«تريشنا» .. مملكة حــواس هندية

لعل تنقلات المخرج من بيئة إلى أخرى، ومن أجواء وعوالم إلى أخرى تقف على النقيض منها، تدعونا لتوقع كل شيء منه، كما أنه سيمنح نفسه في ذلك مساحة لحيوية لن تكون إلا مشرقة إن كانت هذه التنقلات حصيفة، وليس لنا إلا أن نتابعها مادمنا على موعد دائم مع المفاجآت.

المخرج البريطاني مايكل ونترباتم هو تماماً كذلك، وما جديده الذي عرض في الدورة الأخيرة من مهرجان أبوظبي السينمائي إلا دليل آخر على أنّ توقع جديد هذا المخرج أمر صعب، فهو ومن خلال فيلمه المعنون Trishna (تريشنا)، سيقول لنا أنا مخرج لا يستكين إلى مساحة بعينها ولا أسلوب ثابتاً لا يقبل التغيير، إنه وفي هذا الفيلم سيمضي بنا إلى الهند، مقدما عملاً أدبيا للكاتب الانجليزي توماس هاردي قام ينقله سينمائيا ليضعنا في هند اليوم.

قبل المضي مع «تريشنا»، فإن الفيلم السابق لهذا الفيلم كان بعنوان «القاتل في داخلي» والذي قدم فيه ونترباتم مساحة مرعبة من العنف، لدرجة أن كثراً ولدى عرضه الأول في برلين السينمائي غادروا القاعة من وطأة مشاهد العنف التي حملها، ولنكون ونحن نشاهد «تريشنا» أمام فيلم لا علاقة له لا من قريب ولا بعيد بـ«القاتل في داخلي»، إنه ميلودراما عاطفية يؤسس عليها ونترباتم كامل فيلم، إنها قصة حب بين تريشنا (فريدا بينتو)، وغاي (ريز أحمد)، بين تلك الفتاة الفقيرة التي تعيش في قرية نائية في راجستان وذاك الشاب الثري القادم من لندن لإدارة أعمال والده وأملاكه المترامية، وفي الفيلم ما يجعل هذه العلاقة تمر بفصول متوالية وفي صعود وهبوط، «تريشنا» المرأة التي لا تراهن إلا على العشق، التي تقبل كل شيء كرمى لعيون غاي، إنها هي من ستعمل في أحد المطاعم والمنتجعات الكثيرة التي يملكها والد غاي ومن ثم ستقع في غرامه، حبها سيكون بمنتهى البراءة، لكنها سرعان ما ستحمل منه، ورد فعلها الوحيد سيكون في هربها من قصر غاي، ومن ثم إقدامها على الإجهاض لدى عائلتها دون أن تخبر غاي بأي شيء.

في هذا العلاقة التي ستعود وستتوالى فصولها، سيحول غاي تريشنا إلى «عبدة جنسية»، ستقبل كل شيء في البداية، وحين ستعيش في بومباي معه ستفتح أبواب كثيرة أمامها مثل الغناء والتمثيل إلا أنها لن ترضى إلا أن تكون إلى جانب غاي، الذي يعود بها إلى منتجع ناء، إذ يكون عليها فقط خدمته وتلقي شهواته ونزواته بطاعة كاملة، إلا أن تصل النهاية، وتقدم على قتله بطعنه عشرات المرات.

هذا الخط العام لأحداث الفيلم، وما عدا ذلك فنحن حيال فيلم مدهش بصرياً، إن التصوير الخارجي فيه يحتل معظم مشاهده، إذ ستكون الهند موثقة بصرياً كما لم يفعل أحد من قبل، وعلى إيقاع مدهش، ولنكون بالمحصلة أمام كرنفال بصري يحتفي بالهند، يلتقط كل صغيرة وكبيرة تمشي جنباً إلى جنب مع أحداث الفيلم، لدرجة دفعتني وأنا أشاهد هذا الفيلم إلى التفكير في أن حاستي البصر والسمع اللتين نقابل بهما هذا الفيلم قد تضاف إليهما حاسة الشم مثلاً، من شدة غنى ما تحمله اللقطات والمشاهد ومواقع التصوير التي تتغير إلى ما لا نهاية متنقلة في أرجاء الهند المترامية.

وإضافة إلى ما تقدم، فإن هذا الفيلم لا يبتعد كثيرا عن بوليوود، بمعنى أن قصة حب بين فقيرة وثري تتكلم كثيرا في هذا الخصوص، إضافة إلى الرقصات والأغاني التي تأتي ضمن سياق الفيلم دون أن تهبط علينا في كل ربع ساعة من حيث لا ندري كما في الأفلام البوليوودية.

فيلم «تريشنا» بوليوودي كما يرى ونترباتم بوليوود، ولعله يلقن تلك السينما درساً بما على الميلودراما أن تكون عليه، ولعل القول إن هذا الفيلم متعة للحواس، هو التوصيف الأكثر دقة في مقاربته.

الأكثر مشاركة