تحت شعار «السينما حقل ديمقراطي»
«تطوان»: سينمائيون يهتفون بسقوط مدير الـمهرجان
في كل مجال أو مقام أصبح الاحتجاج عبر التظاهر السلمي تقليداً متبعاً في العالم العربي، بل يمكنك العثور عليه بينما يمضي الممثلون والسينمائيون على السجادة الحمراء، هذا ما حدث في الدورة الـ17 من مهرجان تطوان لسينما دول البحر الأبيض المتوسط، وبالتأكيد فإن ذلك لم يحدث من قبل، بمعنى أن الأداة المستخدمة لإيصال مطالب سينمائية أصبحت على اتصال مع كل أنواع الأدوات السياسية الجديدة.
على كل، أتناول هنا ما رأيته في تطوان، تلك المدينة المغربية الجميلة، مسلطاً الضوء على ظاهرة الاحتجاج السلمي التي تعم أرجاء العالم العربي، فالقصة هناك بدأت مع المخرج المغربي مصطفى الشعبي، الذي أبعد، حسب قوله، عن قوائم المدعوين إلى المهرجان، فحوّل ذلك إلى وقفة احتجاجية لم تكن من خمسة أشهر واردة في ذهنه، على الأغلب، وكنا نراه مع كل عرض حاملاً لافتة كتب عليها «أحمد حسني ارحل»، والمقصود مدير مهرجان تطوان، هذا مطلب شخصي، لكن ومع حفل الختام انضم إليه بين 10 إلى 20 شاباً وراحوا يهتفون ضد فساد إدارة المهرجان، وتحت شعار «السينما حقل ديمقراطي».
ما تقدم سيقودني إلى أن هذه الدورة كانت بامتياز عما حدث ويحدث في الوطن العربي، بقصد خصوصاً مع توجيه أحمد حسني التحية لشعبي تونس ومصر في كلمته الافتتاحية، أو دون قصد، كونها أفلام صنعت قبل الثورات العربية، ولعلي لا أجد غواية في سرد ما تقدم عن وقفة المخرج الاحتجاحية إلا لتبيان الاتصال العجيب بين السينما والواقع، حيث إن الأمر ملتبس تماماً بين الشخصي والعام، واستمرار المهرجان بحد ذاته معجزة سينمائية، أمام ما تحاصر به السينما في العالم العربي.
وفي مواصلة ما تقدم، فإنني سأسلط الضوء على فيلمين شاهدتهما ضمن عروض الدورة الـ،17 التي انتهت السبت الماضي، لكن قبل ذلك، فإنني طيلة الطريق من تطوان إلى الدار البيضاء، كان موظفو الطرقات يضعون ربطات حمراء على سواعدهم، في إشارة إلى أنهم سيباشرون إضرابهم ما لم تتحقق مطالبهم في رفع أجورهم، هذا ما أخبرني به السائق الطيب زكريا.
بالانتقال إلى الفيلم الجزائري «الساحة» سأتوقف عند خطين رئيسين في هذا الفيلم الجميل، الأول على اتصال مع مفهوم «الساحة»، الذي قدمه المخرج الجزائري دحمان أوزيد، ونحن نرى أن الساحات كانت ومازالت منطلق ما نشهده، وفي مسار مواز علينا أولاً التأكيد بأن الفيلم تم انتاجه قبل كل الأحداث المتسارعة والعاصفة التي تنتقل من عاصمة عربية إلى أخرى.
الفيلم لا ينفصل أبداً عن مفهوم «الساحة» أو «الميدان»، وهو عن شباب جزائري يعاني العطالة والضياع والتخبط، وهو قبل ذلك فيلم موسيقي راقص، تهيمن عليه الأغاني والرقصات، والممثلون هم في الغالب طلاب يدرسون المسرح كما هي حال الممثلة الجزائرية غزل، أو شبان موهوبون بالرقص والغناء والتمثيل كما هي حال الممثل الموهوب أمين بومدين، وليقدم الفيلم في النهاية وفي أسلوب كوميدي كل أحلام وخيبات الشباب الجزائري، الذين يجدون في «الساحة» ملتقى لهم، وحين يقررون الهجرة سرعان ما يسعى المتربصون بهم إلى الاستيلاء على الساحة، وليفشلوا في ذلك مع مقاومة أهل «الحومة» أو الحي لهم، ومع عودة الشباب الذين يكتشفون أيضاً عبثية السفر وترك الأوطان.
الفيلم مصنوع وفق آليات شابة، وامتزاج الموسيقى بين الهيب هوب والراي والألحان الجزائرية الكلاسيكية يجعله حاملاً فنياً لذائقة الشباب وأدواتهم التعبيرية، مع تناغم ذلك مع الرقصات التي صممت على هدي ذلك.
«الساحة» يحمل رمزية مسبقة عن أهمية الساحة ومن يبقيها ملكاً له، إنهم الشباب الذين لم يتخلوا عنها، كما سنرى في نهاية الفيلم.
انتقل إلى الفيلم الثاني وهو بعنوان «بنتين من مصر» للمخرج محمد أمين، الذي عرفه الجمهور العربي من خلال «فيلم ثقافي»، وليكون الفيلم أيضاً قراءة مسبقة للانتفاضة المصرية، ونحن نسمع كلمة «ثورة» تتردد طيلة الوقت في الفيلم، بل إن بناء الفيلم عموماً قائم على أن ثورة في طريقها للقيام في مصر، وهو يصور المناخ العام مأزوماً ومحتقناً ومستعداً للانفجار في أية لحظة، لكن وفي اتباع لعنوان الفيلم ومجمل الفيلم، فإنه سيكون عن مشكلة الزواج في مصر، أو العنوسة بالمعنى الأدق، ولنكون أمام تنويعات وتعقيدات تلك الحالة من خلال امرأتين قامت بلعب دوريهما كل من زينة وصبا مبارك.
في الفيلم مفارقة طريفة، ألا وهي أن ما يعتمل في ثنايا الفيلم من مشاعر ثورية، يقابله فكر رجعي إن تعلق الأمر بالمرأة، التي ستكون في الفيلم أولاً وأخيراً كائناً لا شيء يسعى إليه إلا الزواج، إنه التمركز حول الزواج، التمحور حوله، الهوس به بوصفه الأمل الوحيد لدى المرأة المصرية، ولعل المضحك في الأمر أن بطلتي الفيلم، ورغم كونهما من الطبقة الوسطى، الأولى موظفة في مكتبة الجامعة والثانية طبيبة، فإنهما ستقبلان بسلسلة من المواقف التي لا تنسجم وما يفترض أنهن عليه، فهما مسلوبتا الإرادة، مستسلمتان تماما للزواج، بل إن الموظفة ستقبل ممن ينوي الزواج منها أن يجري لها فحصاً يتأكد فيه من عذريتها، ولا نعرف إن كان قبولها ذلك شيئاً يضاهي العفة التي يتبانها الفيلم، وإن سقطت معها كل القيم الإنسانية الأخرى مثل الصدق والأمانة والثقة.
هذا مثال من بين أمثلة كثيرة تدفع إلى مشاهدة الذي يتنبأ بالثورة المصرية ولا يحمل أدنى ذرة من التطلع الثوري، إن تعلق الأمر بشخصياته، والتي يصلح وصفها ووفق السيناريو بأنها شخصيات مسلوبة الإرادة، تعاني الفصام والازدواجية، ولا تفكر بأن تثور على شيء، وكل مصير المرأة يختزله خاتم، لن يكون بالتأكيد خاتم سليمان.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news