المكسيكي غيلرمو أريغا من الكتابة إلى الإخراج

«الأرض المحترقة».. دراما الآباء والأبناء

«أرض محترقة».. فسحة بعيدة عما يطفو على شاشاتنا المحلية. غيتي

ما عاد الكاتب المكسيكي غيلرمو أريغا يكتفي بكتابة السيناريو ليأتي مواطنه أليخاندرو غونزاليس إيناريتو ويصنع منها أفلاماً لها أن تكون حاضرة بقوة في ذاكرة المشاهدين حول العالم، كما هو الحال مع «بابل» ،2006 وقبله فيلمان مثل «21 غراماً» ،2003 و«الحب كلب» ،2000 والتي كانت تشكل ما يشبه الشراكة الناجحة بين غليرمو وإيناريتو، والتي كانت حصيلتها هذه الأفلام التي امتازت بإيقاع خاص ونقاط التقاء أسست لأسلوب صار يعرف به إيناريتو، ودائماً عبر سيناريو متشابك يكتبه أريغا وحركية عالية في الزمن وعدد كبير من الشخصيات التي تلتقي مصائرها وتنفصل عبر الرهان على خيوط سردية منفصلة سرعان ما تتصل، وليصوغ إيناريتو كل ذلك بإيقاع عالٍ وصاخب في «بابل» و«الحب كلب»، وبطيء لكنه موتور ومشدود في«21 غراماً».

غلـيرمو أريغا قرر الآن أن يخرج بنفسه ما يكتبه والنتيجة فيلمه المعنون

The Burning Plaiَ «الأرض المحترقة» الذي يعرض حالياً في «ريل سينما» دون دور العرض الأخرى، ولنكون أمام تجربته الإخراجية الأولى، ولنا هنا أيضاً أن نشير إلى أن إيناريتو في جديده «جميل» الذي عرض في الدورة الأخيرة من مهرجان «كان» قام بكتابة سيناريو ذلك الفيلم وبالتأكيد إخراجه.

لن تكون مشاهدة «الأرض المحترقة» إلا مسبوقة بتوقعات سرعان ما يتم اكتشاف صوابها، خصوصاً حين وضع ما قدمنا له في عين الاعتبار، فأريغا سيقدم أيضاً اسلوبه في السيناريو، سنكون أمام شخصيات كثيرة وحركية في الزمن ومصائر تبدأ بما يوحي بأنها منفصلة لا رابط بينها، فإذا بها تتشابك وتلتقي وتمضي يداً بيد حتى النهاية، مع تقسيم الزمن إلى ماضٍ وحاضر افتراضيين، فما نشاهده في الحاضر ليس إلا نتاج الماضي، وكل الشخصيات أصبحت ما هي عليه، لأنها تحاول الهرب من الماضي أو التصالح معه، دون أن يترك الماضي أيضا عائماً أو دون نهايات.

في اللقطة الافتتاحية من الفيلم نقع على«كرافان» يحترق، لقطة سريعة تقطع وينتقل الفيلم إلى سيلفيا (تشارليز ثيرون) أمام نافذة غرفة نومها، وفي السرير رجل نائم، إنها تقف عارية أمام النافذة، وحين تراها أم وابنائها يبدأون بالإسراع من خطواتهم والإشاحة بوجوههم.

سنتعرف الى سيلفيا في الحال، إنها امرأة تدير مطعماً، وهي تتنقل من رجل إلى آخر، بخفة ودون تفكير وفي اتباع لما نجهله، لكن ذلك لا يقودنا إلى أنها امرأة تتبع متعتها، بل على العكس، وكل ما توحي به هذه الخفة هو الضياع وبحثها عما يمنحها توازناً ما، وإلى جانب ذلك يتضح ما حدث في ذلك «الكرافان» المحترق، ونحن نرى فتية يعاينون هيكله المتفحم والمحترق، وكيف احترق رجل وامرأة فيه، وقد عثر عليهما متعانقين حتى إن الفصل بين جسديهما كان بمنتهى الصعوبة.

لن نفسد متعة تتبعكم أحداث الفيلم لدى مشاهدته من خلال الربط بين اللقطات المتوالية سابقة الذكر، والتي ستتوالى بحيث تصبح حادثة «الكرافان» ماضي سليفا، وكذلك الأمر بالنسبة لأولئك الفتية الذين سيكونون أبناء الرجل المحترق، ولنتعرف إلى مصير واحد منهم، وكيف يقع في غرام ابنة المرأة التي كانت مع والده، بمعنى أن نقطة الارتكاز الرئيسة ستكون قائمة على علاقة نيك (جواكيم دي ألميدا) وهو متزوج ولديه أبناء بجينا (كيم باسنجر)والتي تكون متزوجة وأم لأربعة أولاد، واحتراقهما في عش غرامهما الموجود في أرض منبسطة مترامية، ومن ثم لتحضر الدراما من خلال وقوع ابن نيك بغرام سليفيا التي تكون ابنة جينا. لن يكون بغريب على اريغا أن يقدم لنا دراما قوية، ولعل هذا متوقع وحاضر بقوة من خلال ما تقدم، إذ إن الفيلم سيجمع في النهاية جميع خيوطه الدرامية وعلى التقاء بين الحاضر والماضي، ولتحضر المصائر وقد وصلت نهاياتها، لكن في النهاية، الفيلم يشبه كثيراً كل ما قدمه أريغا من خلال أنياريتو، لكن دون لمسة هذا الأخير، التي ستبدو غائبة بالتأكيد عنه، وعلى شيء ربما يدفعنا للسؤال كيف كان سيصنعه إيناريتو؟ والإجابة افتراضاً ودون اتكاء على معلومات في هذا الخصوص، قد تكمن بأن إيناريتو لن يكون مهتماً بإخراج هذا الفيلم، لأنه في النهاية تكرار لما سبق، وهو الذي قال في معرض حديثه عن جديده «جميل» الجميل حقاً، إنه كان يجرب تتبع شخصية واحدة بعيداً عن تشابك الشخصيات وكثرتها في أفلامه السابقة، وفي تتبع أيضاً لخط زمني أفقي، دون ارتدادات أو «فلاش باك»، وليكون ناجحاً تماماً بتقديم فيلم له أن يكون من أجمل ما شاهدت هذا العام. فيلم «أرض محترقة» يستحق المشاهدة حقاً، ولعله وإن جاء متأخراً - إنتاج 2008 - كعادة هكذا أفلام لدى عرضها محلياً، فإنه يشكل فسحة بعيدة عن ما يطفو على شاشاتنا المحلية، فسحة تحمل حداً أدنى من المغايرة.

تويتر