بن لادن كما في فيلــم هوليوودي
لم يكد يعلن عن مقتل أسامة بن لادن حتى بدأ الحديث عن فيلم عنه، لكن لنكتشف كما نشرت صحيفة «ذي غارديان» اللندنية أن الفيلم كان معداً قبل مقتله، وستقوم بإخراجه كاثرين بيغالو التي عرفناها بفيلم «خزانة الألم». وعلى هدي ما طرأ من أخبار فإن الفيلم أصبح يمتلك «نهاية سعيدة»، بعد أن كان السيناريو متمركزاً حول فشل عملية قتل المطلوب «رقم واحد» في الولايات المتحدة. وهكذا فإن النهاية الآن ستكون على اتساق مع المنطق الهوليوودي، بحيث ان المساعي لملاحقة من يهدد الأمن القومي لأميركا في الأفلام التي نتلقّفها سنوياً لا تنتهي إلا بـ«إحقاق الحق وقتل الأشرار»، وما إلى هنالك من نهايات أصبحت من البديهيات.
قصة بن لادن في الحياة والممات، لها أن تكون هوليوودية بامتياز وعلى مستويات عدة، بدءاً من مسار حياته، حيث البناء القلق لشخصيته المترفة التي سرعان ما تجد في مقاومة السوفيات في أفغانستان هدفاً تتأسس عليه جدوى الحياة، سرعان ما يتحول إلى انقلاب على حلفاء الأمس، أي أميركا، والتأسيس لحلم طهراني تدميري يقسم «العالم إلى فسطاطين»، حسب تعبير بن لادن الشهير والمتناغم تماماً مع منطق جورج بوش الابن، بحيث يمسي الترف تقشفاً ونزوعاً لأفكار تدميرية تتكئ على قراءات خاصة للدين في اتباع لثنائيات شرير/خيّر، كافر/مؤمن، وغيرها، ما يجعل التوصيف إيذاناً بالقتل، ثنائيات هوليوودية بامتياز، فأفلام «الأكشن» تقدم لنا منطقاً مماثلاً تماماً، ولا شيء إلا القتل، وتهيئة المشاهد لتلقّي هذا الفعل بوصفه أمراً لا مفر منه، متى كان من يُقتل وفق منطق الفيلم شريراً، بينما يتمتع البطل بكل مقومات التعاطف بدءاً من عضلاته المفتولة وصولاً إلى قناعاته البسيطة التي تحتمي بستار من الأخلاقيات والمبادئ المصادق عليها سلفاً، ليمضي في مهمته التي تحظى بالرضا والموافقة وإن تسبب في قتل المئات او الآلاف.
بالانتقال إلى مستوى آخر، فإن أحداث 11 من سبتمبر، ولكل من شاهدها بداية بدت أيضاً خارجة من فيلم هوليوودي، ولولا أن من كان يبث الصور مباشرة هي محطات إخبارية أرفقت بتوضيحات وتعليقات لكان من الصعب تفريق ذلك عن فيلم مصنوع بحنكة، فيلم متقدم في الخيال التدميري عن غيره من الأفلام، وإن كنا رأينا في فيلم ديفيد فينشر «نادي قتال» ،1999 برجي التجارة العالميين ينهاران، لكن من يتذكره أمام ما حدث حقيقة.
يجري الآن التعديل على سيناريو فيلم بيغالو كما أوردت أكثر من وسيلة إعلامية، طبعاً هذا أيضاً يعيدنا إلى قصة مقتل بن لادن التي لا حاجة لها للكثير من التعديلات لتأتي في سياق فيلم، والكيفية التي تم العثور فيها على مخبئه، الأمر الذي يعود بنا إلى القناعة التي تشكلت لدى وكالة المخابرات المركزية بأن ما يقود إلى بن لادن ليست قيادات القاعدة، خصوصاً بعد تتبع خالد شيخ محمد ومن ثم اعتقاله، بل عبر مراسليه الذين اعتبرتهم الوكالة نقطة الضعف الرئيسة التي يمكن التسرب منها إلى مكان زعيم تنظيم القاعدة. ولعل الخيط الأهم الذي قادهم إليه ليس إلا مكالمة هاتفية أجراها العام الماضي، مراسله المعروف باسم أبوأحمد الكويتي مع أحد قيادات «القاعدة» في العراق عبر هاتف «الثريا».
أضع المعلومات السابقة لإضاءة ما يمكن أن يكون عليه فيلم بن لادن المقبل، ولعلّي لا أجده إلا في سياق الأفلام التي تتبع العمل الاستخباراتي وعوالمه، مع فارق أنه يأتي عن شخصية حقيقية كانت شاغلة العالم لفترة طويلة، وصاحبة آثار تدميرية على المسلمين والعرب قبل غيرهم، الأمر الذي يصل بنا أيضاً إلى حيثيات العملية التي تمت من قبل قوات النخبة الأميركية، وقد استغرقت 40 دقيقة، ومن ثم قصة إلقاء جثة بن لادن في البحر.
لن يكون هذا الفيلم مرتقباً إلا لكونه عن بن لادن والذي حسب ما أشاهد من أفلام لم أقع عليه في فيلم من قبل، عدا مايكل مور وفيلمه الشهير «فهرنهايت 11/9» الذي أسس عليه مجده السينمائي الخارج من «الجانك» والوجبات السريعة، وتحديداً مع منحه سعفة «كان» الذهبية على هذا الفيلم حين كان يترأس لجنة تحكيم دورة عام 2004 كونتين تارنتينو، حيث تمركز الفيلم حول نظرية المؤامرة، والعلاقة الخفية بين عائلة بوش وعائلة بن لادن وصولاً إلى غزو العراق واحتلاله، وغيرها، قدمها مور وفق وثائق خاصة أريد لها أن تكون هجائية كبرى لإدارة بوش الابن أكثر منها تمحوراً حول بن لادن.
يحضرني في هذا السياق فيلم «أين هو أسامة بن لادن في هذا العالم» ،2008 للأميركي مورغان سوبرلوك، حيث الإجابة حضرت الآن، الأمر الذي استدعى من سوبرلوك المضي إلى سبعة بلدان عربية واسلامية في رحلة البحث تلك والتي يضيء من خلالها مشكلات الشرق الأوسط في الديكتاتورية والتسلط وغيرها، ما حوّل الفيلم مبحثاً في جذور الإرهاب ومسبباته التي يجدها في انظمة عربية مدعومة أميركياً.
ولعل السؤال الذي هو عنوان الفيلم يهبط عليه بوصفه مواطناً أميركياً أولاً، ودافعه هو البحث عن الأمان الذي يتمناه لطفله الذي لم يولد بعد، فبعد أن يمر على الجريمة المتسيدة للشارع الأميركي، وغيرها من مخاطر لا يستثني منها إعصار كاترينا، يصل أسامة بن لادن بوصفه العدو والخطر رقم واحد لأميركا العاجزة بكل أقمارها الاصطناعية وتقنياتها المعقدة عن العثور عليه، كما يقول، وليتحول الفيلم إلى «لعبة فيديو» وهو يحاول الإجابة عن هذا السؤال المؤرق، لا بل إنه ينازل بن لادن في ساحة رقمية، دون أن يتمكن من هزيمته، وكل ذلك بإيقاع سريع وعلى قدر كبير من السخرية.
أفلام كثيرة تناولت «القاعدة»، ولعل الكثير منها جاء مشوقاً، وفي ملمح آخر كانت تتخطى التشويق إلى محاولة الدخول في عوالم هذا التنظيم وقناعات أفراده، لكن يبقى بن لادن والفيلم عنه معبراً نحو سيناريو جاهز ومعد للتصوير، وإن كان هناك من تطلع إلى خيال أكثر من الواقع فهناك الكثير ومما يتكشف يومياً في هذا الخصوص، بما يفتح الباب على مصراعيه أمام أفلام كثيرة أخرى.