«هانا» فيلم للإنجليزي جو رايت

مملكـة «الأكشن» في خطر

صورة

شيء وكل شيء في آن، العبارة ملتبسة، لكنها مع الفيلم، حيث ننوي تعقبها من خلاله، ستتضح، ولها أن تكون في صياغة أخرى وعلى هيئة سؤال: كيف نصنع فيلم «أكشن» مختلفاً؟ يبدو أن الإجابة ستكون حاضرة لدى المخرج الإنجليزي جو رايت وفيلمه الجديد Hanna «هانا» المعروض حالياً في دور العرض المحلية، إجابة لها أن تكون إشكالية على مبدأ شيء وكل شيء في آن!

بداية علي توضيح ذلك، فأنا ذهبت لمشاهدة الفيلم من دون أن أتحرى أية معلومات عنه، بما فيها مخرج الفيلم، وتعاملت معه بوصفه فيلماً تجارياً لا يستدعي اهتماماً أو استعدادت مسبقة، ومع بداية الفيلم ومعرفتي بأن مخرجه جو رايت فإنني دخلت في مرحلة استعداد ما، لا بل داهمتني رغبة لمعرفة إن كان الفيلم مأخوذاً عن عمل أدبي، كون ما قدمه هذا المخرج كان دائماً مقتبساً عن عمل روائي مثلما الحال مع Pride & Prejudise «كبرياء وانحياز» 2005 عن رواية جين أوستن الشهيرة، ونحن نتابع كيرا نايتلي تنتقل من هذا الفيلم إلى آخر بعنوان Atonement «توبة» 2007 عن رواية بالعنوان نفسه للروائي البريطاني إيان ماكوين، وصولاً إلى The Soloist «العازف المنفرد» ،2009 المأخوذ عن كتاب لستيف لوبيز، لكن في عتمة الصالة فإن هكذا معلومة لم أعثر عليها على الرغم من أن «تترات» الفيلم لم تذكر أن الفيلم مأخوذ عن رواية أو كتاب، وهو كذلك حقاً، فالقصة والسيناريو كتبها سيث لوتشهيد، لكن يبقى أن نذكّر في هذا السياق بأن الفيلم الذي يعمل عليه جو رايت حالياً هو «آنا كارنينيا».

بداية مشجعة

البداية مشجعة جداً في «هانا»، نحن حيال فتاة لم تتجاوز 16 من عمرها في غابة بيضاء مغمورة بالثلوج، تطلق السهم وتصيب وعلاً، فيمضي يركض بعيداً إلى أن تخونه قواه ويقع، ومن ثم نقع على تلك الفتاة تلحق به، وحين تصل إليه تقول: لم أسدد على قلبك وعليه تطلق رصاصة الرحمة، ومن ثم تنهمك في إفراغ أحشائه إلى أن يأتي رجل ويهاجمها من الخلف وتبدي تلك الفتاة شجاعة ومهارة خارقتين في مقاومة ذاك الرجل.

البداية تعدنا أولاً بتصوير جميل، وتنويع في اللقطات واستثمار جمالي في اللون والإضاءة والمساقط، الفتاة اسمها هانا «ساوريس رانون» بينما الرجل الذي تحاول مقاومته هو والدها ايريك (ايريك بانا)، إنهما في مكان ناء تحاصره الثلوج، وكل ما تعرفه هانا قادم من والدها، هذه الفتاة خارقة القوة، وقادرة على اجتياز كل ما يضعها والدها في مواجهته، وهي تعرف أكثر من عشر لغات كما سيتضح لنا، ولديها ركام هائل من المعرفة النظرية التي تأتيها من الكتب التي يقرأها لها والدها.

كل ذلك سيقول لنا نحن حيال فيلم «أكشن» من نوع خاص، وهذا ما سيثبته لنا المخرج جو رايت طيلة أحداث الفيلم، حيث لن يستسلم إلى الحركة والإثارة، بل سيكون هناك الكثير من الغرائبية التي تنتظرنا، والرهان بصري على الأغلب ويتناغم تماماً مع شخصية هانا، وهي تقول لوالدها إنها أصبحت جاهزة، وبالتالي فإنها تصبح في قبضة الـ«سي آي إيه»، وتحديداً ماريسا (كيت بلانشيت). حبكة الفيلم بسيطة، فـ«هانا» ليست إلا فتاة لها الكثير من الأهمية لدى الوكالة المركزية وماريسا، وبالتالي فإن وصولها مركز الاستخبارات سيخضعها لعدد من الاختبارات التي تؤكد أنها«غير عادية»، الأمر الذي سنتعرف إليه لاحقاً، في رحلة «هانا» من المغرب إلى برلين، وما يشكله والدها بالنسبة إليها، وصولاً إلى مجابهة ماريسا.

امرأة خارقة

كل ذلك يبدو أقل من عادي في سياقات أفلام «الأكشن»، بمعنى أننا سنكون حيال امرأة خارقة ذات ماض غامض سنكتشفه تباعاً وأثناء ملاحقات كثيرة لها، لكن قولنا إن هذا جزء من الفيلم سيقودنا إلى ما له أن يدفعنا للتوقف عنده، بمعنى الكيفية التي قدم فيها كل ذلك، وللإجابة عن ذلك يكفي أن نقول إن هروب «هانا» من الاستخبارات المركزية سيضعها في صحراء مترامية، فإذا بها في المغرب، وهنا سندخل في نفق الغموش والجماليات التي بدأ بها الفيلم، ونحن نلاحق «هانا» من عالم إلى آخر، من دون أن ننسى أنها تختبر كل شيء للمرة الأولى في حياتها، مثلما الحال بخصوص صداقتها مع فتاة انجليزية تكون برفقة عائلتها في المغرب، أو تلقيها أول قبلة في حياتها، الأمر الذي لا يحدث كونها ستجد في القبلة تهديداً لا يختلف عمن يحاول قتلها، ودائماً هناك تنويع في المناخات ومواقع التصوير والشخصيات الغرائبية، كما حال المهرج والمكان الذي يسكنه، حيث تحيط به مجسمات الديناصورات والحيوانات العجيبة وصولاً إلى مكان سكنه. في فيلم «هانا» تصبح الحبكة التي تتوالى في سياقها أحداث الفيلم أمراً ثانوياً أمام العوالم التي تفتحها أمامنا «هانا»، فنحن سننتقل من عالم إلى آخر ونطمئن إلى أننا برفقة امرأة خارقة، لها أن تركض كما في فيلم «اركضي يا لولا اركضي» أو اعتبار ذلك القاتل الذي يصفر خارج من «البرتقالة الآلية» ومنتمٍ بامتياز لهؤلاء الشبان الشقر الذين يمجدون القتل والعنف في فيلم ستانلي كوبريك، وكل ذلك برفقة خيال علمي، خيال ينتصر فيه البصري على الافتراضي بمعنى حالة «هانا» نفسها، إنه رهان على فيلم يريد للأكشن أن يكون أكثر من مجرد مجموعة من المواجهات و«هانا» في حالة هرب دائم، إنه فيلم يطوع كل ما هو ممكن في خدمة الغرائبية التي تمثلها «هانا»، بحيث تمسي حالتها فرصة لتقديم عوالم غريبة وفق منطق الفيلم نفسه، وعليه فإننا سنقبل بظهور الغزال في نهاية الفيلم بينما تعبر «هانا» نفقاً، ولتنجح في النهاية أن تسدد إلى القلب، قلب امرأة لا قلب الوعل السابق الذكر.

تويتر