ليلة المهرجان الثانية..هدوء يقطعه «طفل العراق»
لا تشبه ثاني ليالي مهرجان الخليج السينمائي كعادتها، سابقتها الافتتاحية، فبعد يوم امتد إلى ما بعد الواحدة صباحاً، يبدأ اليوم التالي في كواليس المهرجان متأخراً، رغم أن أحد أهم أحداثه اليومية عموماً، وأكثرها جذباً للنقاد، وهي الجلسات النقدية، بدأت بالفعل منتصف الليلة الماضية، فيما أثار الحديث عن فيلم الافتتاح الوثائقي «فيلم العراق» جدلاً متواصلاً، كما لقي حضور المخرجة الإماراتية أمينة بن دسمال، احتفاء خاصاً من اللجنة المنظمة للمهرجان.
قلق الهوية في فيلم الافتتاح
بأنفاس مضطربة، وكلمات متحشرجة وقف المخرج العراقي الشاب ذي الـ21 ربيعاً أمام جمهور فيلمه الافتتاحي «طفل العراق»، محبوس الكلمات قبيل عرض فيلمه للمرة الأولى أمام جمهور غفير، وبعد أن شد من أزره مدير المهرجان مسعود أمر الله، تمكن المخرج الذي كان واضحاً انفعاله الإيجابي بالموقف من التفوه بكلمة شكر، تلاها بمفردة «اعذروني». محسن صرح لـ«الإمارات اليوم» إن فيلمه يتطرق إلى قصته الشخصية، كشاب نشأ في بلده، واضطرته الظروف الأمنية إلى مغادرته العام 1995 إلى الدنمارك مع أمه وأختيه، قبل أن يعود لزيارته للمرة الأولى العام ،2009 بإلحاح من والدته، فتشاء الأقدار أن تموت ويدفنها هناك، مكتشفاً فقدانه هويته العربية في بلده، وعدم قبوله مواطناً دنماركياً في بلد استقر به 11 عاماً. المخرج الشاب الذي يمتلك عملين آخرين اعترف لـ«الإمارات اليوم» بأنه أنجز الفيلم للعرض في الدنمارك، قبل أن يدعوه أحد أصدقائه لتقديمه لـ«الخليج السينمائي»، مضيفاً «أعتقد أنه رسالة وتحذير للشباب العربي بألا يكونوا في تلك المساحة التي تضعهم بين هويتين». رغم ذلك قوبل عرض الفيلم بتباينات كثيرة في وجهات النظر، لا سيما أنه يبتعد عن المعنى التقليدي للفيلم الوثائقي، ويتطرق إلى قصة ذاتية بأسلوب كاميرا حرة وقلقة في الوقت ذاته. |
وجود بن دسمال والاحتفاء بعملها لم يكن ذاتياً محضاً، بل شكل ملمحاً لظاهرة مهمة هذا العام، جعلت «الخليج السينمائي» بوابة لإبداعات 15 مخرجة خليجية، وهي الظاهرة التي ظل المهتمون بالفن السابع في المنطقة ومحلياً يلحون عليها، عبر تشجيع جهود المجيدات منهن مثل نائلة الخاجة ومنال بن عمرو، بل إن أحد أعمال إحداهن، وهو الوثائقي «الوحش الكاسر» لخديجة السلامي، أضحى أحد الأعمال المترقبة جماهيرياً ونقدياً ليس لكونه الوحيد القادم من اليمن فقط، بل لتصريحات مخرجته التي أكدت أن مخيلتها مشغولة ومشحونة بما يحدث في بلدها الآن، وأن «الوحش الكاسر» ليس إلا مقدمة لأعمال أخرى مهمومة بالواقع اليمني.
وعودة إلى الحدث الافتتاحي الذي ظل محور حديث الأمس، فإن افتتاح شاشة المهرجان بعبارة «الشعب يريد إسقاط النظام»، كان بمثابة رسالة موحية ولافتة إلى أن الدورة الرابعة لمهرجان الخليج السينمائي لن تكون بمعزل عن الواقع العربي، ولن تكون الأفلام المشاهدة، بمثابة كانتونات أو حتى عوالم منعزلة عن ما يدور على الأرض، لذلك كان موحياً مشهد افتتاحي أيضاً ثبتت فيه الكاميرا زاوية رؤيتها على حدقتي شخص، قبل أن تتفجر الدموع المحبوسة بعد انحدارها لترسم كلمة مفتاحية هي «أمل».
المدير الفني للمهرجان مسعود أمر الله، أكد تلك المعاني التي قدمت لها الصورة، مؤكداً أن الأفلام مطالبة أن تعكس هموم المجتمع وطموحاته، لافتاً إلى أن التجذر في خلق قاعدة لحراك سينمائي في منطقة تعرف الاستيراد أكثر مما تعرف التصدير، تظل شائكة، لكنه أكد إصرار المهرجان، لأن يظل بوابة لتعريف المنطقة والعالم بإبداعات خليجية تستحق أن تكون رقماً مهماً في حوار ثقافي عالمي بلغة السينما.
وأشار أمر الله إلى أن وجود 114 فيلماً خليجياً في هذه الدورة هو أمر يستحق الوقوف عنده، لافتاً إلى أهمية الجلسات النقدية وورش العمل، والأهم استحداث مسابقة دولية للفيلم القصير انطلاقاً من هذه الدورة، واستحضار مواهب سينمائية عالمية للتحاور مع المواهب الإخراجية الشابة، فضلاً عن تكريم ثلاثة من رواد الدراما الخليجية عموماً.
وفي ما يتعلق بالمشاركات النسائية هذا العام، فرغم مشاركتها بذات الفيلم الوثائقي «حمامة» في مهرجان دبي السينمائي، في دورته الماضية، فإن المخرجة الإماراتية نجوم الغانم تعود لتشارك بذات العمل الذي يصور قصة أسطورة امرأة ذاع صيتها في الدولة تبلغ من العمر 90 عاماً بسبب قدراتها الشفائية المميزة، كما تشارك المخرجة الإماراتية هناء الزرعوني مع طارق غطاس بفيلم «غافة عوشة»، الذي يسرد قصة مؤثرة لفتاة صغيرة تضحي بحياتها لإحضار الماء لأختها المحتضرة في الصحراء، وهو أيضاً فيلم شارك في «دبي السينمائي» في دورته الماضية.
وتشارك المخرجة الإماراتية فاطمة إبراهيم بفيلم «رابيت هول» الوثائقي، الذي يتناول موضوع ابتعاد شباب العرب عن جذورهم وتراثهم العربي، حيث تستشكف المخرجة الأسباب الكامنة وراء الاندثار التدريجي للقيم. بينما تنقلنا كاميرا المخرجة الإماراتية ميسون آل علي في فيلم «شعوب وقبائل» عبر مدينة دبي التي تحوي العديد من الجنسيات، فتبحث عن أوجه الشبه والاختلاف الثقافي في هذا المجتمع المتنوع. ويتنافس الفيلمان في المسابقة الخليجية ضمن فئة أفلام الطلبة. وتشارك المخرجة الإماراتية فاطمة محيي الدين بالتعاون مع المغني والمؤلف «نوش لايك سبلوش» بفيلم «سيرك من ثلاثة فصول»، الذي سيتم عرضه في برنامج «تقاطعات»، وتشارك المخرجة سونيا كيربلاني المقيمة في دبي، بفيلم «الحب المدبر»، الذي يتطرق إلى بعض مشكلات الشباب في بلدها عبر قصة رومانسية.
وفي ذات السياق، تشارك المخرجة الإماراتية مريم النعيمي ضمن فئة الأفلام الوثائقية بفيلم «لهجتنا»، الذي يحذر من خطورة اندثار اللهجة الإماراتية مع مرور الوقت، ومن قطر تشارك صوفيا المري بفيلم «كناري»، ووفاء الصفار في فيلم «أم الصبيان»، وفي ما يعد «كناري» فيلماً درامياً تجريبياً يعالج تطلعات وآمال الأسر، حيث تلعب مراهقة قطرية دور البطولة في هذا الفيلم، تجري أحداث فيلم «أم الصبيان» للمخرجة وفاء الصفار في فترة السبعينات وتدور قصته حول فتى ممسوس منذ الولادة بجنية مؤذية. وسيتنافس الفيلمان في المهرجان ضمن فئة أفلام الطلبة القصيرة.