«كونان البربري»..هدر للمال الخاص

لابد أن عُطلة العيد في الإمارات كانت ثلاثية الأبعاد على الصعيد السينمائي، من دون أن نعرف ـ كمشاهدين ـ إن كان من أهمية تذكر لهذا البعد الثالث، الذي عليك أن تتذكر أنه موجود من النظارات التي تضعها ولا شيء غير ذلك، مثلما هي الحال لدى حضور فيلم Conan The Barbarian «كونان البربري»، والذي يدفع في الوقت نفسه إلى شعور غريب لا يعبر عنه سوى مصطلح يصف هذا الفيلم، كأن نقول عنه: «إنه هدر للصورة وجمالياتها على مبدأ محاكاة عبارة هدر المال الخاص وليس العام هذه المرة، حين يدفع المشاهد 50 درهماً لمشاهدة هذا الهراء المدجج في الوقت نفسه بكل تقنيات الصورة الحديثة، بما فيها الأبعاد الثلاثة التي لم تنجح في جعلنا نتغافل عن حقيقة كونه فيلماً رديئاً».

هذه الرداءة مغرية أيضاً بالكتابة عنها، لا لشيء إلا لتأكيد حقيقة نغفل عنها تتمثل بالسؤال عن العنف المجاني في هذا الفيلم وغيره من أفلام مشابهة، ومدى توافره بهذه السيولة والتدفق من دون أية عوائق لها أن تقول لنا إن «هكذا أفلام ما يفترض أن تحمل صفة خدش الحياء العام، وبكلمات أخرى، إن هكذا الفيلم مثال فاضح لما وصلت إليه إنتاجات السينما التجارية من فداحة حين تندرج تحت عنوانها لتقدم للمشاهد ساعتين من القتل من دون غطاء درامي إلا مجموعة من الاكليشهات المتمثلة بالانتقام الذي يشرعن الوحشية والبربرية، كما هي الصفة الملتصقة بصاحبنا كونان».

فيلم «كونان البربري» يقول لنا من البداية إننا أمام قصة خرافية لا شيء فيها إلا قصة انتقام كونان، الذي نشهد ولادته في ساحة الوغى في تشكيل بصري جميل، يتمثل في اللحظة التي يخرج فيها من رحم والدته وليرفعه والده عالياً مع صرخة ابتهاج بدائية، بينما طعن السيوف والرماح يحيط به من كل جانب.

لا يمهلنا الفيلم، كونان في الثانية أو الـ14 من عمره، ولم يتقن بعد القتال بالسيف كما يجب، لكنه سرعان ما يتمكن من قتل أكثر من ستة من أعداء قبيلته، وإحضار رؤوسهم من دون أن يكسر بيضة الطير التي يضعها في فمه، كما يقول لنا الاختبار الذي يخضع له فتية القبيلة، كما أننا لن نستغرق وقتا كبيراً، حتى يتحقق صراع الفيلم حين يقوم زيم (ستيفن لانغ) بغزو قبيلة كونان من «السيمريين» للحصول على قطعة يملكها والد كانون (رون بيرلمان) متعلقة بقناع يستطيع من خلاله زيم من حكم العالم، الأمر الذي يتحقق بعد أن يقتل زيم جميع «السيمريين» بمن فيهم والد كانون الذي يحترق بالمعادن المصهورة لصناعة السيوف.

بعد ذلك سينتقل كونان من كونه فتى صغير إلى شاب شديد البأس، ولعل من المهم هنا التأكيد أن الفتى الذي لعب دور كونان في الصغر أهم بكثير من الدور الذي لعبه جاسون موما، الذي سنجده ينتقل من مكان إلى آخر وهو يقتل منوعاً في الطرق والأساليب وهو يلاحق زيم، وكونان على حالته من البلاهة ومحاولاته الفاشلة بأن يكون خفيف الظل، الأمر الذي يزيد من ثقل دمه وليس العكس، وليكون زيم في هذه الأثناء يسعى برفقة ابنته الساحرة للحصول على المرأة سليلة النسب، وهو يقتحم مدينة بواسطة سفينة يسكنها وابنته، لكنها تمخر عباب البر، وهنا يدخل العنصر النسوي إلى الفيلم مع تمكن كونان من انقاذ سليلة النسب تلك، ولكم أن تتخيلوا البقية، والصراع بين كونان وزيم وقوى الشر التي تحملها ابنته، وغير ذلك من مغامرات عليه أن يخوضها كونان للظفر بالمجد البربري. يتيح هذا الفيلم الذي أخرجه ماركوس نيسبل الشعور بأننا حيال فيلم له أن يوصف باللعبة الرقمية، الصفة المهيمنة على أفلام كثيرة في هذه الأيام، فكل ما نشاهده ليس إلا مراحل من تلك اللعبة، إذ على كونان اجتيازها، ولعل القتل في هذا السياق يكون مماثلاً للضغط على مفاتيح اللعبة، وكل ما يفعله بطل الفيلم يتمثل بانتقاله من مرحلة إلى أخرى أصعب، وهكذا دواليك وصولاً إلى النهاية المضمونة النتائج.

في هذا السياق، يتلقف المشاهدون حول العالم هذه الأفلام بالمنطق نفسه، فكل ما أمامه آمن، التوصيف الذي يعرفه جيداً القائمون على الفيلم كونهم سيكونون ،وقبل عرض الفيلم، قد قاموا بكل ما يضمن النتائج على صعيد المشاهدة والربح، مع عرضه على عينات من المشاهدين التي تقرر الكيفية التي على الفيلم أن يصاغ فيها، وعليه يأتي عرضه مضمون النتائج ورابحاً.

الأمر لعبة تسويقية بحتة، حتى وإن كان تشبيه الفيلم باللعبة الرقمية لا يتيح للمشاهد أن يلعب بمجريات الفيلم أثناء عرضه الآن، إلا أن ذلك يكون قد حدث في ما مضى. الخط الدرامي في الفيلم يخبرنا الكثير في هذا السياق، ومجانية العنف لا تبقى كذلك إن تمت المصادقة على أن هذا ما يريد أن يراه المشاهد بعد استيفاء الاتفاق على أجواء الفيلم، وعليه تكون منازلة كونان لزيم في أول مرة مرحلة أولى في اللعبة، سيف زيم الأشبه بالمقص ليس من الممكن مقاومته، كما أن قدرات ابنته السحرية ستضع كونان أمام كائنات رملية، وعليه فإن نجاته ستكون على يد المرأة سليلة النسب كم يطلق عليها، لكن هذه واحدة من مراحل الفيلم - اللعبة، وثمة مراحل أخرى على المشاهد أن ينتطرها، وعلى البطل أن يجتازها حتى وإن كانت مقاعد السينما غير مزودة بالمفاتيح التي تتيح له أن يشارك في ذلك، إلا أنه لا داعي للقلق، كل ما تتمناه سيحدث، كما لو أنك ستحقق أعلى «سكور» في اللعبة.

الأكثر مشاركة