«جولي وجوليا» فيلم «يُؤكل» بدل أن يشاهد
السينما في المطبخ.. واللقطات على النار
هل يمكن أن تدخل حاسة الذوق إلى السينما، كأن «يؤكل» الفيلم بدلا من أن يشاهد، ويتم «مضغه» بتلذذ؟ سؤال ليس بغريب إن كان حديثنا هنا يمضي إلى فيلم Julie & Julia (جولي وجوليا) الذي شاهدته منذ أيام بعد أن فاتتني مشاهدته في السينما. ولعل هذا الفيلم الذي أخرجته نورا إفرون محرض لاستعادة أفلام كثيرة تمحورت حول الطبخ وفنونه، والذي يشكل في النهاية بعداً ثقافياً للشعوب، للسينما الهوليوودية أن تضعه في أحيان كثيرة بنكهة فرنسية، وليست جوليا شايلد (ميرل ستريب) إلا تجسيداً لذلك، وهي تؤلف كتاباً عن الطبخات الفرنسية للنساء الأميركيات.
فيلم (جولي وجوليا) مملوء بالطبخات، وعلى تناوب بين جيلين، الأول: تجسده جوليا شايلد ابتداء من عام ،1949 بينما الثاني وبفعل استعادي نجده عند جولي بول (آمي آدامز) ويبدأ من عام ،2002 وكلتاهما تجدان في الطبخ قصة نجاح أميركية بامتياز، وليمضي الفيلم في تناوب بين حياتي المرأتين، ولتكون جولي مسكونة بجوليا، وقد تحولت إلى مدونة على الإنترنت تستعيد من خلالها طبخات جوليا في امتزاج بين حياتها اليومية والطبخ، وفي سرد يستقدم الكثير من المعجبين، بما يحقق لها نجاحاً تكون في أمسّ الحاجة إليه ونحن نتعرف إليها في البداية موظفة حكومية عالقة بتلقي الشكاوى على الهاتف ولا شيء يحقق توازنها إلا الطبخ.
تشابه مصائر
تتشابه مصائر جولي وجوليا، ولكن تحت إملاءات عصر كل واحدة منهما، وتسعى جولي إلى أن تكون على قدر كبير من محاكاة جوليا من دون أن تلتقيها، بل تشاهد برامجها التلفزيونية وتقرأ كتابها، ولتفعل الشيء نفسه على مدونتها، في فيلم يؤنث كل شيء، وليكون الدور الذي قدمته ستريب دوراً جديداً مميزا تضيفه إلى قائمة أدوارها المميزة، حيث تكون جوليا الطويلة والضخمة والتي لا يفارقها الضحك، وعلى سعي دائم لأن يكون كل شيء مصدرا للفرح، وبنبرة صوت لها أن تتردد في رأس المشاهد بعد أن ينتهي الفيلم، ولتكون في النهاية أمام فيلم خفيف ولطيف، يمكن أن يستخدم فاتحاً للشهية.
ولعل المضي إلى المطبخ سيضعنا أمام فيلم الأنيماشن Ratatouille 2007 حيث الطبخ سيكون محور الفيلم، وستكون المفارقة بكون الفأر هو الأقدر على تقديم وجبات لا يضاهي مذاقها وجبات أخرى، وفي منحنى مختلف يظهر أمامنا فيلم صيني افتتح الدورة الأخيرة من مهرجان برلين السينمائي عنوان «منفصلان معاً» تكاد لا تفارق فيه الشخصيات طاولة الطعام، بل إن إحدى الشخصيات تمضي كامل الفيلم وهي تأكل بنهم بما يشكل جانباً من طباعها المحبة للحياة.
الأكل والطبخ سيأخذ مناحي كبرى في أفلام أخرى كثيرة، لنا أن نستعيدها هنا، يحضر على سبيل المثال فيلم بيتر غرينواي «الطباخ، اللص، زوجته وعشيقها»، حيث يمتزج الطبخ بالجنس، ويمسي المطعم مسرحاً لكامل الأحداث، وفي المطبخ وبين اللحوم والأسماك ووسط القدور الكبيرة يقع العشق بين الزوجة وعشيقها، وحين يقتل اللص عشيق زوجته بحشوه بالكتب التي يسترزق منها، حسب تعبيره، كون العشيق بائع كتب، فإن زوجته تقوم بطبخ عشيقها وإجبار زوجها على أكله.
سينما غرينواي
من يعرف سينما غرينواي لن يجد في ذلك أية غرابة، ولعل غرينواي يقودنا إلى استرجاع فيلم ماركو فيرري «البوفيه الكبير»، حيث يمتزج الجنس بالأكل ونحن نرى الحياة البرجوازية في أعتى تجلياتها، حيث لا شيء إلا الأكل والجنس والحياة المتوقفة عند تقديس الحواس، بما يدفعنا هنا إلى العودة إلى فيلم (جولي وجوليا)، حيث الحياة تمضي برفقة الحواس، وإن بجرعات لا شيء فيها يستدعي المقارنة مع فيراري وغيرنواي، لكن بما يقول لنا كيف للحياة المرفهة أن تبحث عن متعها، والتصالح الكبير بين المتعة وإثبات الذات، في انتصار للفردية على أية قيمة أخرى، فكل ما على جولي أن تفعله هو الكتابة على مدونتها بعد ممارستها طبخات جوليا ومن ثم ستفتح أبواب الشهرة والمجد على مصراعيها، في آليات كّرست بوصفها الحقيقة كل الحقيقة، وفي الأمر ما يغري مثلاً بالسؤال عن حقائق كثير مغيبة مثل المجاعات مثلاً، وإن كنا هنا نخرج تماماً عن سياق الفيلم، على كل أصبحت المدن تعرف من مطابخها ومطاعمها، وكلما تنوعت كانت أشد إغراء، ويمكن قلب الأمر في مناطق جغرافية أخرى، بالقول تعرف المدن من فقرها وجوعها، وما بينهما مازالت كتب الطبخ عاجزة عن جعلنا ننسى ذلك.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news