ستيف جوبز أسهم في تشكيل وجه العالم المعاصر. إي. بي. أيه

ستيف جوبز.. الدراما والخيال العلمي

ما الذي كان سيوصف به فيلم صنع منذ أكثر من 54 سنة، يقول لنا إن حياة شخصيات الفيلم أصبحت لا تتعدى رقاقة إلكترونية بحجم عقلة الاصبع، لها أن تحتوي على كل شيء وتحمل كل حياة الشخص وذكرياته ومكتسباته بأنواعها كافة؟ أو أن قطعة صغيرة لا تتعدى حجم الكف لها أن تختزل العالم، الذي سيمسي عالماً افتراضياً، يمسي مع الوقت أشد حضوراً من الواقع نفسه؟

سيكون في ذلك فكرة جريئة لفيلم خيال علمي، له أن يكون على اتصال بتطورات تطرأ على الاختراعات العلمية لكنها تأخذ بها إلى أقصى ما يمكن أن تصله تلك التطورات. لكن إن فيلماً يحكي عن ذلك في أيامنا هذه لن يتعدى كونه فيلماً وثائقياً، يتناول ثورة المعلومات والاتصالات التي يشهدها العالم والتي تضعنا كل يوم أمام تطورات جديدة.

ما يدفعنا إلى إيراد ما تقدم، خبر وفاة ستيف جوبز الذي له أن يكون مفصلياً في كل ما تقدم، ولعل هذه الشخصية التي أسهمت في تشكيل وجه العالم المعاصر ومعها تلك التفاحة المقضومة، ليس لها أن تكون إلا معبراً أكيداً نحو خيال علمي تحقق، كما هي قصة الصعود إلى القمر التي كانت في أربعينيات القرن الماضي وما قبلها ضرباً من الخيال، ولعل ما صنعه جوبز مع تفاحته الشهيرة له أن يكون على اتساق تام مع عصر «الماتركس» بما يجعلنا نمشي في ممرات افتراضية ونلتقي ونحب ونكره ونختلف ونتصارع لكن افتراضياً، مع اتساع هيمنة الافتراضي على حياتنا الواقعية بما يجعله حاضراً أكثر من الواقعي.

لكن قبل المضي خلف ما تقدم، يمكن أيضاً تتبع حياة ستيف جوبز التي تحمل بنية هوليوودية بامتياز، فهو المولود لأب سوري (عبدالفتاح جندلي)، والذي يجري تبنيه من قبل عائلة أميركية، سيكون حمّالاً لدرامية كثيرا ما شاهدناها في الأفلام الأميركية ومعها الحلم الأميركي، الابن المتبنى سرعان ما يحقق نجاحات أسطورية تضعه في مصاف أهم الشخصيات العالمية، لكن دون أن يتواصل لمرة واحدة مع والده، أو العكس صحيح أو أصح، كون والده البيولوجي سيجد مفارقة كبرى أن يهمل ابنه طوال حياته ولا يعود ليتواصل معه إلا بعد أن يحقق ستيف نجاحات كبرى، وكما هو معروف فإنهما لم يتواصلا أبداً.

هذا منطلق لدراما أولية تأتي من الجانب الشخصي من حياة ستيف جوبز، أما الجانب الإبداعي فهناك مساحة مترامية من المكتشفات والمتغيرات التي طرأت على العالم كانت من صنيع هذا الرجل، وهنا المساحة مفتوحة على مصراعيها أمام معالجة سينمائية كثيرة، وهنا نتكلم عن فيلم له أن يكون عن سيرة هذا الرجل، والذي تكفي مظاهر الحزن والاساليب المبتكرة للتعبير عنها حول العالم لتقول كم سيكون فيلم كهذا مصدر ترحيب من قبل المشاهدين حول العالم، خصوصاً أن الحديث جار الآن أن سيرة ستيف جوبز ستصدر قريباً عن دار نشر أميركية.

بالانتقال إلى الخيال العلمي، يبدو الكمبيوتر في ما مضى أمراً خارقاً كما سيبدو عليه الأمر مع فيلم كوبريك «أوديسة الفضاء» 1968 حيث يتحول الكمبيوتر إلى شخصية من لحم ودم دون أن تكون كذلك، ولو حتى على هيئة رجل آلي، لكنه سيكون عبارة عن غرفة هائلة الحجم من المعدات والذاكرة التي يقوم بفصلها وتعطيلها رائد الفضاء حين يمضي الكمبيوتر في تخريب الرحلة المتوجهة إلى المشتري، وفي ذلك الوقت يمكن للحديث المباشر عبر الشاشات أن يكون حديثاً عن خيال علمي، وكل ما يشكل خرقاً على صعيد المسافات والتواصل وغير ذلك، كما أن أورسون ويلز سيضع هذا الشيء المسمى كمبيوتر في فيلمه «المحاكمة» 1962 عن رواية فرانز كافكا، حين نرى «جوزيف ك» يمضي من أمام كتلة هائلة من المعدات المعقدة التي تحتاج لمساحة مبنى.

كمبيوتر كوبريك وويلز تحولا إلى شيء لا يتعدى حجم الكف، وهنا يحضر ستيف جوبز على صعيدين سينمائيين، الأول علمي وهو يجعل من الخيال حقيقة والآخر درامي عن حياته الشخصية، وبينهما هناك فيلم يتحرك في الآفاق، ولي هنا أن أقولها دون أن يمسي ذلك خبراً: ترقبوا فيلماً عن ستيف جوبز.

الأكثر مشاركة