«أكورديون» بناهي يعزف في افتتاح «أبوظبي السينمائي»

«سكريتيرييت».. الخيل والليل وديان لين

فيلم افتتاح المهرجان بدأ عرضه في أميركا منذ أيام عدة. الإمارات اليوم

افتتح فيلم «سكريتيرييت» الدورة الرابعة من مهرجان أبوظبي السينمائي، ومرت مشاهدته على خير، كونه سيتيح لنا مشاهدة أفلام هذه الدورة التي ستكون محمّلة من دون مجال للشك بأفلام أهم بكثير من فيلم الافتتاح، الذي يراد له أن يكون احتفالياً، ليس له أن يقول لنا شيئاً أكثر مما قاله ربما روبرت ردفورد في فيلم «ذي هورس ويسبرر» (1998) لكن بما يختلف على صعيد فتح الباب على مصراعيه أمام الخيول وسباقاتها في نسيج درامي هوليوودي يضعنا أمام السباقات وتتابعها بما يدفع إلى الرهان ربما على هذه الدورة، الرهان الذي لن يكون هذا فيلم معبراً إلى ما سيتبعه، خصوصاً أن الفيلم يعرض حالياً في صالات العرض الأميركية وهو في الترتيب الثالث على شباك التذاكر، ما يدفع للسؤال ألا يستحق افتتاح مهرجان أبوظبي فيلماً بعرض عالمي أول؟ وبالتأكيد مع نجومه وقد شاهدنا بالأمس فقط جون مالكوفيتش يرسل رسالة تحية إلى أبوظبي عبر الشاشة، من دون أن يكون أي من طواقم العرض حاضراً.

لكن قبل الخوض في فيلم «سكريتيرييت»، فإن هذا الفيلم سبق بعرض فيلم آخر، وهو فيلم قصير للمخرج الإيراني المعروف جعفر بناهي، بما له بأن يكون تعبيراً من مهرجان أبوظبي عن الوقوف إلى جانب هذا المخرج في ظروف منعه من السفر، التي سبقت باعتقاله في 25 مايو الماضي، الأمر المتصل بموقف بناهي من انتخابات إيران الأخيرة ومواقفه السياسية بشكل عام، الأمر الذي حال بينه وبين أن يكون في لجنة تحكيم الدورة الأخيرة من مهرجان كان السينمائي، وفي محاكاة لما قامت به مهرجانات سينمائية عالمية حول العالم مثل مهرجان «البندقية»، و«نيويورك» تعاطفاً مع صاحب «تسلل» الحاصل على دب برلين الذهبي و«الدائرة» الفائز بأسد البندقية الذهبي.

« أكورديون»

فيلم بناهي حمل عنوان «أكورديون» ولم يتجاوز الخمس دقائق، أقل لا أكثر، وله في ذلك أن يرينا في هذا الوقت الوجيز، العسف الذي يتسيد إيران اليوم، من خلال فتى يعزف على «الأكورديون» وبرفقته فتاة صغيرة تعزف على الطبلة، نعرف أنها فتاة لأنها تدخل خطأ مسجداً فتهرع إلى وضع غطاء الرأس، ونشاهد في هذه الأثناء رجلاً يعنّف الفتى لأنه يعزف الموسيقى أمام المسجد ويأخذ منه «الأكورديون»، ومن ثم يمضي هو والفتاة يبحثان عن ذاك الرجل الذي نشاهده يعزف هو عليه.

في أثناء بحثهما سيقعان على جنديين، وسيكون موقع التصوير بؤرة مؤسسة على الشقاء والعتالين، ليستكمل بنهاي في ذلك ما يود تمريره ألا وهو اجتماع العسف الديني والعسكري والاقتصادي على الإيراني، وعلى هدي أفلامه التي يريد لها أن تقول شيئاً بخصوص الراهن في بلده، كما كان عليه على سبيل المثال في فيلمه «تسلل» بحيث جاء رصداً لتسلل المرأة إلى ملعب كرة القدم لمتابعة مباراة إيران والبحرين.

رهان رابح

نعود إلى فيلم «سكريتيرييت» الذي أخرجه راندل والاس، وليضيف فيلماً ثالثاً إلى رصيده الإخراجي بعد «الرجل ذو القناع الحديدي» ،1998 و«كنا جنوداً» ،2002 هو الذي عرفناه بداية كاتب سيناريو وتحديداً مع فيلم «قلب شجاع » إخراج ميل غيبسون، وليكون رهان والاس خارج الخيول على ديان لين وجون مالكوفيتش، الذي لن يكون إلا رهاناً رابحاً تمثيلياً، ولتكون قصة الفيلم متمحورة تماماً حول بينيي تشينري ( ديان لين)، وبكلمات أخرى يصلح هنا تحوير بيت المتنبي إلى: الخيل والليل وديان لين، التي تكون، أي تشينري، بداية ربة بيت، حيث نقع عليها أول الأمر على طاولة الفطور مع زوجها وخمسة أولاد، ثم فجأة يصلها خبر وفاة والدتها، ومن ثم نتعرف إلى علاقتها بوالدها الذي يكون مريضاً أيضاً، ويمتلك اسطبلاً للخيول، سرعان ما تتورط في إدارته، ولنقع عليها بوصفها امرأة استثنائية، تقوم بطرد القائم على الإسطبل كونه يسعى إلى بيعه بسعر يقل أضاعفاً عن سعره الحقيقي، وصولاً إلى ولادة خيل لنا أن نسميها بالعربية «الحمراء»، التي ستضع تشينري في خضم سباقات الخيل، وليمس هذا الخيل استثنائياً بكل المقاييس، ولنمضي مع تشينري وهي تخطو نحو مضمار السباق، وقد أصبح اسمه «سكريتيرييت» كون الجهة المسؤولة عن سباقات الخيل لا تقبل إلا أسماء غير مكررة، وعليه يطلق عليها هذا الاسم من قبل مساعد تشينري.

بداية تبحث تشينري عن مدرب فإذا بها تقع على لوسيان لوران (جون مالكوفيتش) الذي يضفي مسحة كوميدية من خلال ملابسه فاقعة الألوان وتحديداً قبعاته، ومن ثم تبحث عن فارس، يفشل الفارس الأول في تحقيق المطلوب فيستبدل بآخر نقع عليه وهو مملوء بالكسور والجروح بما يضعنا أمام فارس لا يجد الخيل التي تلبي تماماً ما يتوق إليه ونحن نعرف أن الخيل كانت تموت من جراء اصراره على دفعها للمضي بأسرع ما يمكن.

ما أن يكتمل ما تقدم حتى نمضي مع تشينري وهي تتنقل من تحدٍ إلى آخر، بما يجعلها تواجه كل أنواع التحديات، العائلية والاقتصادية والنفسية، التي تنجح في اجتيازها جميعاً، وليكون سيناريو الفيلم قائماً على مجموعة من العقد وعلى إيقاع متواتر: عقدة - حل، ومن ثم ينتقل هذا الإيقاع إلى سباقات الخيل نفسها، بحيث يمسي كل سباق محمّلاً بمنكهات التحدي أو الصعاب والتي سرعان ما تذلل، و«سكريتيرييت» ينتقل من فوز إلى آخر، ونراه دئماً في آخر الأحصنة، ولينطلق دائماً في نهايات السباق إلى المقدمة ويفوز، وحين تصيبه كبوة فإن السبب يكون بخراج بالأسنان، وحين يشفى فإن العقدة تكون بامتناعه عن الأكل، لكن تكفي أن تحدق تشينري في عينيه حتى تفتح شهيته، ويعود إلى سابق عهده، وليكون هذا الحصان أول فائز بكأس التاج الثلاثي خلال 25 عاماً، أو اسطورة أميركية بامتياز كما سنرى في الفيلم، أو كما ستكون النهاية مع «التترات» حيث تظهر الصور الحقيقة لأشخاص الفيلم وما تشكله هذه الخيل من أسطورة في سباقات الخيل ولا بيداء ولا سيف ولا قلم.

تويتر