جديد الجناحي يمضي إلى «الفريج» على أطراف المدينة الحديثة. الإمارات اليوم

«ظل البحر».. البحث عن رهان الفيلم

لابد لأي عمل إبداعي أن يمتلك رهاناً لنا أن نتعقبه ونجد إن كان وفياً لهذا الرهان أم لا! رهان العمل نفسه وليس أي شيء خارجه، لئلا يمسي الأمر إملاء نقدياً، ونحن نتحدث هنا عن فيلم «ظل البحر» الإماراتي إخراجاً وكتابة وإنتاجاً، والذي يصلح وصفه بفيلم مرتقب بقوة لعوامل كثيرة، بل إن عرضه العالمي الأول في الدروة الخامسة من «أبوظبي السينمائي» سيتبع بإطلاقه في 17 نوفمبر في دور العرض المحلية.

إنه فيلم الإماراتي نواف الجناحي «ظل البحر» المشارك في مسابقة «آفاق جديدة» وقد عرض أول من أمس في مسرح أبوظبي، ولعلي حيال هذا المخرج كنت في حالة ترقب لما سيحمله في جديده بعد فيلمه الروائي الطويل الأول «الدائرة»، وتتبعي لأفلامه القصيرة التي وضعته كواحد من الأسماء الرئيسة التي تعد بالتأسيس لسينما إماراتية، وليأت «ظل البحر» وبإنتاج اماراتي «ايمج نيشن» في مكان آخر من «الدائرة»! فإن كان الأول على اتصال بالمدينة الإماراتية الحديثة وبالاتكاء على الأبراج والطرقات السريعة وتحريك الأحداث والشخوص تحت املاءات هذا الفضاء، فإن جديد الجناحي يمضي إلى «الفريج» على أطراف المدينة الحديثة، ويراهن على هذه المساحة الجغرافية التي لها أن تكون إمارات الأمس لكن اليوم، وبالتالي فإن بناء الفيلم يتأسس على البيئة باستحضار الحنين الذي يلغي الشرط الزماني للماضي، الحنين المحمل بكل أنواع المطبات والمنزلقات.

يحكي «ظل البحر» الذي كتبه محمد حسن أحمد عن منصور «محمد الملا» المراهق الذي يتلمس خطواته الأولى في الحب، موزعاً بين جارته كلثم «نيفين ماضي» القريبة عمرياً منه، وعويش «مريم حسين» الأكثر نضجاً والمحملة بغوايات المرأة المثالية للمراهق، وحين يبدأ الفيلم باللقطة التي مازالت على ما يبدو واردة، أي أن تقع من كلثم أغراض يقوم منصور بجمعها لها وتوصيلها إلى بيتها، سيمضي الفيلم نحو التأسيس لهذه العلاقة، التي سرعان ما يتخلى عنها منصور ويمضي يلاحق عويش، وبين شرائه خلخالاً للأولى وعطراً للثانية يمضي زمن الفيلم ونحن نتعرف إلى شخصيات أخرى مثلما هو الحال مع أم منصور «عائشة عبدالرحمن» العدائية التي لا تتوقف على الصراخ وتعنيف ابنها الوحيد منصور دون أن نعرف إن كان السبب مثلاً زوجها المقعد «بلال عبدالله»، أو صناعتها المثلجات التي لا يفعل منصور شيئاً إلا توصيلها وانتقاله من بيت إلى آخر وهو يجمع النقود ويوفر منها لشراء الهدايا. وفي مسار مواز يحضر والد كلثم المتجهم دائماً والذي لا يتوقف عن شرب الماء ورفض كل شيء تسأله إياه ابنته كلثم وأختها الصغيرة، وصولاً إلى أخيها الكبير جاسم «محمد إيراج» الذي يكون قد تخلى عن حياة «الفريج» ويعيش حياة عصرية.

في ما تقدم شيء من فيلم «ظل البحر» الذي إن بحثنا عن رهانه فإن الأمر سيكون بمثابة عملية تنقيب، تبدأ أولاً برهان بيئي، لن يكون صائباً أبدا التعويل عليه، عندما تأتي الشخصيات دون ذلك العمق، دون ملمح لمسببات تأتي في سياق الفيلم تقول لنا لم هي كذلك، كما أنها منفصلة بالمعنى البيئي للعمل في مظهرها ومضمونها، بينما كل ما يحيط بها يأتي بمثابة خلفية، بما في ذلك ما تلتقطه الكاميرا من لقطات جميلة، الجمالية التي تمتد إلى كامل تصوير الفيلم، والتي ستكون ذات طابع تزييني ما لم تتناغم وبنية العمل كاملة.

ومع استحضار الحنين إلى زمن مضى ولن يعود فإن ما تغير وأفضى إلى كون سكان هذا «الفريج» المجاور للبحر وحيدين ومهجورين، لا يضعنا أمام الخيار الآخر المتاح لهم، إلا حين استحضار جاسم الوحيد في الفيلم الذي خرج من هذا السجن إن صح الوصف، بل إن ما تعيشه الشخصيات كما قدمت في الفيلم لا يساند الحنين إلا إذا استثنينا منصور.

ومع مضي الفيلم الذي يبدو أن قراره حاسم في الذهاب في خط واحد دون أية انعطافات أو تغيرات، ونحن نتعقب منصور المتسم بالبراءة، إحدى أهم صفاتها الرتابة، نكون حيال يوميات فتى إماراتي في «الفريج» ونضع الدراما جانباً، لكن ومرة أخرى يحضر الرهان الغائب، الذي يقول لنا في البداية ما من دراما في ما نقدمه، ولنكتشف أن الفيلم محتشد بالدراما المغيبة، أو المتروكة لثلث الفيلم الأخير، والتي تأتي مع كلثم والحلاق الآسيوي «علي الجابري»، بما يوحي بأن كلثم تعرضت لتحرش من قبله أو أكثر - الله أعلم - خصوصاً مع إقدام أخيها على ضربه في محله وصولاً إلى وقوف كلثم على حافة ذلك البناء المهجور.

ثمة تشتيت في بناء الفيلم ماثل أولاً بمنح زمن مترام لمنصور دون أن يكون هناك فارق بين أن يشتري خلخالاً أو عطراً أو حتى أعمال عبدالمجيد عبدالله التي هي في النهاية مجموعة هدايا، بينما تكمن الدراما، كل الدراما عن كلثم، فكلثم ومعها عائلتها تحتوي كل إمكانية الإضاءة على الصراع الذي تعيشه كل الشخصيات والإجابة عن سؤال: لمَ هي متمسكة بهذا النمط من الحياة البطيئة على أطراف حياة متسارعة ومتطورة؟ لكن ذلك يمر في الفيلم مروراً سريعاً، وتعطى المساحة لما يمكن اختزاله ببضعة مشاهد ولقطات وهو يحتل حقيقة معظم زمن الفيلم.

في الفيلم ما له أن يوحي بأنه البنية الرئيسة قصيرة النفس، وفي توصيف آخر يمكنني القول هناك سوء في التوزيع، أفضى إلى تشتيت هنا وهناك، بل إن الأمر يمتد للقول ختاماً إن الفيلم يبدأ ويمضي خلف ما يبعدنا عن جوهر لا يمكن التقاطه إلا بصعوبة بالغة، وفي معان لها أن تكون موجودة في النيات أكثر من المشاهدة.

الأكثر مشاركة