الرعب الخليجي والأدرينالين المعطّل
يبدو أن «الرعب» مطلب سينمائي، أو ما يشكل رغبة عارمة لدى سينمائيين خليجيين في إحداثه في صفوف المشاهدين، وليكون الرهان بالتأكيد على كيفية إحداثه وأدواته التي لن تكون بحال من الأحوال كثيرة طالما أننا نتكلم عن سينما شابة لا تحظى بالتمويل اللازم لإحداث الرعب، دون الخوض في متطلباته، كون أفلام الرعب كما نتابع في دور العرض الإماراتية لا تكاد تغيب في كل أسبوع عنها، وتحظى بشيء من الأولوية لدى المشاهد الذي يرغب في تحريك الأدرينالين الجامد، أو خلخلة الحياة الساكنة بساعة ونصف الساعة من المفاجآت والمنعطفات، ولكل فيلم تجاري أن يفعل فعله على طريقته الخاصة، ومن ثم يعود المشاهد إلى مجريات حياته المحاصرة بمشاغل وهموم كثيرة، لن تنجح جرعات الرعب الصارخة في تخليصه من عادية الحياة اليومية وخلوها من مفاجآت لها أن تكون رهان هذا النمط من الأفلام.
في المسابقة الرسمية للدورة الثالثة من مهرجان الخليج التي أنهت أعمالها وعروضها الأربعاء الماضي، شاهدنا فيلمي رعب خليجيين، أو أطلق عليهما اصطلاحاً هذه الصفة، لا بل إن عنوانيهما كانا يقولان لنا إنهما ينتميان إلى هذا التصنيف، الأول جاء بعنوان «لعنة ابليس» للإماراتي ماهر الخاجة، والثاني كان «السر الخفي» للسعودي محمد هلال، الأول يحمل إمكانية ما، أو معبراً خانته الكثير من العناصر نحو إحداث مساحة سينمائية مرعبة وفي محاكاة للسائد في هذه الأفلام، بينما يمكن إطلاق صفة الكارثية على الثاني، وإحالته إلى فشل صارخ على صعد عدة تنأى عن السينمائي، وتقترب من فن مجهول أقرب إلى «السر الخفي» الذي لا نعرفه ولن نعرفه من شدة تبعثره.
ولعل الحديث عن فيلم رعب خليجي سيحيلنا مباشرة إلى سؤال متعلق بالإمكانات التي تحيط بهذا المطمح حتى يتحقق، فيسود هذا الرعب وندخل في حمى الهلع، كون بناء عناصر التشويق والإثارة ارتبطت ارتباطاً وثيقا بالمؤثرات البصرية والسمعية في جانب كبير منها، عدا خروقات قليلة تحدث الرعب بإمكانات مفاجئة وعلى قدر كبير من الحرفية.
لن نقارب فيلم «لعنة ابليس» بناء على ما تقدم، ولعل المقاربة هنا تمضي خلف تجربة تطمح إلى تحقيق ما تقدم وفق المتاح، وتوظيف هذا المتاح بما يخدم الغرض التشويقي، الذي يكشف بداية عن معرفة لدى مخرج الفيلم وكاتبه بآليات فيلم الرعب، دون أن ننسى التأكيد على اصابتها بتعثرات في أكثر من موضع، مثلما هو الحال في الإفراط في استخدام المؤثرات هنا وهناك، والتطويل في أكثر من موضع، وانفتاح الحوار على مصراعيه وانقلابه إلى ثرثرة في الموضع الذي يشكل النقطة المضيئة في الفيلم ألا وهي الاستعانة بآلية «وثائقية» أو لعبة وثائقية تستخدم كاميرا الفيديو المنزلي التي ستكون حلاً جيداً لتخبطات الباحثة عن سر ما حدث في «الجزيرة الحمراء»، وعلى شيء من محاكاة أفلام كثيرة استثمرت في هذه التقنية لإحداث وقع مضاعف له أن يوحي لنا بواقعيته مثلما هو الحال مع فيلم Activity lamronaraP لأورين بيلي الذي حقق فيلمه الذي لم تتجاوز تكلفته 15 ألف دولار نجاحاً كبيراً في العالم وقد صور بكاميرا رقمية صغيرة.
بناء فيلم ماهر الخاجة طامح إلى تحقيق شيء ما، لكنه بقي محاصراً بالكثير من الإعاقات سواء ما يتعلق بإدارة الممثلين الذين تفاوتت أدوارهم، والتفرعات الكثيرة عن سيناريو الفيلم، وترتيب العناصر الدرامية، واستخدام المؤثرات في مجانية، بما يقطع الخط الفاصل بين الضحك والرعب، ولعل هذا الخط يكون واهياً جداً في أفلام الرعب، فالكثير مما يطمح أن يرعبنا يصبح مضحكاً ما لم تتم حياكته جيداً، الأمر الذي يمنع الفيلم في النهاية من تحقيق المرتجى منه، دون أن يمنعنا كل ما تقدم من اختبار إمكانية ما تَعِدُ بما هو أفضل وأشد رصانة.
هذا الوعد لن نطلقه مع فيلم «السر الخفي» لمحمد هلال، وهو لا يتيح لنا إلا مشاهدة فيلم متخم بالرداءة، تجعلنا بصدد تلقي إهانة سينمائية طويلة، وركاكة ما بعدها ركاكة في السيناريو والتمثيل والتصوير والإضاءة، ولعل السؤال الذي يفرض نفسه هنا: ماذا يبقى من الفيلم؟ ولعل الإجابة بلا شيء هي إجابة مفرطة الدقة.
على كلٍ مشاهدة فيلم «السر الخفي» كانت بمثابة فرصة لا تتكرر، بدءاً من شاربي الشخصية التي تقود المستأجرين إلى البيت الموبوء مروراً بحالات الرعب التي يجترحها بكائنات مشوهة، وصولاً إلى كل ما في الفيلم، إنها بحق فرصة لا تعوض لتعطيل الأدرينالين في حياتنا واستبداله بالضحك.