«اقتل الإيرلندي».. رجل العصابـات النبيل

شخصية غرين تنتمي إلى الشخصيات الإيرلندية القادرة على أن تكون أثيرة. أرشيفية

يمكن له أن يكون مثقفاً ونبيلاً وقاتلاً، وكل ذلك من صنيع يديه، ولا منة لأحد عليه، أي إنه لم يحصل على الشهادة الثانوية، لكنه قرأ عدداً من الكتب يقارب كتب مكتبة الكونغرس، وهو ليس نبيلاً بالسلالة والحسب والنسب وغير ذلك مما لا يد فيه، بل هو من بيئة متواضعة، إلا أن أفعاله تتحلى بهذا النبل، ولديه حساسية عالية تجاه الظلم، أما كونه قاتلاً فهذا على اتصال بمسعاه لتحقيق كل شيء بيديه، وكونه يعيش في أميركا وأصوله ايرلندية وكل ما حوله في «كليفلاند» يدار بواسطة المافيات، لا بل إن العمل النقابي يمضي جنباً إلى جنب مع تلك المافيات.

الأوصاف السابقة تنطبق على داني غرين في فيلم Kill The Irishman «اقتل الإيرلندي»، اسم الشخصية التي جسدها في ذاك الفيلم راي ستيفنسون، واسم شخص حقيقي يسعى الفيلم إلى تقديم سيرة حياته التي يختلط فيها كل ما تقدم، لنكون في النهاية أمام رجل يستحق الاهتمام، وقد اجتمعت الكثير من الصفات فيه، ونحن نشاهد في الفيلم مقاطع وثائقية على اتصال بالأحداث المجسدة.

رجل لا يعرف الخوف، علينا أن نضيف، ونحن أمام فيلم «غانغستر» بامتياز، إنه «عراب» على طريقته الخاصة التي يمكن اعتباره من خلالها «عراب نفسه»، ونحن نقع عليه في البداية وهو يقود سيارته ويسمع أغنية تصدح من الراديو، فإذ بتشويش يطرأ عليها، فيرمي بنفسه منها قبل أن تنفجر سيارته بثوان.

ومن ثم يتولى المحقق جو (فال كيلمر) مهمة الراوي الذي يعود بنا إلى طفولة داني، وصولاً إلى شبابه وعمله في تفريغ وتحميل السفن في كليفلاند، ومن ثم توليه نقابة العمال، وبالتالي تحوله إلى رجل على اتصال بالمافيا، وتورطه بعدد من العمليات المشبوهة، ومن ثم اعتقاله ونجاته من السجن.

يمكن متابعة سرد هكذا أحداث قدمها الفيلم بما يؤكد كم هي غنية وحافلة حياة ذلك الرجل، وبما ينقلنا بالتأكيد إلى التمركز حول تلك الشخصية كما هو الفيلم ورهانه، ولنكون في النهاية أمام فيلم رجل عصابات ومعه تلك «اللكن»، أي أنه أولاً ايرلندي وليس ايطالياً، ومحتكم على عدد من الخصال التي تلتقي والمصائر التي تنتظره، ونحن في سبعينات القرن الماضي، ولعل شخصية داني غرين تنتمي إلى تلك الشخصيات الإيرلندية الكثيرة القادرة على أن تكون أثيرة، من جراء قدرتها أن تشق طريقها على طريقتها الخاصة، فهو ليس «مايكل كولينز» في فيلم نيل جوردن عن هذه الشخصية السياسية في عشرينات ايرلندا وهو يسعى إلى الاستقلال، وليس بوبي ساندس القائد في الجيش الإيرلندي الجمهوري الذي قضى من جراء اضرابه عن الطعام في فيلم ستيف ماكوين «جوع» ،2009 لكنه يلتقي مع تلك الشخصيتين وغيرهما من شخصيات إيرلندية في أشياء كثيرة، لا بل إن داني غرين يمتلك كل مقومات الزعيم السياسي، وهو كذلك في البداية حين يطرح عليه أن يتولى نقابة عمال رصيف الميناء في كليفلاند، لكن المحيط سيقوده إلى أن يكون زعيم مافيا سرعان ما تنمو وتكبر، وتنتقل من عمل إلى آخر، ومن مواجهة إلى أخرى، وهو على عناده وكبريائه واعتزازه بهويته الإيرلندية التي تدفعه طيلة الفيلم ليشعر بأنه مقاتل سلتي، وأن نجاته من السجن والقتل ليست إلا عناية إلهية، وصولاً إلى النهاية التي عليها أن تكون على اتساق مع حياة هذا الرجل وعنوان الفيلم.

تويتر