الكاميرا المحمولة أصدق إنباءً من الثابتة

لقطة من فيلم «عجمي». أوت ناو

حين تصنع فيلماً وتريد له أن يكون أقرب ما يكون إلى الواقع أو الإيهام بالواقع لتكن الكاميرا محمولة، دع للمشاهد أن يعيش اهتزازات الكاميرا كما لو أن ما نشاهده ليس إلا توثيقاً، والشخوص التي أمامنا خارجة من رحم الواقع وهناك من يصورهم بكاميرا منزلية، هذا ليس بجديد! ويمكن تتبعه على سبيل الأمثلة القريبة في فيلم إسكندر قبطي «عجمي»، حيث التوثيق واحد من الخيوط الكثيرة المتشعبة في الفيلم التي تجتمع لتوثيق حياة «عرب 48» في ذلك الحي الحيفاوي، وصولاً إلى آخر ما شاهدت مع فيلم الأميركية فيكتوريا ماهوني «صراخ إلى السماء» والعوالم السفلية لنيويورك، الأمر تسرب أيضاً إلى الأفلام التجارية مثلما حصل مع أورين بيلي في«نشاط خارق» حيث الرعب مضاعف لا لشيء إلا لحضور الكاميرا المحمولة أو كاميرا التصوير المنزلي التي تمنح الخوارق حضورها الأشد وقعاً.

التعامل مع ما تقدم معبر إلى ما نشهده في عالمنا العربي، أو ما يشاهده المواطن العربي على شاشات التلفزة والإخبارية منها تحديداً، إذ تشكل الكاميرا المحمولة مصدراً رئيساً لنقل الأخبار والمعلومات وتوثيق الأحداث، ما يقود أيضاً إلى تتبع ما يحدث في نقل حي ومباشر، وعليه يمكن الوصول إلى فكرة مفادها أن هذا النوع من النقل الذي يتم من قبل أناس عاديين يحتل يكون الجزء الوثائقي من الحدث، بينما تأتي الرواية الرسمية كما لو أنها فيلم روائي له أن يتحلى بالكثير من الخيال، ومعه بالتأكيد رصانة الصورة، صرامتها وانعدام اهتزازها، والتي ستكون مصورة من قبل طاقم عمل متكامل.

للتوضيح أكثر فإن ما تشهده سورية حالياً صالح تماماً لهذا التقسيم، وتحديداً في ظل التعتيم الإعلامي المطلق لما يحدث ومنع أي وجود لوسائل الإعلام العربية والأجنبية، بمعنى أن مصدر المعلومات غير الرسمية آت على الدوام من الكاميرا المحمولة وهي غالباً كاميرا الهاتف النقال، التي تنجح أو لا تنجح في نقل ما يحدث، لكنها بالتأكيد تكون قادرة على نقل الأجواء، الصرخات، اهتزازها بشدة حين يجابه من يصور حالة عنف شديد، أو أن يتعرض هو نفسه لهذا العنف، بما يدفع أحياناً للتفكير أيضاً: كم من المشاهد صورت ولم تصل أيضاً.

بينما يقودنا الانتقال إلى شاشة التلفزيون الرسمية إلى ما له أن يكون فيلماً روائياً بامتياز، كل شيء مرصود وفق سيناريو معد سلفاً، وكل المقابلات والاعترافات التي يقدمها تمضي في غاية واحدة، وهنا يتجسد تماماً فعل مجابهة الروائي مع الوثائقي، والاستعداد النفسي للتلقي، الحقيقة العارية المأخوذة من الشارع أمام الحقيقة المصنّعة، وما بينهما يحضر السؤال الأكبر حول التصديق، فالوثائقي لا حاجة له بتهيئة المشاهد وبناء جسور من الاتفاق معه، بينما الروائي فله أن يكون مصاغاً بناء على رغبة من يرى، المشاهد الذي يصادق قبل أن يشاهد.

تويتر