ما نشاهده من أفلام هذه الأيام

السحر والخيل ومصاصو الدماء

اللافت تحول الأفلام التي تُعرف بالخيال العلمي إلى الخيال غير العلمي. أرشيفية

كل شيء جاهز ومعدّ سلفاً، لا داعي لتوقع مفاجآت كبرى، الأفلام التجارية الطافية على سطح شاشات دور العرض المحلية على ما هي عليه، لن تحمل شيئاً جديداً إلا كل شهرين أو ثلاثة، ما لم يكن كل سنة، على مبدأ «زوروني كل سنة مرة حرام تنسوني بالمرة»، ولنا أن نجد فيها فقط ما تتعطف علينا به شركات الإنتاج الهوليوودية العملاقة ومعها شركات التوزيع الاحتكارية التي تقرر ما على المشاهد أن يراه في شتى أرجاء العالم متسلحة بقدراتها التسويقية وشبكات توزيعها التي تجعل من الأسبوع السينمائي أسبوعاً مقسما بالتساوي بين «الأكشن» والإثارة والخيال العلمي و«الأنيماشن»، وعلى شيء متضخم على الدوام وفق فعل إيهام متواصل متسق ومتناغم مع الحياة الرغيدة والوهمية التي على كل شيء أن يتعطل فيها عدا الترفيه، مع الحرص على إحداث أكبر قدر من التشويش على الحواس التي تمسي متأهبة ومروضة لتلقف أي شيء، والاستسلام لحالة استرخاء تمتد لسويعات، ومن ثم يُمحى الفيلم من شاشة الدماغ. ولعل المرور سريعاً على ما شاهدناه في الأسابيع الماضية عينةً، لها أن تضعنا مباشرة أمام هذه الخيارات التي تقسم الأفلام وفق فئات مدروسة بعناية تقدم للمشاهد ما تم الاتفاق عليه مسبقاً، وعلى مبدأ «الاستهلاك» القيمة الكبرى التي انتصرت على أية قيمة أخرى ومنذ سنوات طويلة، وبالتأكيد مع الوفاء لسوق الفيلم ومبدأ الطلب والعرض كما كل سلعة.

لكن من اللافت تحول الأفلام التي تعرف بالخيال العلمي إلى الخيال غير العلمي، من خلال الرحلة المضنية باتجاه التشويق والإثارة، ويبدو أننا الآن أمام موجة جارفة من أفلام الخيال غير العلمي المستعين بالسحر، مثلما هو الحال مع فيلم جون تارتلتوب «الساحر المبتدئ» بطولة نيكولاس كيج، وكذلك الأمر بالنسبة لفيلم نايت شياملان «آخر حراس الهواء»، فالأول ينسج قصته وفق املاءات صراع بين السحرة يبدأ من قبل التاريخ ليصل إلى عام 2000 ومن ثم إلى ،2010 وهو يبحث عن هذا الساحر العجيب الذي من المتوقع أن يكون في الألفية الثانية طالما أنه «ميلنيومي» وهو نائم بين الألعاب، بينما كنا نرى كيج يتنقل من بلد إلى آخر، وليجد الفيلم ضالته في الرهان على القوى الخفية مع تقديم فيلم رديء آخر يضاف إلى قائمة تطول وتطول من الأفلام الرديئة التي يقدمها نيكولاس كيج في كل عام، وهو على ما يبدو قد أصبح موهوباً في قدرته على الانقضاض على هكذا أدوار، تتم مشاهدتها ونسيانها من دون أن يبقى منها شيء، والحق كل الحق على آلان باركر والدور الرائع الذي أعطاه إياه في فيلمه الشهير «بيردي» عندما كان كيج في بداية مشواره الفني.

فيلم شياملان يجد المرجعيات التي قام عليها من خلال حضارات آسيا القديمة والبوذية وما إلى هنالك، لتقديم صراع غيبي بين أمم الهواء والنار والماء والتراب، لكن هذا غير صحيح ولا شيء جديد فيه سواء كانت المرجعية بوذية أو اسلامية أو مسيحية أو يهودية، فإن الفيلم يأخذ مرجعيته الكبرى من «الأنيماشن»، وهو ينقل ما كان رسوماً إلى شخصيات من لحم ودم، وهنا تكمن الكارثة التي وقع فيها الفيلم وعجزه التام عن إقناعنا بأنها، أي هذه الشخصية، تحمل ولو منطقاً طفيفاً يتسق ومنطق الفيلم نفسه، ولعل المنحازين إلى الروحانيات وما إلى هنالك لن يجدوا شيئاً من ذلك في ثنايا الفيلم، وخصوصاً أن هذه «الروحنة» ليست إلا حركات تعبيرية تتخذ من القوة السحرية التي ستتسلح بها كل ما تطمح إليه، بالسذاجة المتأتية من الاقتتال الذي ستولده. شراهة شركات الإنتاج اتجاه الإثارة والتشويق لن تجعلها توفر أي شيء في خدمة تقديم ما يوهمنا بأنه جديد، ولعل النسبة العظمى من أفلام الرعب، على سبيل المثال، مبنية على فكر ديني أولاً وأخيراً، وثنائي أيضاً، بمعنى أن الشر والخير يتصارعان، وعلى النهاية أن تكون انتصاراً للخير، ولعل الخروج الأكبر عن هذا «الورع» الهوليوودي كان من خلال تبني الرعب الياباني الذي شكل انعطافة أفلام الرعب الهوليوودية من خلال سلسلة «كرادج»، ليجد الآن الخيال غير العلمي في البوذية والحضارات الشرقية القديمة ضالته، من دون أن يكون لذلك أية إضافة على مسار التشويق التجاري، مثلما الحال مع فيلم «كسوف» وهو يستكمل جزأه الثالث الذي يضعنا مباشرة مع مصاصي الدماء ويمنحهم حقاً شرعياً في الوجود من خلال علاقات الحب وما إلى هنالك من تصويره المجتمع الأهلي لمصاصي الدماء، الأضحوكة التي لا يوازيها أضحوكة إلا نجاحات الفيلم وقبله سلسلة الروايات المأخوذة عنه التي ألفتها ستيفان ماير.

تويتر