آخر مسرحيات شكسبير في فيلم

«العاصفة».. السينما تتكلم «شكسبيري»

صورة

شكسبير حاضر على الدوام في السينما، وللتدليل على ذلك يمكن أن يمضي المتابع خلف عشرات الأفلام التي تم اقتباسها من أفلامه ولمرات عدة، بحيث أمسى للمسرحية الواحدة أفلام عدة تمتد من السينما الصامتة إلى أيامنا هذه، ولنكون الآن أمام واحد من آخر الأفلام التي اقتبست عملاً مسرحياً من أعمال شكسبير ألا وهو The Tempest «العاصفة» 2010 من إخراج جولي تيمور صاحبة «فريدا»، وللدقة فهو ليس الأخير، فقد قدم الممثل البريطاني رالف فينس هذا العام فيلماً من إخراجه بعنوان «كريولانوس» مأخوذاً عن مسرحية لشكسبير ايضاً، وقد سبق أن قدمنا لهذا الفيلم.

علي بدايةً أن أؤكد بأن فضولاً كبيراً كنت مسكوناً به يدفعني لمشاهدة «العاصفة» سينمائياً، ولأسباب عدة على علاقة بخصوصية هذه المسرحية الشكسبيرية، بغض النظر عن كونها آخر مسرحية كتبها ويليام شكسبير، فهي تمتلك بيئة بصرية فريدة لا مثيل لها في أعماله الأخرى، وتحمل مساحة خيالية كبيرة تتيح للاستثمار بالمعادل البصري بطرق مبتكرة، كون المسرحية أيضاً مقاربة للمدينة الفاضلة حسب شكسبير، وهناك شخصيات خيالية كثيرة تتحرك في سياقها من أرواح هائمة ووحوش وكائنات خرافية.

الفضول ذاك لم يكن آخذاً بعين الاعتبار ما أؤمن به بأن المسرحيات الشكسبيرية كانت على الدوام شديدة الوطأة على السينما، ولتمسي الأفلام شكسبيرية أيضاً، تطغى عليها المسرحة والحوارات الشكسبيرية وكامل العتاد المتعلق بها، عدا تجارب قليلة أخذتها إلى فضاءات مغايرة كما الحال مع الفيلم الذي أخرجه آل باتشينو، وقد كان بعنوان «البحث عن ريشتارد» على سبيل المثال.

في «العاصفة» سيكون الأمر غير بعيدعن الظل الثقيل والطاغي للعمل المسرحي، لكن مع حضور جوانب أخرى تجعل الأمر مخيباً، كون الفيلم ينزع المعادل الإنساني لما نشهده، بمعنى أن معاينة السلوك البشري التي برع فيها شكسبير ستكون غائبة على حساب تجسيد كائناته في ذلك العمل، بل إن الفيلم سيبدو في جانبه الأكبر فيلماً عن السحر والسحرة، مع تعديل مارسته جولي تيمور التي كتبت أيضاً سيناريو الفيلم بجعل شخصية «برسبيرا» نسائية على عكس ما تكون عليه في المسرحية، وقد لعبت دورها باقتدار هيلين ميرن، من دون أن يكون في ذلك أي جديد، اي اقتدار ميرن، وبالتالي فإننا سنكون حيال انتقامها ممن كانوا السبب في نفيها إلى هذه الجزيرة المنعزلة حيث تعيش وابنتها ميراند وكل من كاليبان واريل، وهي تسيطر عليهما بقوة السحر الذي تعلمته من الكتب، هي التي كان من المفترض أن ترث حكم ميلانو من زوجها إلا أن أخاها قام بخداعها والتحالف مع حاكم نابولي والاستيلاء على الحكم ووضعها على متن قارب هي وابنتها، ولتتولى العناية الإلهية أمر نجاتهما ووصولهما تلك الجزيرة. العاصفة تهب على سفينة تحمل أخاها وحاكم نابولي وآخرين، وذلك وفق مشيئة برسبيرا وتتولى تلك الروح الهائمة، أي أريل، أمر نجاتهم ووصولهم إلى الجزيرة، وعليه يتحقق مراد بروسبيرا، وتقع على من كانوا السبب في مصيرها المأساوي.

الفيلم من الناحية البصرية التي يمكن الرهان عليها لم يحقق التطلع، وجاء على قدر كبير من الاستعمال الفظ لمعالجة الكمبيوتر للكائنات والعوالم التي يضعنا حيالها، وإن تغليب هذه الناحية أيضاً التي صيغت على عجل، فرطت في المغزى الشكسبيري للعمل في الوقت نفسه، وعلى هذا النسق ضيع الفيلم إمكانية اقتباسه مادة غنية بصرياً وسردياً وجمالياً، ولم يجد ما يرتكز عليه من تلك الصفات آخذاً نتفاً من هذه وتلك.

تويتر