رواية ألكسندر دوما مرة أخرى

« الفرسان الثلاثة ».. فيلم محقـون بــ « البوتوكس »

صورة

يمكن وصف فيلم The Three Musketeers (الفرسان الثلاثة) المعروض حالياً في دور العرض المحلية، بالفيلم المحقون بـ«البوتوكس»، والتأسيس عليه - مثله الكثير من الأفلام التجارية - لنظرية «البوتوكس» السينمائية، إذ إننا سنكون أمام فيلم مترهل، لا شيء فيه إلا تلك الحقن المتأتية من إمكانات انتاجية ضخمة، بما يضفي عليه مظاهر توحي بأنه يانع ونضر، وهو في الحقيقة لا يحمل إلا ترهلاً وعجزاً في مفاصله الرئيسة، لا بل وفي حالة فيلمنا هذا فإنك ستفكر بمصمم/مصممة الأزياء في الفيلم أكثر من المخرج، كذلك الأمر بالنسبة للديكور، كونهما العنصرين الوحيدين الناجحين فيه، وصولاً إلى أن الفيلم مأخوذ عن رواية بالعنوان نفسه لالكسندر دوما، وقد قرأت إلى ما لا نهاية كون أي سلسلة من قصص الأطفال لا تخلو منها، وقد سبق وأن قدمت فيلماً عام .1993

وتأكيداً لما تقدم، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هنا، هو سؤال لنا أن نضعه على لسان مخرج الفيلم بول أندرسون الخارج من «الشر المقيم» والداخل في ملكوت سباقات الموت وما إلى هنالك، «ماذا سأفعل بالفرسان الثلاثة؟»، ولتكن الإجابة متمثلة بحقنٍ من الكوميديا، ومعها حقنة طويلة جداً من الموسيقى التصويرية التي لا تكاد تفارق الفيلم إلا لتتحفنا ببعض الجمل الرنانة، موسيقى تصعيدية على الدوام تدفع للتوتر دون أن يكون ما نشاهده مدعاة إليه، خصوصاً أن المطمح الأكبر للفيلم أن يكون خفيف الظل، تشاهده وتنتهي منه كما تنتهي علبة البوشار «سوبر سايز»، إضافة إلى تحويل السفن إلى سفن طائرة وخوض معارك فوق الغيوم بدل البحار، إذ إن السفينة لا شيء تغير فيها سوى كونها محمولة بواسطة منطاد، كما أن التحكم بالاتجاهات والملاحة يتم بواسطة الياطر، ولا أعرف إن كانت السفن واستخدامها خارج المياه موضة جديدة في عالم أفلام الإثارة والأساطير، مثلما شاهدنا مثلاً في فيلم «كانون البربري» الشرير زيم (ستيفن لانغ) الذي يتنقل براً بواسطة سفينة تجرها البغال والأحصنة والعبيد.

لن يمهلنا فيلم «الفرسان الثلاثة»، فها هو آثوس (ماثيو ماكفيدن) يخرج من تحت الماء في لباس غواص من القرن السابع عشر، ويقتل كل من يقع عليه، ولتخرج عليه دي وينتر (ميلا جوفافيتش) ولنعرف على الفور إنها عشيقته، وليحصل آثوس على أول مفتاح، ثم نقع على آراميس (لوك ايفانس) يرمي بنفسه من الجسر على قارب ويحصل على المفتاح الثاني، بينما بارثوس (راي ستيفنسون) فإنه سيكون مقيداً بالسلاسل، لكن سرعان ما يحول تلك السلاسل إلى قيد يقيد به معتقله، ويحصل على المفتاح الثالث، ومع اكتمال المفاتيح سندخل عالم «الماتركس»، لكن في القرن السابع عشر ونحن نرى دي وينتر تعبر ذاك الممر العجيب الذي يطلق نيرانه ما ان يعبره أحد، بينما دي ونتر تكون اسرع من النيران والرصاصات والكرات الحديدية المدببة، وعندما تنحي جسمها يعبر كل ذلك من فوقها، وكل ذلك للحصول على واحدة من تصميمات دافنشي التي نكتشف أنها تصميم لتلك السفن الطائرة، لكن دي ونتر ستخون آثوس وتسلم هذا المخطط إلى دوق بيكنغهام (أورلندو بلوم) العدو الأول للويس الثالث عشر ملك فرنسا.

ثم سننتقل إلى شاب في مقتبل العمر اسمه دارتون (لوغان لرمان) الذي سنقع عليه وقد أتم تدريبه من قبل والده وقد أصبح فارساً لا يشق له غبار، وليمضي إلى باريس، ويتحول إلى ما له أن يكون حقنة تعيد الروح للفرسان الثلاثة، وقد تحولوا إلى رجال محبطين وكحوليين، يفتقرون إلى قضية كبرى يقاتلون من أجلها.

هنا سيدخل الفيلم إلى قصر لويس الثالث عشر الفتى الناعم المدلل والمفسود، بينما الحاكم الفعلي هو الكاردينال الممتلك لحرسه الخاص والقادر على التلاعب بالملك كيفما يشاء إلا عندما يكون الأمر متعلقا بالفرسان، الذين ستتدخل الملكة دائماً لمساعدتهم.

يقرر الكاردينال أن يدبر مؤمراة تظهر فيها الملكة عشيقة للدوق بيكنغهام، وبالتالي يمسي للفرسان الثلاثة ومعهم دارتون دور في إفشال هذه المؤمراة التي تنفذها دي وينتر التي تصير أيضاً على شيء من «مسز سميث» أو «سولت»، كما كانت عليه انجلينا جولي في كلا الفيلمين، وربما بما يشبه أيضاً كاتاليا في «كولمبيانا» آخر ما شاهدنا في هذا الخصوص، حيث تأنيث البطولة الخارجة من ألعاب الفيديو، وهذا ما سنرى عليه دي وينتر وهي تتسرب إلى داخل القصر وتخطف العقد الذي أهداه الملك للملكة، وقد أجرت تعديلا على ثياب القرن السابع عشر، وغير ذلك من استعانات من أفلام كثيرة، ليبدو الفيلم خلطة لا يعتب عليها شيء.

ليس هناك مناهضة للخلطات، ما لم تكن على شيء من الحقن السابقة الذكر، التي لا يطلب منها إلا أن تكون ممتعة في هذا السياق، ولعلها حين تعجز عن ذلك فإن المسعى لوضع الفيلم في غرفة العناية المركزة لن يجدي نفعاً أيضاً، وليس لنا عندها إلا انتظار انتهاء الفيلم، الأمر الشبيه بموته، لكن أيضاً ورغم سودواية كلمات كهذه لا تتناغم وخفة الفيلم إلا أنه لا محيد عنها، للوصول إلى القول إن الفيلم لم يعش حتى يموت، إذ تشبه مشاهدته، مشاهدة شيء ونسيانه كما لو أنه لم يكن.

تويتر