخرى مثلاً، مع وجود مقاومة لمحاولة التغيير. وفي بعض الحالات قد يظهر الطفل سلوكاً عدوانياً تجاه الغير، أو تجاه الذات. |
وأضاف الاب أنه لم يعد يستطيع الايفاء بنفقات علاج ابنه، وبات محاطاً بهواجس عن المستقبل المجهول الذي ينتظر طفله، بعد فشله في إلحاقه بمركز خاص للتأهيل من مرض التوحد. وأشار إلى أنه اقترض من أحد البنوك في الدولة لمواجهة تكاليف علاج ابنه، لكن المعاناة باتت أكبر في مواجهة نفقات الحياة لبقية أفراد الاسرة، موضحاً أنه استعان بمدرس خصوصي يأتي إلى المنزل لتأهيل يحيى مقابل 150 درهماً في الساعة، واستبشرت الاسرة خيراً بالاستجابة اللافتة من يحيى للمدرس، لكن الإمكانات المالية لن تمكن الأسرة من الاستمرار في تغطية نفقات هذا المدرس، ما يعني أن يحيى سيفقد فرصته في التخفيف من مأساته المركّبة. إلى ذلك، أكد مدير مركز العين لرعاية وتأهيل ذوي الاحتياجات الخاصة التابع لمؤسسة زايد العليا للرعاية الإنسانية، محمد خميس الحدادي، أن «المشكلة ليست في الطفل يحيى وحده، فلدينا لائحة من المنتظرين الالتحاق بالمركز»، لافتاً إلى أن هذا المركز الوحيد في مدينة العين ويضم حالياً نحو 300 مواطن يعانون التوحد، وهذا العدد يفوق قدرات المركز الذي يجاهد لتوفير الرعاية الجيدة لمرضى التوحد ومساعدتهم على التواصل والتفاعل الاجتماعي، والتغلب على الصعوبات التي تواجههم.
وأشار الحدادي إلى ان الحل يكمن في إنشاء مراكز جديدة لاستيعاب المصابين بالتوحد في الدولة، معترفا بأنه يجد نفسه في موقف صعب عندما لا يستطيع تلبية رغبات مرضى التوحد في الاتحاق بالمركز من المواطنين والوافدين، موضحا ان مرضى التوحد يحتاجون إلى رعاية خاصة، والصعوبة تمكن في أن المعلم الذي يتولى تأهيلهم لا يستطيع الإشراف إلا على عدد محدود في قاعات خاصة، مؤكداً أن العدد الموجود الآن في المركز يتطلب مضاعفة الجهود «لتقديم التأهيل اللائق الذي يساعد مرضى التوحد على تجاوز معاناتهم».