المدى المجدي للخيال العلمي
أفــلام مسـتقبلية تحــدث الآن
ضعوا في يد أفلام الخيال العلمي، وفي الثانية أفلاماً تصنف تحت هذا الاسم أيضاً، وعليه فإن في اليدين أفلاماً من النمط ذاته لكن يمكن الفصل بينها، مع التأكيد على أن ما يلي لن يكون تأريخاً لتلك الأفلام، والحديث باستفاضة عن «أوديسة الفضاء» لستانلي كوبريك، أو القفز إلى «أفاتار» لجيمس كاميرون، وغيرهما من أفلام حملت ما حملت من جرعات مخيلة خصبة ومشتبكة مع عوالم مستقبلية قدمت مقترحات بصرية استثنائية، من دون أن يفوتنا حملها ملامح من الواقع أو التاريخ ولها أن تقول الكثير بهذا الخصوص.
الحديث هنا سيبتعد أيضاً عن أفلام مصاصي الدماء، وإصابة العالم بالأوبئة التي تحول البشر إلى كائنات فتاكة لا تعرف الرحمة، وصولاً إلى تخيل البشر كل البشر وقد تحولوا إلى مصاصي دماء، ويعانون أزمة غذائية متمثلة في نقص كميات الدم المتوافرة لسد أفواه الجياع، واللجوء إلى استنساخ بشر لا لشيء إلا لتوفير الغذاء العالمي، وهكذا أفكار تثير الإعجاب كونها تستند إلى مخيلة خصبة، و«فانتازيا» سرعان ما تدفن بعد المشاهدة.
«الخيال الواقعي»
الذي نضعه هنا نمط آخر من الخيال العلمي، لنا أن نطلق عليه مجازاً «الخيال الواقعي»، بمعنى أن البنية الرئيسة للفيلم تكون متأتية من واقع نعيشه وليس للفيلم إلا أن يمضي به زمنياً نحو ما يوصله إلى أقصى درجاته، كما هي الحال مع فيلم Childern of Men (أطفال الإنسان) 2006 لألفونسو كوران، ولعل هذا الفيلم الذي يصور لندن كما لو أنها تحولت إلى كراتشي، تزداد قدرته على الامتزاج بالواقع كلما مضى به الزمن، خصوصا مع تصاعد الأصوات في أوروبا في مواجهة المهاجرين، وما يشكله ذلك من تهديد يحمل صبغة عنصرية في أحيان كثيرة، وعلى شيء صار يشكل كما نشاهد ونقرأ تهديدا ديموغرافياً للأوروبيين، لدرجة يصبح فيها فيلم كوران الذي يتخيل أن حرباً أهلية قد نشبت بين المهاجرين والأصليين شيئا وارداً، مع تصويره وضع المهاجرين في «غيتوات» محاطة بالأسلاك الشائكة، وغيرها من عوالم يمكن استحضارها الآن بكثرة ونحن نسمع من يقرع ناقوس الخطر في أوروبا مع إحصاءت بأن المسلمين سيشكلون الأغلبية العظمى في أوروبا وأميركا بعد 50 سنة، وأن المشكلة لا تتعدى التناسل، بينما يجدر السؤال ماذا عن البلدان التي يفد منها المهاجرون، أليست رداءة أوضاعها ودوافع الهجرة منها، متأتية من عوامل تتحمل السياسات الغربية جزءا يسيرا منها، أليست الهجرات أثماناً مستحقة عن استعمار الشعوب؟ أسئلة لن نتوقف عندها طويلاً، ننتقل منها إلى فيلم عرض الأسبوع الماضي في الصالات المحلية وهو The Road (الطريق) لجون هيلكوت، الذي يقدم الأرض وقد اختفت من على وجهها الحياة، دون إيراد أسباب ذلك ولا منابعه، ونحن نقول لا حاجة إليه، ليخبرنا عن الذي حدث في الأرض، يكفي أن نتذكر كم من آلاف الرؤوس النووية جاهز للتدافع في أي لحظة بالقدر ليكون الفناء أمرا وارداً كواقع، ولعل هذه الأفلام «القيامية» تمتلك لدى المشاهد استقبالاً مسبقاً ما دام هناك الكثير مما قد يفني الأرض كارتطام نيزك أو ما شابه، كما في فيلم آخر يأتي بجوار «الطريق» عرض منذ شهر تقريباً حمل عنوان «كتاب ايلي» والذي لن يستوقفنا ما دام نسخة ثقيلة الدم من «الطريق»، وعلى شيء من التشويق المجاني المضاف على ما نسخ من فيلم «الطريق».
مجازات
وفي جانب آخر تقدم أفلام الخيال العلمي مجازات لها أن تقول الكثير مثلما هو فيلم فرانسوا تريفو «451 فهرنايت» ،1966 الذي يقدم نظام حكم مستقبلي يكون عدواً للكتب، حيث درجة الحرارة التي يذكرها الفيلم هي الدرجة التي يتم فيها حرق الكتب، ونحن نشاهد العالم وقد تم تفريغه من الكتب، ونحن نتعقب حياة مونتاغ الذي يقوم بمهام متوالية لحرق الكتب، كما يصور لنا الفيلم كيف يصير عليه العالم من دون قراءة، وكيف لمونتاغ نفسه أن يتغيير بمجرد إقدامه على القراءة سراً، وعلى هدي فيلم تريفو يحضر فيلم «1984» لمايكل رادفورد المأخوذ عن رواية جورج أورويل الشهيرة، وللمفارقة فإن سنة إنتاج هذا الفيلم كانت في عام ،1984 بينما كتب أورويل الرواية عام ،1948 وهو يقدم ما سيصير الإنسان عليه في ظل الأنظمة الاستبدادية وعينه على ستالين، ولعل الفيلم ومعه الرواية قادران على احتمال المزيد من الإسقاطات في ما يتعلق الإنسان في أيامنا هذه، أو «الإنسان ذو البعد الواحد»، وتقسيمه بالتساوي بين العمل والنوم والتناسل، والمسعى إلى قتل التفكير أو التمرد ومن دون حاجة إلى حرق الكتب كما في فيلم «تريفو»، فهناك الكثير من الكتب التي تساعد على تسطيح الفكر أيضاً، والتي تتصدر المبيعات دائماً كونها تحظى بحملات ترويج تضعها في الواجهة وتجبر الجميع على قراءاتها، كما لو أنها كل الكتب. يمكن المضي خلف أفلام أخرى وربطها بالواقع، ويمكن أيضاً أن نختم بفيلم Fight Club (نادي القتال) 1999 لديفيد فينشر، وهذا ما سنفعله، وتحديداً في مشهد منه نرى فيه برجي التجارة العالميين ينهاران ومعهما أبراج أخرى، وليأتي العام ،2001 وأحداث الحادي عشر من سبتمبر، من دون أن ندخل في نفق النبوءة وسخافات هكذه، لكن نقول إن نمط التمرد المعولم الذي قدمه فينشر في الفيلم له أن يكون في جانب منه على اتصال بنمط المعولم لـ «القاعدة»، ونحن نتكلم عن حلم تدميري لرجل بمفرده، سرعان ما ينتشر كما هو «نادي القتال»، وبساطة الفكرة التي قام عليها.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news