سينمائيون يتحدثون عن أثر «الربيع العربي»

الصورة السينمائية تريد إسقـاط الرقابة

هل ستكون الثورات العربية محفزة لمخيلة السينمائي العربي. أ.ب

أجمع سينمائيون مشاركون وضيوف في الدورة الخامسة من مهرجان أبوظبي السينمائي، على أن السينما العربية ستجد طريقها للحرية هي الأخرى، أسوة بشعوب «الربيع العربي»، الذي لم ينته بعد، مؤكدين أن الشعوب التي استطاعت أن تغير التاريخ لن يكون من السهل إعطاؤها فيلماً لا يتناسب وتحررها، الذي بدأ ينمو في داخلها، مشيرين في الوقت ذاته إلى أن التغيير في شكل السينما ليس من الضرورة أن يكون آنياً، خصوصاً أن صناعة السينما مرتبطة بشركات إنتاج تبحث عن ترويج الفيلم تجارياً، ولم تخرج بعد من هذا الإطار، مجمعين على أن السينمائيين يجب أن يتحدوا لإسقاط الرقابة.

 لنتريث

قال الناقد السينما المصري طارق الشناوي، الذي يعد أول من دعا إلى مقاطعة مهرجان دمشق السينمائي، احتراماً لدماء الشهداء الذين قدموا أرواحهم على الأراضي السورية من أجل الحرية: «لا نحلم كثيراً أن الدنيا ستتغير على كل المستويات، لأن الأشخاص الذين كانوا ينافقون لمصلحة حسني مبارك اليوم، ينافقون للمجلس العسكري»، مؤكداً «النفاق قائم، لكن الشيء الذي بتنا نعتمد عليه أن الجمهور هو الذي بدأ يتغير، فهو بشكل أو بآخر سيراهن على النوع عندما يشتري التذكرة ويقتل النوع عندما يقرر عدم الشراء»، مضيفاً: «الرهان على الجمهور تراكمي، لن يحدث اللحظة، وعلينا أن ننتظر»، مستشهداً بأن فيلم «شارع الهرم» لقي إقبالاً جماهيرياً واسعاً في مصر، شأنه شأن كل الأفلام السابقة التي كانت تنتج في ظل النظام، للاتجاه والمنتج والمجموعة نفسها، وعندما يكون المنتج هو المسيطر بماله وبطريقته لن يختلف الأمر حتى لو كان المخرج جديداً وكل الممثلين بارعين، ولفت الشناوي أن «الأمل في التراكم، والشكل الإنتاجي سيتغير، وسيفتح الباب أمام الإنتاجات المحدودة، فالمزاج تغير وكل شيء سيتغير، الأغاني التي كان يغنيها شباب الثورة تعد أغاني قديمة تدل على ذائقة كانت مدفونة وحان لها أن تشدو، لكن علينا بالتريث».

مرجل الشارع العربي لايزال يغلي

كتب الناقد السينمائي العراقي عدنان حسين أحمد، في أحد المواقع الإلكترونية، أن «التغييرات الجذرية التي يشهدها العالم العربي لا بد أن تنعكس سلباً أو إيجاباً على صناعة السينما العربية التي كانت أسيرةً للأنظمة القمعية العربية التي تهاوى أعتى رموزها حتى الآن، فيما ينتظر طغاة آخرون مصائرهم، طالما أن مرجل الشارع العربي لايزال يغلي وسيحرق في أتونه كل هؤلاء المتجبرين الذين تلاعبوا بمقدرات الشعوب العربية الممتدة من المحيط إلى الخليج العربي»، ويقول «لقد حطّم الشعب العربي في تونس ومصر وليبيا حتى الآن جدار الخوف، فيما يواصل أقرانهم في اليمن وسورية والعراق تحطيم هذا الجدار المرعب الذي سنتلمس نتائجه في القريب العاجل في بعض الأفلام الوثائقية التي ترصد على وجه السرعة هذه المتغيرات العظيمة التي لم نألفها من قبل. كما يمكن أن نتلمس بعض ملامح هذا التغيير في أفلام روائية آمل ألا يهيمن عليها طابع العجالة والسرعة لمجرد خوض هذه التجربة اللافتة للانتباه».

مرحلة طرية

الناقد العراقي فيصل عبدالله، أكد أنه من غير الممكن لأي عمل إبداعي أن يلم بتفاصيل صغيرة في هذه الثورات، «خصوصاً أن الثورات مازالت في مرحلة الولادة الأولى، (مرحلة طرية)، مرحلة فيها التباسات، مرحلة تتداخل»، وقال: «من غير الممكن لأي مبدع أن يلم بهذه التفاصيل، وبالتالي من غير الممكن أن نقول إن هناك ردة فعل سريعة على ما جرى في الشارع العربي، سواء في تونس أو مصر أو سورية أو العراق، وغيرها من البلدان العربية التي تعاني طواغيتها».

وأضاف: «هذه العملية تحتاج إلى فترة طويلة حتى تكون الاستجابة لهذا الحدث الكبير الذي هز مجتمعاتنا، وهي معظمها مجتمعات تقليدية قائمة على الثبات، وعلى نوع من التابوهات، وبالتالي من غير الممكن أن تستجيب السينما بشكل سريع لهذه الاحداث»، مستشهداً بالتجربة الاوروبية والأميركية «يجب أن نأخذ في الحسبان تجربة الحركة الثورية التي حدثت في أوربا عام ،1968 التي احتاجت لسنوات من يمثلها ومن يعبر عنها سواء في السينما أو الأدب و بقية الحقول العامة»، فحرب فيتنام التي هزت الضمير العالمي، حسب تعبيره، بقي منتجها الإبداعي متخلفاً، لأسباب سياسية، وحتى السينما الاميركية لم تنتج أفلاماً تحكي حرب فيتنام لفترة طويلة، والى حد اللحظة مازالت تعد من التابوهات، مقارنة بالأفلام التي تناولت الغزو الاميركي للعراق»، معللاً السبب الى تعدد وسائل الاعلام وسهولتها والتكنولوجيا «وبالتالي توفر المعلومة فكانت الاستجابة بهذا الشكل اوذاك تحيط بالمشهد»، مؤكدا «بتقديري الشخصي السينما العربية مازالت مترددة للامساك بكل تفاصيل الحدث الذي صار بالشارع العربي، وحاجز الخوف يحتاج الى فترة تأهيل والتأهيل يحتاج الى زمن».

مخيلة حرة

المخرج الأردني محمود المساد، الذي يشارك العام عضو لجنة تحكيم في «جوري» المتخصصة في الأفلام التسجيلية، قال «لا شك في أن الثورة العربية ستكون محفزة لمخيلة السينمائي العربي وحتى الأجنبي»، موضحاً «حيث يبحث صناع السينما دائماً عن قصة تضيف الى مسيرتهم البقاء»، واضاف صاحب أفلام «الشاطر حسن»، «اعادة خلق»، «هذه صورتي وانا ميت»، أن «السينمائي العربي مثله مثل اي شخص في هذا الوطن الكبير، كان ينتظر الفرصة وقد جاءت»، مؤكداً أن «الجرأة في المشهد ستظهر كما النص كما الإخراج كما الشكل العام».

بدوره، قال المخرج الإماراتي نواف الجناحي، الذي يشارك في فيلمه الروائي الطويل الثاني «ظل البحر»، الذي صوره كاملا في امارة رأس الخيمة «هناك معاناة شعب وانتصارات وحكايات لم نلمسها بعد، وحقائق مازلنا ننتظر ان تخرج للنور، وأكاذيب يجب أن تدحض، وغيرها من المشاعر المتناقضة التي لا يستطيع الا السينمائي ان يشكل منها صورة»، وأضاف «ربيع الثورات العربية لم ينتهِ بعد، ومن المبكر جدا أن نتحدث عن سينما، من البديهي أن تشهد تحولاً كبيراً في المنطقة العربية»، مستشهدا بأنه «لسنوات ليست بعيدة ثابر المخرجون على صناعة أفلام تحكي الرئيس السابق جمال عبدالناصر، لأن فترته شهدت التغيير، وستظل السينما تستشهد بالثورات العربية الى أجل غير مسمى، خصوصاً أن الفيلم يصنع ليخلد».

طاووس

قال الفنان السوري فارس حلو: «نحن الآن في عصر السينما الحلم»، موضحاً «هذا لا يلغي السينما السابقة لكنه يلغي كل الأفلام التي قامت على تمجيد الطغاة»، وقال «أنا اليوم فناناً أمشي كالطاووس، كمن يعرف ماذا سيقدم غدا من حكايات».

الفنانة ليلى علوي التي تشارك ضمن لجنة التحكيم في فئة الأفلام الطويلة ترى أن «كل شيء سيتغير لأن الوعي تغير»، مؤكدة أن «السينما لعبت دوراً تاريخياً في كل حقبة عايشتها، والسينمائي يحتاج دائما الى موضوعات جديدة يسلط الضوء عليها»، مضيفة «نحن على دراية كاملة بأن التغيير سيحدث لكن بصورة حضارية تتناسب مع الوعي الجديد».

تويتر