«ســــوبر 8»..الكاميرا ولغز قطار منتــصف الليل
يمكن اتخاذ فيلم Super 8 «سوبر 8» المعروض حالياً في دور العرض المحلية مبادرة سينمائية حاضرة على الدوام، تتوخى إتاحة الفرصة أمام أكبر قدر من المشاهدين للتمتع بفيلم سرعان ما ينفضوا من حوله إلى آخر غيره لا يمضي الأسبوع حتى يختفي من الذاكرة، وهكذا دواليك في تتبع لما سيكون عليه التالي أيضاً، ونحن نعد أنفسنا مع كل أسبوع بمساحة ترفيهية تتيحها لنا الأفلام التي تظهر على شاشات العرض المحلية.
من الترفيه يأتي الرهان الأكبر للفيلم، ولعله قادر تماماً على منح ذلك من خلال مصادقة ستيفن سبيلبيرغ منتجه المنفذ الذي يمكن وصفه دون تردد بأنه ملك الترفيه الأول، والغرائبية التي أسس لها على مسار ثابت لا يحيد عنها وهو يصرخ بنا: تعيش المتعة والترفيه والعتاد جاهز على الدوام لإيجاد مملكة خيالية تلو أخرى، ولن تكون المخلوقات الفضائية والألغاز المساحة الأثيرة التي يطبق عليها سبيلبيرغ انتاجاً وإخراجاً.
ضمن الساعة والنصف أكثر أو أقل لا فرق يمكن المضي مع الكاميرا التي صورت هذا الفيلم كونه أيضاً يحمل اسم الكاميرا التي كانت معبراً لأي مهتم بالتصوير في الزمن الذي يتحرك فيه الفيلم، وأقصد هنا كاميرا السوبر 8 التي حضرت في أواسط الستينات بينما تكون أحداث هذا الفيلم في أواخر سبعينات القرن الماضي، ونحن نتعرف إلى مجموعة من الفتية الصغار يصورون فيلما خاصاً بهم عن مصاصي الدماء، له أن يكون أداة في حركة الفيلم نحو التقاط الأجواء أو المعطى الثقافي الذي يسود أميركا تلك الفترة، من خلال جيل له أن يكون الآن قريباً من الأربعين عمرياً، أو بعمر مخرج الفيلم مثلاً.
«سوبر 8» الذي أخرجه جاي جاي ابرامز الخارج من «ستار ترك» فيلم شباك تذاكر بامتياز، يطال كل الفئات العمرية، ولعل الفيلم الذي يصوره أولئك الفتية بكاميرا سوبر 8 هو الفيلم نفسه أيضاً، أي أنهم وهم يقومون بتصوير فيلم «زومبي» فإن ما يحصل معهم، أي الفيلم نفسه، له أن يكون ما سيصير عليه هؤلاء الأولاد مستقبلاً ليقوموا بتصوير فيلم حقيقي مليء بالألغاز والعوالم العجيبة.
إنه فيلم جو وأليس، الأول نتعرف إليه من البداية وقد صار يتيماً بعد وفاة أمه التي تعمل في معمل الفولاذ، وهو ابن نائب الشريف في أوهايو، بينما أليس يتيمة الأم ايضاً لكنها ابنة رجل كحولي مضطرب إلى حد بعيد نتعرف مع سير أحداث الفيلم إلى العلاقة المأزومة بين والدي كل من جو وأليس.
يضاف إليهما تشارلز الذي سيكون صلة الوصل بين جو وأليس طالما أنه مخرج فيلم مصاصي الدماء والذي سيشارك فيه في مهرجان الأفلام المدرسية.
الحدث الرئيس في الفيلم يتمثل بكون جو وأليس وتشارلز ورفاقهم من طاقم عمل الفيلم المدرسي سيكونون شهوداً على حادث مريع، وهنا سنشهد عقدة الفيلم الدرامية الأولى، إذ إنهم سيقومون في منتصف إحدى الليالي بتصوير فيلمهم المدرسي في محطة قطار مهجورة، وأثناء هذا التصوير سيمر قطار سريع وبالتالي سيسعى تشارلز إلى استغلال ذلك بحيث يعيد تصوير المشهد بينما يمر القطار كخلفية، ولكن وأثناء ذلك يرى جو سيارة تمضي مسرعة على سكة القطار وماضية باتجاه القطار المسرع، وعندما تصطدم به فإن انفجاراً هائلاً سيحصل وفي مشهد يمتد لدقيقة تتطاير فيها القاطرات، حيث يكون القطار محملاً بمواد متفجرة وخاصاً بالقوات الجوية الأميركية.
هناك سيكتشف جو ورفاقه من كان يقود السيارة والذي سيكون أحد مدرسيهم في المدرسة، وسيوصيهم بألا يخبروا أحداً بما حصل أو ماشاهدوه لأنهم سيقومون بقتلهم وأهلهم معهم.
هذا الحدث سيشكل بؤرة الفيلم وما يخرج من قاطرته سيكون مربط الفرس، وهنا سيتحقق أمران: الأول سيتشكل اللغز رهان الفيلم، حيث ستشهد البلدة مجموعة من الأحداث الغريبة الغامضة، ستختفي المحركات من السيارات، والغسالات، وسيفقد السكان كل ما له علاقة بالتكنولوجيا، وصولاً إلى أسلاك الكهرباء إضافة إلى اختفاء أشخاص سيكون أولهم شريف البلدة، كما أن الجيش لن يتعاون مع الشرطة وعلى رأسهم والد جو الذي سيقوم باحتجازه، وصولاً إلى اكتشاف حمولة القطار وما خرج منه، وهنا سينتقل الفيلم إلى مستوى آخر يحقق تصنيفه الثاني أي الخيال العلمي، تاركاً اكشتاف ما يلي ذلك لكم لئلا أخرب عليكم متعة المشاهدة.
فيلم «سوبر 8» يعتمد على خلطة تحتوي على كل شيء، ويستوفي عناصر الإثارة والتشويق والخيال، ويتحرك فيها من خلال سيناريو هوليودي وتقليدي بامتياز: بداية، وسط، نهاية، نتعرف إلى الفتية، يقع حادث القطار، تتعقد الأمور دون أية منغصات ثم تمضي إلى الحل، كل شيء آمن، الأحداث تمضي كما رسم لها وكل شيء مسخر لكم للخروج من الفيلم بمتعة مصوغة بما يخدم تحقيقها، ومع هذا يتنقل الفيلم الذي بلغت تكلفته 45 مليون دولار لتشكيل كائن خاص به لا تتضح معالمه إلا في الجزء الأخير من الفيلم، ومن ثم يتمكن من تقديم تشكيل معدني مدهش في النهاية له أن يكون «ترانسفورمر» في شكل جديد لا يهبط إلى الأرض بل يصعد إلى الفضاء، والبطولة المطلقة لجو الذي لن يكون قد تجاوز العاشرة من العمر، وهكذا فإننا أمام فيلم مصنف لحضور الأطفال أيضاً لكن بإشراف عائلي، وبما أن سبيلبيرغ منتجه فإن تكلفته سرعان ما تتحول إلى أرباح هائلة كما هي العادة وكما هو ما تتطلع إليه مثل هذه الأفلام.